رئيس الوزراء يتفقد مشروع "كتابك" الثقافى بقرية زاوية صقر بمحافظة البحيرة    وزير التموين: توافر كامل للسلع الأساسية ومدد الكفاية تفوق 6 أشهر    وزيرة البيئة تترأس الجلسة الختامية لخطة عمل البحر الأبيض المتوسط والثلاثون لإتفاقية برشلونة    بعد الضربات الإسرائيلية على إيران.. سعر الذهب اليوم في مصر يعود للارتفاع بمنتصف تعاملات اليوم "عالميا تجاوز 3400 دولار"    إزالة 654 حالة ضمن الموجة ال26 لإزالة التعديات ببنى سويف    رويترز: مقتل 3 من أفراد الحرس الثوري الإيراني في هجوم إسرائيلي على مدينة زنجان في شمال غرب البلاد    ما موقف حزب الله من حرب إسرائيل وإيران؟.. وكيف سيدعم طهران؟    الأهلي يفتتح مونديال الأندية بمواجهة رفقاء ميسي    هل نشهد تسريب لامتحانات الثانوية العامة 2025؟.. عروض «شاومينج» ورد «التعليم»| تحليل    من البراءة للسجن 10 سنوات.. الحكم على تاجر سلاح خزن الأسلحة داخل مطعم    القبض على شخص أطلق النيران على زوجتة بسبب رفضها العودة اليه بالمنيا    تأجيل محاكمة " أنوسة كوتة" فى قضية سيرك طنطا إلى جلسة يوم 21 من الشهر الحالي    غدا..بدء التقديم "لمسابقة الأزهر للسنة النبوية"    فى اليوم العالمي للتبرع بالدم..محافظ المنيا يؤكد استمرار الحملة التي انطلقت منذ أبريل    تنفيذاً لقرار مجلس الوزراء.. تحرير 146 مخالفة لمحلات لم تلتزم بقرار الغلق خلال 24 ساعة    وزير الري يؤكد توفير الاحتياجات المائية بمرونة خلال ذروة الصيف    انطلاق الملتقى العلمي الثاني ب"تجارة جامعة أسيوط"    استئناف نشاط منظومات الدفاع الجوي الإيراني في بعض المدن    خبراء: مصر آمنة وبعيدة عن الأعاصير.. وما يحدث بمدن السواحل الشمالية مجرد منخفضات جوية    استعراض خطير على الطريق الدائري بالقاهرة.. والشرطة تتمكن من ضبط السائق    ضبط 3 عاطلين وسيدة بتهمة ارتكاب جرائم سرقات في القاهرة    ليكيب عن كأس العالم للأندية: مونديال كل النجوم    ب3 ملايين جنيه.. فيلم ريستارت يحتل المركز الثاني في منافسات شباك التذاكر    مراسلة «القاهرة الإخبارية»: مستشفيات تل أبيب استقبلت عشرات المصابين    إليسا وآدم على موعد مع جمهور لبنان 12 يوليو المقبل    الإثنين.. العربي للطفولة يسلم الفائزين بجوائز "الملك عبد العزيز للبحوث العلمية"    "الحياة اليوم" يناقش آثار وتداعيات الهجمات المتبادلة بين إسرائيل وإيران    الضربات الإسرائيلية على إيران ترفع أسعار استخدام ناقلات النفط    البنك الدولي وشبكة المنافسة الدولية يمنحان مصر الجائزة الأولى عن سياسات المنافسة    جوليانو سيميوني: جاهزون لمواجهة باريس سان جيرمان    مدبولي: لو معملناش حاجة في الزيارة غير خدمة بنتنا دي كفاية    السلع الغذائية العالمية تقفز بعد صراع إسرائيل وإيران ومخاوف من أزمة إمدادات    خاص| سلوى محمد علي: سميحة أيوب أيقونة فنية كبيرة    عمليات جراحية دقيقة تنقذ حياة طفلة وشاب بالدقهلية    من أضواء السينما إلى ظلال المرض.. تعرف على حياة زبيدة ثروت وصلتها بمي عز الدين    مدرب إنتر ميامي يراهن على تأثير ميسي أمام الأهلي    تصاعد مؤشرات الإنذار في محطة فوردو النووية بعد القصف الإسرائيلي.. هل هناك تلوث نووي؟    