الفرصة الأخيرة    محافظ الغربية يهنئ الرئيس السيسي بمناسبة العام الميلادي الجديد    «القومي للإعاقة» و«شباب القادة» يبحثان إطلاق برنامج قومي للتدريب على البرمجة    «حافظ على نفسك»    هل يوم الخميس عطلة رسمية بمناسبة السنة الميلادية؟    وزير التعليم العالي: إنشاء قاعدة بيانات متكاملة للعلماء المصريين بالخارج    وزارة الزراعة تطلق حملة قومية لمكافحة "الزمير" لحماية إنتاجية القمح    تراجع سعر الدولار مقابل الجنيه بمنتصف تعاملات اليوم الأربعاء    شعبة المواد الغذائية: البندق يتصدر أسعار ياميش رمضان متجاوزًا الكاجو والفستق    عام الأمل والأمانى    معرض مجانى لتوزيع الأثاث المنزلى والأجهزة الكهربائية بقرى مركز الحسينية    الاستثمارات الخاصة في العام المالي 2024/2025 تسجل أعلى مستوى في 5 سنوات    «التموين»: معارض أهلًا رمضان 2026 بتخفيضات تصل إلى 30%    نموذج للتعاون الاقتصادى    كييف تعلن إسقاط 101 طائرة مسيرة روسية خلال الليل    الاحتلال يقتحم قرية المغير وبلدة الرام ويطلق قنابل الغاز والرصاص المطاطى    4 مصابين جراء اعتداءات قوات الاحتلال الإسرائيلي على بلدة جبع شمال الضفة    الزمالك يقبل اعتذار أحمد عبد الرؤوف ويكلف دونجا بقيادة الأبيض    أمم إفريقيا - كاف يقرر تغريم قائد بوركينا فاسو بسبب تصريحاته ضد الحكام    عضو اتحاد الكرة: هاني أبوريدة أخرج أفضل نسخة من حسام حسن في أمم إفريقيا بالمغرب    بتروجت يواجه البنك الأهلي في صدام قوي بكأس عاصمة مصر    تفاصيل فشل انتقال حامد حمدان لصفوف النادي الأهلى    «عزومة» صلاح تبهج بعثة منتخب مصر في المغرب    قتل بلا شفقة.. النيابة تروى لحظات النهاية المروعة لأطفال فيصل    «الأرصاد» تناشد بارتداء الملابس الشتوية في احتفالات رأس السنة    «التعليم»: افتتاح 10 مدارس يابانية جديدة العام الدراسي المقبل    إصابة 10 أشخاص فى حادث انقلاب أتوبيس بمحور الأوتوستراد    الداخلية تضبط عصابات سرقة السيارات والمواقع تحت الإنشاء بالقاهرة    محافظ المنوفية يشدد برفع درجة الاستعدادات بكافة القطاعات والمرافق الحيوية    المركز القومي للمسرح يطلق مبادرة 2026.. عام الفنانين المعاصرين    برلمانى: قرار المتحدة للإعلام خطوة شجاعة تضع حدا لفوضى التريند    نور النبوى ضيف برنامج فضفضت أوى مع معتز التونى على Watch it اليوم    إوعى تقول: مابصدقش الأبراج؟!    الإثنين.. مؤتمر صحفي للكشف عن تفاصيل مهرجان المسرح العربي    خالد الصاوي: 2025 سنة التحول في حياتي    أم كلثوم.. محطات الرحلة بين سيرة الحب وسيرة الست    مواقيت الصلاه اليوم الأربعاء 31ديسمبر 2025 فى المنيا    القاصد: مستشفيات جامعة المنوفية تقدم خدماتها ل2.48 مليون مستفيد    صحة بني سويف ترفع درجة الاستعداد القصوى بالمستشفيات خلال الاحتفالات رأس السنة وعيد الميلاد    "هتعمل إيه في رأس السنة"؟.. هادعي ربنا يجيب العواقب سليمة ويرضي كل انسان بمعيشته    الليلة... نجوم الطرب في الوطن العربي يشعلون حفلات رأس السنة    أمم أفريقيا 2025| التشكيل المتوقع للجزائر وغينيا الاستوائية في لقاء اليوم    طبيبة تحسم الجدل| هل تناول الكبدة والقوانص مضر ويعرضك للسموم؟    «ماء الموز» موضة غذائية جديدة بين الترطيب الحقيقي والتسويق الذكي    الإمارات تستجيب لطلب السعودية وتنهي وجودها العسكري باليمن    محمد جمال وكيلاً لوزارة الصحة ومحمد زين مستشارا للمحافظ للشؤون الصحية    اليوم.. نظر ثاني جلسات محاكمة المتهم بقتل أسرة اللبيني    تجديد حبس عاطلين قتلا مالك كافيه رفض معاكستهما لفتاة في عين شمس    دميترييف يسخر من تمويل أوروبا المتحضرة للمنظمات غير الحكومية لغسل أدمغة الناس    نتنياهو: عواقب إعادة إيران بناء قدراتها وخيمة    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الأربعاء 31 ديسمبر    «مسار سلام» يجمع شباب المحافظات لنشر ثقافة السلام المجتمعي    توتر متصاعد في البحر الأسود بعد هجوم مسيّرات على ميناء توابسه    "25يناير."كابوس السيسي الذي لا ينتهي .. طروحات عن معادلة للتغيير و إعلان مبادئ "الثوري المصري" يستبق ذكرى الثورة    "البوابة نيوز" ينضم لمبادرة الشركة المتحدة لوقف تغطية مناسبات من يطلق عليهم مشاهير السوشيال ميديا والتيك توكرز    هل تبطل الصلاة بسبب خطأ فى تشكيل القرآن؟ الشيخ عويضة عثمان يجيب    خالد الجندى: القبر محطة من محطات ما بعد الحياة الدنيا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30-12-2025 في محافظة الأقصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



150 عاما علي الافتتاح : من عصر الفراعنة إلي القرن الحادي والعشرين

وصف الكثيرون بناء السد العالي بأنه أهم وأعظم مشروع في تاريخ مصر، لكنه ما كان ليتحقق لو أن أحمد عرابي لم يصدق فرديناند ديليسبس وقام بردم قناة السويس عام 1882، وهو الأمر الذي طالب به البعض قبل وبعد هذه الواقعة باعتبار أن هذه الترعة بحسب وصفهم كانت نقمة علي مصر وجعلتها مطمعا للغزاة، فإن كان الأمر كذلك؛ لماذا غزاها من قبل الهكسوس والمغول وغيرهم؟!، إلا أنها أصبحت نعمة بعد تأميمها، فبنت السد وساهمت في تنمية مصر، وتبدو في الأفق أنها المصدر الوحيد المضمون الذي سيغني مصر عن السؤال والعوز. في صفحات »الكتالوج« الذي أصدره معهد العالم العربي احتفالا بقناة السويس تتداخل الصور لتخلق مشاهد ترسمها الكلمات في صيغ أدبية تحفظ تاريخا من الضياع والتزييف، نستعرض أبرز ما فيها، ونستكشفها من خلال حوارنا مع د.رندة صبري؛ إحدي المشاركات فيه.
بمناسبة 150 عاما علي افتتاح قناة السويس، يستعد قسم اللغة الفرنسية بآداب القاهرة لعقد مؤتمر دولي في الفترة من 4 إلي 6 نوفمبر بعنوان « قناة السويس: رؤي أدبية وثقافية (1858- 1975)» ، ومن بين أعضاء اللجنة العلمية الدكتورة رندة صبري الأستاذ بقسم اللغة الفرنسية ومنسق «المجموعة البحثية حول أدب الرحلات»، وهي المجموعة التي شاركت في معرض «ملحمة قناة السويس»، المقام حاليا (من 17 مارس حتي 5 أغسطس) بمعهد العالم العربي بباريس، ومن المنتظر أن ينتقل للقاهرة العام المقبل.
حول محاور المؤتمر ونشاط مجموعة « أدب الرحلات» دار هذا الحوار مع د. رندة صبري.
