فضّل الله عزّ وجل بعض الشهور على بعض، كما فضّل بعض الأماكن على بعض، بما اقتضت حِكمته سبحانه وتعالى ليجد فيها العباد البرّ وليُكثروا فيها مِن الأعمال الصالحة؛ فشهر رجب اختصّه الله بفضائل كثيرة؛ فهو مِن الأشهر الحرم وبه ليلة الإسراء والمعراج التي فرض الله فيها الصلاة على المسلمين. الشهر الحرام شهر رجب من الأشهر الحُرم التي ذكرها الله عزّ وجلّ في كتابه العزيز بقوله عزّ من قائل: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ}، والأشهر الحرم التي حدّدها المولى عز وجل هي: ذو القعدة، ذو الحجة، المحرم، ورجب، والنهي هنا {فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ} نهيٌ عن هتك حرمتها وارتكاب المعاصي فيها؛ فمعنى ذلك تطهير نفس المؤمن خلال هذه الأشهر وتهيئتها لطاعة الله تعالى. ليلة الإسراء والمعراج شرّف الله تعالى الأمة الإسلامية بمسرى نبيّها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم مِن مكةالمكرمة إلى بيت المقدس والصلاة في المسجد الأقصى إماما بالأنبياء والمرسلين؛ فلهذا الشهر فضيلة كبرى بوقوع الإسراء والمعراج فيه، كما قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}. الصلوات الخمسة وفُرِضت الصلوات الخمسة أيضا في هذا الشهر الكريم؛ حيث كانت في أوّل الأمر خمسين صلاة، ثمّ صارت خمسا في العمل وخمسين في الأجر والثواب، وكان ذلك في ليلة واحدة في وهي ليلة السابع والعشرين من شهر رجب قبل الهجرة إلى المدينة بسنة. ما قاله الرسول الأكرم عند دخول رجب وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا دخل رجب كان يقول: "اللهمّ بارك لنا في رجب وشعبان، وبلّغنا رمضان". فضل شهر الله رجب وحول فضل شهر الله رجب وما يجب على المسلم أن يستعدّ له فيه وفضائل الاستعداد لموسم الطاعات، يقول الدكتور إبراهيم الهدهد -نائب رئيس جامعة الأزهر- إن الرسول صلى الله عليه وسلم يُنبّه الأمة إلى أيام فضائل الأعمال بقوله: "ألا إن في أيام دهركم لنفحات؛ فتعرّضوا له"، ولا سيّما شهر رجب. ويقول الدكتور محمد حرز الله -إمام وخطيب مسجد الحسين- إن شهر رجب يذكّر الأمة بالإسراء والمعراج والعون الإلهي والمدد الرباني تتويجا لصاحب الدعوة صلى الله عليه وسلم على جهوده، وإرسائه لقواعد البشرية على الرحمة والعدل والمساواة، وهو الشهر الفضيل الذي خصّه الله تعالى به انطلاقا للدعوة الإسلامية إلى الآفاق بعد الإسراء والمعراج؛ حيث شرعت فيه أفضل الفرائض "الصلاة"، وقال الرسول عنه في حجة الوداع: "إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السموات والأرض السنة اثني عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مُضر جاء بين جمادي وشعبان". سبب تسميته ب"رجب" "رجب مُضر": رجبت الشيء أي عظّمته؛ فسُمّي رجب رجبا لأنه كان يرجب؛ أي يُعظّم، وأمّا تسميته "رجب مُضر"؛ فقيل: لأن مُضر كانت تزيد في تعظيمه واحترامه فنُسِب إليهم لذلك. الصيام في شهر رجب ويُوضّح الشيخ عبد اللطيف المناحي -مدير مراكز الدعوة بوزارة الأوقاف- أن رجب مِن الشهور التي فضّلها الله لقوله تعالى في سورة التوبة: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ}، والرسول صلى الله عليه وسلم رغبنا في الطاعة في هذه الأشهر بألوان كثيرة من الطاعات؛ على رأسها عبادة الصيام لقوله صلى الله عليه وسلم "صم من المحرم واترك"، ولعل هذا الأمر يُشير إلى تهيئة النفس واستعدادها لشهر رمضان؛ فبقدوم شهر رجب لم يتبقّ على رمضان سوى أقل من 60 يوما، وينبغي أن نلاحظ أن النبي الكريم قال "صم من المحرم واترك"، وفي هذا رد على مَن يصوم شهر رجب كاملا؛ فلو صام المسلم يومي الإثنين والخميس من كل أسبوع وصام 3 أيام في وسطه أيام 13 و14 و15 أو صام يوما وأفطر يوما وهو صيام داوود عليه السلام -وهو أحبّ الصيام إلى الله- كان قد أصاب السنّة، ولم يشق على نفسه؛ فالنبي لم يصُم شهرا كاملا غير رمضان. ماذا ستفعل في هذا الشهر الكريم؟ عليك أخي المسلم أن تُهيّئ نفسك لهذا الشهر بالتوبة الصادقة النصوح لله رب العالمين لقوله تعالى: "وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون"، وقراءة القرآن والصدقة أيضا من العبادات التي يتقرّب بها إلي الله. أبواب الأيام المباركة التي يجب استغلالها والاجتهاد فيها بالعبادات والطاعات، والإكثار من أعمال الخير حتى يرى الله منّا ما يرفع به كثيرا من الابتلاء والمصائب وكأن الله سبحانه وتعالى يمنّ على الأمة بتلك الأيام لتكون فرصة لمراجعة النفس والمحاسبة والتوبة قبل فوات الأوان.