مدبولي: الحكومة تبذل قصارى جهدها لتحقيق نقلة نوعية في حياة المواطنين    اليوم.. الحكم على متهمة بالانضمام لجماعة إرهابية بالهرم    «عمال الجيزة»: اتفاقية الحماية من المخاطر البيولوجية مكسب تاريخي    كرة اليد، مواعيد مباريات منتخب الشباب في بطولة العالم ببولندا    أهالي يلاحقونه بتهمة خطيرة.. الأمن ينقذ أستاذ جامعة قبل الفتك به في الفيوم    غدا.. بدء صرف مساعدات تكافل وكرامة للأسر الأولى بالرعاية عن شهر يونيو    خاص| محمد أبو داوود: «مشاكل الأسرة» محور الدراما في «فات الميعاد»    الأهلي بزيه التقليدي أمام إنتر ميامي في افتتاح مونديال الأندية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 14-6-2025 في محافظة قنا    الصحة: قافلة متخصصة في جراحات الجهاز الهضمي للأطفال ب«طنطا العام» بمشاركة الخبير العالمي الدكتور كريم أبوالمجد    حجاج مصر يودّعون النبي بقلوب عامرة بالدعاء.. سلامات على الحبيب ودموع أمام الروضة.. نهاية رحلة روحانية في المدينة المنورة يوثقوها بالصور.. سيلفي القبة الخضراء وساحات الحرم وحمام الحمى    افتتاح كأس العالم للأندية.. موعد والقنوات الناقلة لمباراة الأهلي وإنتر ميامي    غرائب «الدورس الخصوصية» في شهر الامتحانات    جماهير الأهلي توجه رسائل مباشرة ل تريزيجية وهاني قبل مباراة إنتر ميامي (فيديو)    تعرف على أسماء وأماكن لجان الثانوية العامة 2025 بمحافظة الشرقية    معاذ: جماهير الزمالك كلمة السر في التتويج ب كأس مصر    رئيس جامعة سوهاج في ضيافة شيخ الأزهر بساحة آل الطيب    إعلام عبري: سقوط 4 صواريخ فى دان جوش والنقب والشفيلا    الأزهر يدين العدوان الصهيوني على إيران ويطالب بوقف الانتهاكات الصهيونية بحق دول المنطقة    ما حكم أداء النافلة بين الصلاتين عند جمع التقديم؟    «الإفتاء» توضح كيفية الطهارة عند وقوع نجاسة ولم يُعرَف موضعها؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رواية النباتية : ورقة شجر في مواجهة العالم!
نشر في أخبار السيارات يوم 31 - 03 - 2018

في الحضارات الوثنية كما في الديانات السماوية، يرتبط مفهوم الامتناع عن الطعام والصوم والزهد بسعيّ الإنسان إلي الخلاص. فبعد وفاة أفلاطون، قام تلميذه والوصيّ علي تركته فورفوريوس بحثّ عضوٍ آخر في المدرسة الأفلاطونية، وهو الثريّ فيرموس علي مرافقته في مسعاه الفكري، فحفزّه علي الصوم لفترة طويلة، ثمّ الذهاب عارييْن إلي مدرج الألعاب الرياضية ليتنافسا في أوليمبياد الروح.طالما وصف أفلاطون الجسد بأنّه الملبس الذي ترتديه الروح، وكان هذا المجاز في محله، حيث اعتقد تلميذه فورفيوس أن التدريب المنضبط والصارم وممارسة التعفّف الزهدي في أمور الغذاء والمال والتفاعل الاجتماعي الواسع، هي السبيل للوقوف أمام قسوة العالم وظلمه، بل وهزيمته.

ضربت أعمال أدبية عديدة علي هذا الوتر بتنويعات مختلفة، أبرزها رواية (الجوع) للأديب النرويجي الحائز علي نوبل كنوت هامسون، والتي لم تتناول فكرة الجوع في حد ذاتها، أو فكرة الحرمان المادي، بل الأثر الذي تركته قسوة الحضارة المادّية وقسوة البشرعلي روح الفرد، حيث يُفضَّل بطل الروايةصون كرامته علي فرصة إنهاء الجوع والعوَز المادي الذي يراوده، فيستمرّ جوعه. بينما تروي قصّة (فنان الجوع) لفرانتس كافكا معاناة فنان يمتهن الصيام عن الطعام لمدة أربعين يومًا كوسيلة لاجتذاب الجمهور المتعطش لرؤية رجل قادر علي الامتناع عن تناول الطعام طيلة هذه الفترة. وربما آخر الروايات التي تناولت الموضوع من منظور جديد، رواية »‬النباتية» لكاتبة كوريا الجنوبية الأشهر هان كانج، وهي الروايةالتي صدرت ترجمتها إلي العربية عن دار التنوير في مطلع هذا العام.في هذا العملي تجلّي بوضوح تأثّر هان كانج الواضح ب»‬تيمة» كافكا في قصّته الطويلة »‬التحوّل»، وفي قصّته القصيرة »‬فنان الجوع».