بداية ما أهمية هذا المؤتمر؟
- مثلت قناة السويس خلال اللحظات الفارقة في تاريخها الحديث –تحديدا منذ عام 1858، الذي يوافق تأسيس شركة قناة السويس علي يد دي ليسبس - وحتي إعادة افتتاح هذا المجري المائي للملاحة في عام 1975 –مصدر إلهام لكتابات وأعمال عدة في شتي المجالات الثقافية: من نصوص للرحالة الأجانب المدعوين للافتتاح إلي مذكرات وشهادات لكتاب مصريين من أبناء المنطقة، ومن الخطب الدعائية والمقالات الصحفية إلي اللوحات والصور الفوتوغرافية، ومن الأشعار والروايات إلي الأفلام الخيالية والوثائقية، إلي آخره... كما تمركز حول القناة جدل مستمر ووجهات نظر متباينة.
في هذا الإطار، يسعي المؤتمر إلي تسليط الضوء علي تنوع المخيلة الإبداعية الخاصة بقناة السويس وثرائها، إلي جانب إبراز نقاط الالتقاء ونقاط الخلاف التي اتسمت بها والتصورات الثقافية والإبداعية التي أنتجتها والتي نتجت عنها. فالقناة، إلي جانب أهميتها الاستراتيجية والجغرافية، كانت مسرحا لكثير من الأساطير: أسطورة الربط بين البحرالمتوسط والبحر الأحمر، أسطورة التزاوج بين الشرق والغرب، أسطورة تصدير الحداثة الأوروبية إلي أرض محملة بالتاريخ والعراقة، أسطورة «الممر المفتوح إلي الهند» الذي تغني به الشاعر الأمريكي وولت وتمن في قصيدة شهيرة... وفي مقابل تلك التصورات ذات الصبغة الاستشراقية، ازدهرت في الجانب المصري، خاصة بعد التأميم، صور كثيرة لمفاهيم البطولة والعزة والنضال ضد المغتصب وصاغ الخطاب الوطني ملحمة الفلاحين، أبطال حفر القناة الحقيقيين والضحايا المنسيين في رمال الصحراء.
إذن هل سيكون هناك أوراق تحلل الصور المختلفة حول الرؤي المتباينة للقناة؟
- بالتأكيد لاسيما أن هناك أكثر من خطاب، لكن قد يبدو من السهل، للوهلة الأولي، التمييز بين خطاب يمجد «الأسطورة الذهبية» وآخر يحكي عن «الأسطورة السوداء» (حسب تعبير كارولين بيكيه في كتابها عن تاريخ قناة السويس)، أو بين صور استعمارية وأخري وطنية، غير أن هذا التبسيط يعتبر مخلا إذ يغفل أشكال الخطاب التي مزجت بين النقيضين أو تلك التي لم تتبن صراحة وجهة نظر دون الأخري. وهنا سوف يتوقف المؤتمر عند الرؤي المختلفة حول قناة السويس ويدرس السياق الفكري والأيديولجي الذي ظهرت فيه، إلي جانب دوافعها ومحركاتها.
ما أهم الأسئلة التي يحاول هذا المؤتمر الإجابة عنها؟
هناك بالطبع أسئلة تطرح نفسها بقوة وستكون مجال نقاش عبر محاور المؤتمر، و من بينها : هل يمكن الحديث عن تصور مصري في مقابل تصور بريطاني وآخر فرنسي في فترات تاريخية معينة ؟ كيف يمكن تحليل النمطية الاستشراقية التي انتقدها إدوارد سعيد؟ كيف يمكن دراسة العنصر الجمالي والبلاغي في الخطاب المرتبط بما تمثله القناة لدي الأطراف المختلفة (استعارة الالتقاء والتآخي في مقابل استعارة الاستغلال والاحتلال، علي سبيل المثال) ؟
سيتناول المؤتمر هذه الأسئلة وغيرها من منظور مقارن يعتمد علي أكثر من تخصص ويأخذ في الاعتبار التاريخ الطويل لهذه القناة وما ارتبط به من أحداث فارقة، بدءا من تبلور الفكرة وعمليات الحفر وحفلات الافتتاح ومرورا بالديون والاحتلال وحتي الحروب التي شهدها القرن العشرون، دون إغفال البعد الاجتماعي والعمراني وتغير نمط الحياة مع ازدهار مدن القناة وبخاصة بور سعيد واكتسابها لصبغة كوزموبوليتانية.
ما المحاور الأساسية التي سيدور حولها النقاش؟
- قناة السويس في كتابات الرحالة وفي المذكرات، قناة السويس في المخيلة الإبداعية الأدبية، قناة السويس في الفنون المختلفة للصورة المرئية، صناعة الأسطورة وتفكيكها في الخطاب الإبداعي والثقافي، مدن القناة كمصدر إلهام، شخصيات تاريخية في مسيرة القناة.
من هم أعضاء اللجنة العلمية للمؤتمر ؟
- ثلاثة أساتذة من قسم اللغة الفرنسية – د.رندة صبري، د.رانيا فتحي، د.سلمي مبارك ومن خارج القسم : د.عماد أبو غازي ( من قسم الوثائق والمكتبات بكلية الآداب)، د.محمد عفيفي (رئيس قسم التاريخ)، إلي جانب أساتذة من جامعات فرنسية : د.سارجه موسي، د.دانييل لانسون، د.مرسديس فوليه، د. كارولين بيكيه.
هنا أعود إلي المعرض المقام بمعهد العالم العربي بباريس وتزامن معه صدور كتاب تذكاري عن قناة السويس، وشاركت فيه المجموعة البحثية لأدب الرحلات، وأتساءل ماذا كان هدفه الرئيسي؟
- عندما قررت إدارة معهد العالم العربي إقامة معرض عن قناة السويس بمناسبة مرور قرن ونصف من الزمان علي احتفالات افتتاحها أرادت ألا تكتفي «بتصوير تاريخ فرنسي بل إحياء تاريخ فرنسي ومصري في آن واحد» حسب التعبيرالذي استخدمه مدير المعهد، السيد جاك لانج (وزير الثقافة الفرنسي السابق)، في مقدمة الكتاب التذكاري للمعرض. وعلي هذا الأساس طلب منا الاشتراك في اللجنة العلمية للمعرض وإمداد المنظمين له بمادة علمية تعبر عن الرؤي المصرية للقناة في مجالات مختلفة. أعتقد أن اختيار مجموعتنا البحثية بالذات كشريك علمي للمعرض جاء من منطلق السمعة الطيبة التي تتمتع بها جامعة القاهرة وأيضا جدية النشاط البحثي الذي قمنا به من قبل وسمع به بعض المسئولين بالمعرض.
هل يمكنك تلخيص هذا النشاط السابق ؟
- نعم ، فقد اهتمت مجموعتنا البحثية في البداية (منذ سنة 2012) ليس فقط بدراسة أدب الرحلة إلي مصر عند بعض الأدباء الفرنسيين ولكن أيضا بإعادة اكتشاف نصوص يتجاهلها للأسف النقاد حتي الآن رغم ثرائها المدهش أحيانا من الناحية الثقافية وهي نصوص الرحالة المصريين الذين زاروا أوروبا خلال القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين وتركوا لنا شهادات في منتهي الحيوية (من بينهم عياد الطنطاوي والشيخ محمد عبده وحسن توفيق العدل وأمين فكري وأحمد زكي باشا ومحمد المويلحي ومحمد حسين هيكل...) وبعد نجاح مؤتمر «الرحلة من وإلي مصر» في أبريل 2014 وموافقة دار نشر جارنييه علي نشر أبحاثه في فرنسا، قررنا ضم موضوع فرعي آخر إلي اهتماماتنا وهو «الكتابات حول قناة السويس 1869» وبدأنا في جمع مادة علمية متنوعة لإعداد مؤتمر جديد. فكانت متوفرة لدينا عندما لجأ إلينا منظمو المعرض.