أما عن هان كانج فقد ولِدتْ في 27 نوفمبر 1970 في مدينة جوانجو، ودرستْ الأدب الكوري في جامعة يونساي، وهي تنتمي لأسرة تشتغل بالأدب، فالأب هو الروائي هان سيونج-وون، وأخيها هان دونج ريم، روائي شاب. بدأت هان كانج مسيرتها الإبداعية بكتابة مجموعة شعرية بعنوان »‬شتاء في سيول» سنة 1993، أتبعتها بمجموعات قصصية بدأت تلفِت الأنظار إليها تدريجيًا، حتي تُوجّتْ بجائزة المان بوكر سنة 2016 بعد ترجمة الرواية إلي الإنجليزية.

تلفتُ نظرَ القارئ تقنية السرد المُبتكرة في الرواية. حيث تبدأ الرواية علي لسان راوٍ شخصي، هو زوج البطلة الذي يحكي قصّته مع زوجته الشابّة، التي لا يُمكن وصفها إلا بأنها فتاة عادية، متوسطة الهيئة والمظهر، ليس لها طلبات، لا تتمتع بسحرٍ ولا عذوبةٍ ولا وهجّ خاص، فتاة سلبية علي حد تعبير الزوج.
وفي يوم وليلة تحدث الانعطافة الحادّة في مسار حياة الزوجيْن، حين تتحوّل الزوجة إلي نباتية إثر حُلم غامض. وحين تُسأل الزوجة عن سبب التحوّل، تقول: »‬رأيتُ حُلمًا». تمارس الزوجة الشابّة طقوسًا تطهّرية حادّة، فتتخلّص من محتويات الثلاجة من لحوم وأسماك، وترفض ارتداء حمالة صدر، كاشفةً صدرها العاري للشمس علي الدوام، كما تمتنع عن معاشرة زوجها لأنّ جسده تفوح منه رائحة »‬اللحم».
وسط مسار السرد، تُروَي أحلام الزوجة النباتية في فقرات منفصلة عن السياق السردي بأسلوب شاعري، حيث توظّف الكاتبة تقنية »‬ الحُلْم السريالي» توظيفًا جيدًا للكشف عن مراحل تحوّل الزوجة الشابّة إلي نباتية، ولكشف هواجسها وآلامها الروحية. يُواجَه »‬التحوّل» الذي طرأ علي حياة النباتية برفضٍ عنيف من جانب الزوج، ومن بعده أفراد أسرتها، ولاسيما من والدها الذي يتعامل بعنف مفرط حيال ابنته »‬المارقة»، فيحاول حشر قطعة لحمٍ كبيرة في فمها بالقوة، لينتهي الفصل الأول بمحاولة انتحار النباتية.
هنا نلمح تأثير كافكا الواضح.يستيقظُ جريجور سامسا من نومه بعد أحلامٍ مُزعجة، ليجد نفسه قد تحوّل إلي حشرة، فيُلفظ مِن أسرته ويعيش منبوذًا في غرفته، ولا يجدُ من يحنو عليه سوي أخته التي تقدّم إليه الطعام، كما تستيقظُ النباتية من نومها بعد حُلمٍ لتري نفسها مثل ورقة شجر، فتُلفظُ من زوجها ومن أسرتها وتعيش منبوذة، لا تجد من يُعني بأمرها ويقدّم لها الطعام سوي الأخت الكُبري كما سنري مع تقدّم الأحداث.
تمضي الرواية في منعطف جديد، حين يتسلّم زوجُ أخت النباتية رايةَ السرد. فبعد تعافيها من واقعة الانتحار، تعيش النباتية منعزلة في شقّة صغيرة بعد أن هجرها زوجها. يطلب منها زوج أختها الكُبري، مصوّر الفيديو المغمور تصويرها عاريةً، ويرسم فوقَ جسدها زهورًا وورودًا، فتستسلم النباتية إلي رغبته استسلامًا غامضًا. تستبدّ بالرجل شهوة حسيّة فائرة ممزوجة بشغفٍ رومانسي، حين يري »‬بقعة منغولية زرقاء» بين ردفيْها، فيهيم بها ويلعقها. تتحوّل النظرة الشبقية هنا إلي نوع من التداوي.

نقرأ في صفحة 107 من الترجمة العربية: »‬لقرابة أربعين سنة لم يحسّ بتلك الطاقة المُشرقة قطّ. تلك الطاقة التي كانت تفيض في هدوءٍ في مكان غير معلوم في جسده بينما طرف الفرشاة يمسّ جسدها». كما تشعر النباتية بسكينة مماثلة حين تُرسم الزهور والورود علي جسدها العاري، فتقول: »‬لستُ جائعة..لكن أيزول هذا إن غسلته بالماء؟ سيكون من الأحسن ألا يزول».