وأخيرا ماذا كانت مساهمة المجموعة البحثية في المعرض ؟
- إلي جانب إمداد معهد العالم العربي بملف يمثل الرؤي المصرية للقناة وتاريخها علي أكثر من مستوي (جمل مأثورة، نصوص روائية ومسرحيات،سير ذاتية وأفلام، وأشعار وأغاني وطنية، بالإضافة إلي آراء المؤرخين، ومقالات هامة في الصحف المصرية، وقوائم بالمجلات التي كانت تصدر في مدن القناة، ولوحات وأعمال فنية... مع ترجمة وشرح بالفرنسية يوضح أهمية هذه العناصر)، قام بعض أعضاء المجموعة بكتابة مقالات علمية في موضوعات أدبية وتاريخية صدرت في الكتاب التذكاري الخاص بالمعرض والذي نشرته أشهر دار نشر في فرنسا (دار نشر جاليمار). وقد شارك في كتابة هذه المقالات كل من د. عماد أبو غازي ، د. محمد عفيفي، إلي جانب د.فطين فريد من جامعة قناة السويس ود.وليد الخشاب من جامعة يورك بكندا. ومن قسم اللغة الفرنسية: د.رندة صبري، د.رانيا فتحي، د. سلمي مبارك، د. إيناس الصيرفي ود. مي فاروق.
كما اختارت إدارة المعهد إسناد مهمة ترجمة الكتالوج بالكامل إلي مجموعتنا فساهمت معنا و بالقدر الأكبر د.هناء فهمي وهي مترجمة مرموقة دوليا وأستاذة الترجمة بالقسم الفرنسي، ود. هناء سيف النصر أستاذة علم الترجمة بنفس القسم، إلي جانب بعض أعضاء الفريق البحثي، كما قامت أ.د.رانيا فتحي بالمراجعة الشاملة للترجمة (بتفان أشهد له شخصيا)، ما يمثل عملا جماعيا نفخر به، مع العلم بأننا استطعنا إنجازه في أقل من خمسة أسابيع.
قناة السويس .. قصة صمود ونضال
منذ مائة وخمسين عاما تقريبا؛ أقامت الشركة العالمية لقناة السويس عام 1867 معرضًا عالميًا في قلب متنزه شان دي مارس في فرنسا، خصصت فيه جناحًا فخمًا مزخرفًا بحروف هيروغليفية ونقوش لأوراق بردي، لعرض مراحل شق القناة، ليست تلك التي حفرها ديليسبس، وإنما التي كانت تخترق برزخ السويس في عهد الفراعنة وتصل إلي البحر الأحمر، وتحديدًا عصر الفرعون سنوسرت. وفي نهاية مارس الماضي قرّر معهد العالم العربي في باريس استعادة ذلك التاريخ وتتبع مسار قناة السويس منذ كانت فكرة وحتي افتتاح القناة الجديدة في أغسطس 2015، فنظّم معرضًا بعنوان «ملحمة قناة السويس: من عصر الفراعنة إلي القرن الحادي والعشرين» مستمر حتي 5 أغسطس القادم، ثم ينتقل جزء منه إلي متحف مرسيليا التاريخي لإقامة معرض بعنوان «مرسيليا وملحمة قناة السويس» يبدأ في 19 أكتوبر 2018 وينتهي في 31 مارس 2019، ومن بعده ينتقل إلي القاهرة بمناسبة الاحتفال بمرور مائة وخمسون عاما علي افتتاح القناة.
علي هامش المعرض أصدرت مؤسسة جان لوك لاجاردير تحت رعاية مؤسسة فرنسا، كتالوجا بعنوان «ملحمة قناة السويس» يتضمن عددا من المقالات والأوراق البحثية كتبها أساتذة من مصر وفرنسا، هم: كريستيان زيجلر، جوليان كوني، جيلان ألوم، فيليب رينييه، كارولين بيكيه، روبير سوليه، فيليب جوتار، ليونيل ديفو، إيزابيل بروتيجم، آرنو راميير دي فورتانييه، فابيبن برتولوتي كزافييه دومالين، أوليفييه رافو، كلودين بياتون، أنجلوز دالاكانيس، جيل جوتييه، عماد أبوغازي، رندة صبري، سارجه موسي، مي فاروق، إيناس الصيرفي، محمد عفيفي، فطين أحمد فريد، رانيا فتحي، وليد الشخاب وسلمي مبارك.
تناولت المقالات عدة جوانب محورها قناة السويس، التي بدأت الشركة الفرنسية العمل بموقعها الحالي في الخامس والعشرين من ابريل عام 1859، بدعم من حاكم مصر آنذاك، محمد سعيد باشا، حيث أمدهم ب25 ألف عامل بنظام السخرة، الذي ألغاه إسماعيل باشا فيما بعد فتوقف العمل، واستلزم ذلك تنظيم وإعادة هيكلة جذرية للموقع بإدخال الميكنة واستخدام طاقة البخار.
أدت أعمال حفر القناة – صدفة – إلي اكتشاف أجزاء من الجرانيت الوردي محفور عليها كتابات بالحروف الآشورية عام 1866، وفيما بعد تم اكتشاف ثلاثة فارسية أخري علي مسافات منتظمة علي ضفة القناة الغربية، كل نصب مرفوعا علي منصة عالية مما يجعله يظهر من بعيد، وبتجميع تلك الأجزاء وترجمة ما عليها من نصوص هيروغليفية - منسوبة للملك الفارسي دارا - تبين المعني التالي: «إنني فارسي. سيطرت علي مصر. أمرت بحفر هذه القناة بدءا من نهر يجري في مصر ويسمي النيل متجها إلي البحر نحو فارس. السفن كانت تتجه إلي فارس عبر هذه القناة كلما أردت ذلك».
في السابع من نوفمبر عام 1869 أقيم افتتاح ضخم للقناة، دعا الخديو إسماعيل إليه كثيراً من الملوك ومشاهير العالم، فتغيب السلطان عبد العزيز والملكة فيكتوريا، ولبي الدعوة كل من: إمبراطور النمسا فرنسوا جوزيف، الأمير الملكي لبروسيا، أمير وأميرة هولندا، أمير ولاية هانوفر، والأمير عبد القادر. بالإضافة إلي سفراء الدول العظمي المختلفة، وعلماء وفنانين وأدباء وصحفيين.
غالبية الضيوف الفرنسيين كانوا يعتبرون الربط بين البحرين الأحمر والمتوسط بمثابة زواج رمزي بين الشرق والغرب، ويعد انتصارًا للمثل العليا لعصر التنوير، وبأن قناة السويس هي الطريق الذي سيحمل الغرب من خلاله قيم التقدم إلي الشرق والذي سيضع مصر علي خريطة الحداثة العالمية وسيحوِّل القناة إلي ساحة جيوسياسية استراتيجية.
واقع جديد
أوجد مشروع قناة السويس واقعا جديدا في مصر، حيث نشأت علي أثره منطقة دولية سرعان ما بدت وكأنها ذات طابع خاص، يختلف عن باقي المدن المصرية، كما تميزت كل مدينة من مدن القناة الثلاثة بطابع متفرد، وانعكس ذلك علي المدينة كلها، وبالأخص علي الطابع المعماري، فنري جنبًا إلي جنب شرفات المقاهي الراقية كتلك الواقعة في شارع «أوجيني» ذي الطابع الفرنسي، وفندق كازينو بالاس لصاحبه الإيطالي سيمونيني، وشاطيء أثينا الذي يرتاده اليونانيون، والبنك العثماني، وكلوب بريتانيا الذي يطل علي شارع «فرنسوا جوزيف» الواسع.
في عام 1885 ألقي المؤرخ إرنست رينان كلمة بمناسبة انضمام فرديناند ديليسبس إلي الأكاديمية الفرنسية، لخَّص فيها رهانات القناة بالنسبة للقوي العظمي، قائلا: «تحولت القناة إلي خندق، أي ميدان معركة، وحال اندلاع معركة بحرية سوف تحظي بأهمية بالغة، وتتحول إلي نقطة يتكالب الجميع علي امتلاكها». وبالفعل؛ في 19 أكتوبر 1954 تم توقيع اتفاقية جلاء القوات البريطانية وغادر آخر جندي بريطاني البلاد في 8 يونيو 1956، وبعد بضعة أسابيع أعلن عبد الناصر تأميم شركة قناة السويس، فرأت فرنسا وبريطانيا في ذلك مساسا بسيادتهما ومصالحهما، ونتج عنه سلسلة من الأحداث التي انتهت ب«أزمة السويس» والعدوان الثلاثي، وترك معظم الأجانب – باستثناء اليونانيين – وظائفهم في القناة لإحراج عبد الناصر، إلا أنها ظلت نقطة استراتيجية عالمية ذات أهمية قصوي، وتحولت في الستينيات والسبعينيات إلي بؤرة للحروب المصرية الإسرائيلية، لكنها لم تتخل عن تقاليد الاحتجاجات الاجتماعية التي ميزتها وواصلت نضالاتها، فالنصر الذي حققه الجيش المصري في حرب أكتوبر 1973 لم يكن وليد ذلك اليوم ولم يأت صدفة، بل انتزعه المصريون بالجهد والعرق والدم.
ضد القناة
ظلت القناة علي مدار تاريخها منذ بدء حفرها في القرن التاسع عشر؛ محور نقد، كان في البداية سلبيا من قبل عدد كبير من الساسة والمؤرخين المصريين الذين عاشوا في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، حيث رأوا أنه بعد استقرار أمور البلاد في أعقاب معاهدة 1840، عادت مصر مرة أخري مسرحًا للتنافس الاستعماري وصراع المصالح بين الدول الكبري، ودفعهم هذا الوضع إلي القول بأن مشروع القناة كان نقمة، والمسئول الأول عن أزمة الديون التي انتهت بالاحتلال البريطاني لمصر.
من تلك الآراء ما عبر عنه علي مبارك في أكثر من موضع بأن «ترعة البرزخ» فتحت علي مصر أبوابًا لم يكن في قدرتها إقفالها، ما لم تحفها العناية الربانية بإقفالها، وتحفظها من غوائلها، ويلوم علي سعيد باشا تسرعه في الموافقة علي المشروع وتساهله مع ديليسبس، قائلا: «ونشأ عن هذا التساهل ما نحن فيه، وما تصير إليه بلادنا وتراه أولادنا في مستقبل الأيام».
وفي وثيقة سرية بين أوراق الإمام محمد عبده ترجع إلي عام 1883 تضمنت مشروع برنامج للحزب الوطني للتفاوض به من أجل جلاء قوات الاحتلال، يسعي البرنامج إلي التخلص من عبء القناة؛ حيث ينص علي: «لما كان اتصال قنال السويس بالقطر المصري باعثًا مداومًا علي حدوث قلاقل سياسية بمصر، ارتأي زعماء الحزب الأهلي أن تبادر الدول إلي الاتفاق مع الباب العالي علي فصل ترعة السويس من ممالك الدولة العليا وجعلها دومًا تحت سلطة أية دولة كانت أو تحت سلطة الدول إجمالًا، لأن مصر لا تحتاج إلي الترعة البتة، بل وجودها في حيز حكمها ثقلًا عليها وخطر علي دوام الأمن فيها».
وفي كتابه عام 1932 ينتقد القانوني والمؤرخ عبد الرحمن الرافعي مشروع القناة بشدة، فيقول: «يعد مؤرخو أوروبا والفرنسيون منهم خاصة، مشروع قناة السويس مفخرة سعيد باشا، ويقولون إنه بهذا العمل قد أدي أعظم خدمة للإنسانية والحضارة، وهم فيما يقولون إنما ينظرون إلي هذا العمل من وجهة النظر الأوروبية، فلا شك أن قناة السويس قد أفادت التجارة الأوروبية فوائد كبري، بتقريبها طريق المواصلات بين أوروبا والشرق، وأفادت أيضًا الاستعمار الأوروبي، لأنها مكنت الدول الاستعمارية من إرسال الحملات والتجاريد الحربية عن طريق القناة إلي آسيا وأفريقيا لإخضاع ممالك الشرق وشعوبه، أما من وجهة النظر المصرية، فالقناة كانت شؤمًا علي البلاد واستقلالها، لأنها أطمعت فيها دول الاستعمار، وجعلتها تسعي سعيًا حثيثًا للاستيلاء علي مصر».
رؤي أدبية وسينمائية
منذ منتصف القرن العشرين تغيرت الرؤي بعض الشيء، خاصة بعد تأميم القناة، وفي النصف قرن الماضي بدأت تتناولها الأقلام الأدبية، فنجد لطيفة الزيات في روايتها «الباب المفتوح» عام 1960 تسرد قضايا المجتمع وما يشوبه علي خلفية أحداث المقاومة في بورسعيد عشية العدوان الثلاثي، وتأتي لحظة الانفجار في النهاية بتحطيم تمثال ديليسبس ممثلا للعالم القديم بكل استبداده.
وفي رواية «الذئاب والفريسة» عام 1989، نقرأ في المقدمة علي لسان الروائي عبد الرحمن فهمي: «قصة قناة السويس هي قصة مصر في العصر الحديث». ورغم أن الرواية تناولت بدايات المشروع وما أثاره من لغط وتساؤلات في الباب العالي وفي بلاط سعيد باشا، مرورا بالتأميم والعدوان الثلاثي ثم نكسة 1967 وحتي انتصار أكتوبر، إلا أنه ذكر في حوار بالنهاية علي لسان أب يتحدث مع ابنه: «ياما جاءنا مستعمرون.. وياما جاءنا ذئاب.. فهل غيروا مشرق الشمس إلي الغرب؟ هل منعوا القمر من أن ينور في الليل المظلم؟ هكذا نحن يا بني.. هذه الأرض الخضراء.. وهذا النيل الأسمر.. ونحن الفلاحين باقون بقاء الشمس والقمر.. نحن الشيء الوحيد الصحيح في كل هذا.. ولا يصح إلا الصحيح».
علي صعيد السينما؛ نجد أن العديد من الأفلام العربية والأوروبية والأمريكية تدور في منطقة قناة السويس بمدنها الثلاث الكبري (بورسعيد والإسماعيلية والسويس). من بينهما فيلم «السويس» لآلان دوان عام 1938، الذي صُوِّرت فيه عدة لقطات عامة تمنح القناة بعداً أسطورياً يستدعي العهد القديم، وفيلم «بورسعيد» عام 1948 من إخراج رجينالد لوبرج، والفيلم الكوميدي «ابن حميدو» عام ۱9۵7، و «حب ودموع» لكمال الشيخ عام 19۵۵، و «مافيش تفاهم» لعاطف سالم عام ۱96۱. وفي 1978 قدَّم علي بدرخان حفر القناة في فيلم «شفيقة ومتولي» في صورة ملحمية.
تفريعة جديدة
في الخامس من أغسطس 2015، اكتملت ملحمة قناة السويس التي توالت فصولها علي مدار أربعة آلاف سنة - منذ حكم الفرعون سنوسرت الثالث - بافتتاح قناة جديدة، تسمح بازدواج الملاحة في الاتجاهين في جزء من مسارها، مما يختصر وقت المرور بمقدار إحدي عشرة ساعة. وبعد ثلاثة أيام تم إنشاء منطقة اقتصادية علي مساحة 461 كيلومتراً مربعاً، الهدف منها مع الوقت تكثيف 30% من الأنشطة الاقتصادية في الدولة واستحداث مليون فرصة عمل واستقبال مليوني ساكن جديد.
من المتوقع أن تتحول هذه المنطقة بمقتضي اتفاقيات التجارة الحرة التي وقعت عليها مصر إلي مركز عالمي للتجارة قوامه حوالي مليار و800 مليون مستهلك، إلي جانب السوق المصري الذي يصل إلي المائة مليون وآخذ في التنامي. وقد أبرمت بعض المنظمات الدولية اتفاقيات مع مصر لإعطاء هذا المشروع الضخم كل فرض النجاح السريع، ومنها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية والاتحاد الأوروبي والبنك الأفريقي للتنمية والبنك الأوروبي للإعمار والتنمية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.