يضمّ الفصل بعض المشاهد الإيروتيكية، التي تؤدي- في تقديري- مهمّة الكشف عن نظرة مُغايرة لرؤية الإنسان للجسد وللجنس. فالنباتية امتنعتْ في السابق عن معاشرة زوجها بسبب أكل اللحوم، لكنها لم تمتنع عن معاشرة زوج أختها بعد أن وشّي جسده العاري بزهورٍ وورودٍ وأوراق خضراء،بل علي العكس، رحبّت بذلك قائلةً : »‬الورود علي جسدِكَ تعجبني». فالنباتية لا ترفض الجسد علي إطلاقه، لكنها تعافّ الجسد الجافّ، الجسد الخالي من روح الورود وأوراق الشجر، والرسالة واضحة.
يصوَّر الزوج النزِق علاقتهما بالكاميرا، لكنّ الأمر ينكشف في النهاية علي يد زوجته، الأختُ الكبري للنباتية، وينتهي الأمر بفضيحة مؤلمة، حيث يُلاحَق الزوج من الشرطة، وتُنقل النباتية إلي مستشفي للعلاج النفسي.

في الفصل الثالث لهيب الأشجار، تتولي الأختُ الكُبري مهمّة السرد، فتشرع في رحلةبحثٍ عن سبب تحوّل أختها الغامض إلي نباتية، تؤنّب نفسها أحيانًا متسائلةً: أكان في وسعها منع كل ذلك؟
تسيطر تقنية »‬تيار الوعيّ» علي الفصل الأخير من الرواية، حيث تستدعي الأخت الكُبري ذكرياتها مع زوجها الخائب الخائن، ومع أختها، ومع أبيها القاسي، الذي استمرّ يضرب أختها النباتية بقسوةٍ حتي سنّ الثامنة عشرة، فتتذكّر أنّ أختها النباتية كانت تتلقي صفعات أبيها القاسية بألمٍ أكثر من أخوتها، ولا تُبدي أي ردّ فعل. كما لو أنّها في جلسة محاكمة واعتراف، تواصل الأخت الكُبري توجيه اللوم إلي نفسها: »‬ألم يكن بوسعي منع كل ذلك؟ كل تلك الأشياء التي تصعب علي التخيّل، والتي نخرتْ عظام شقيقتها الصغري ألمًا؟»

تزور الأخت الكبري أختَها النباتية في مستشفي للعلاج النفسي، فتراها واقفةً علي يديها مثل شجرة. نقرأ في صفحة 181 من الرواية فقرةً لافتة، تفسّر ماهية التحوّل: »‬أدركتُ الآن أنّ الأشجار تقف علي ذراعيْن ثابتتيْن علي الأرض. هل تعلمين كيف عرفتُ ذلك؟ إنه الحُلم. كنتُ أقف علي يدي والأوراق تنبت من جسدي، والجذور تبزغ من يدي. حفرتُ في باطن الأرض، حفرتُ باستمرارٍ دائمًا وأبدًا».
ينتهي الأمر بتحوّل النباتية إلي فرع شجرة، مجازًا وحقيقة. إذ تخسر وزنها بدرجة مخيفة، وتنقطع عنها العادة الشهرية، ولا يتبقَي شيء من نهديْها، فتمتنع عن الطعام تمامًا، وتقتات علي الماء فقط مثل الأشجار.
في المشهد الختامي، تستقل الأختان سيارة إسعاف لتنقلهما إلي أحد المستشفيات الكبري في العاصمة سيول، حيث الرعاية الطبيّة المركّزة القادرة علي إنقاذ حالة »‬النباتية» الحرجة. في السطور الأخيرة من الرواية مشهد كاشف عن الاختلاف بين الأختيْن، حين يتبادلان مفهوم الحُلم والحياة.
تواسي الأخت الكُبري أختَها النباتية المُشرفة علي الهلاك قائلة:
»‬قد يكون ذلك كله مجرد حُلم».
فتردّ النباتية:
»‬..كل الأشياء في الأحلام تبدو حقيقية، ولكن عندما نستيقظُ نعرف أنها ليست كذلك، ولهذا السبب علينا أن نستيقظَ في لحظة ما، ثمّ...».
الراوية في مُجملها تصوير لحربٍ تخوضها روح وحيدة ضدّ العالم. تنتهي الرواية بنظرة النباتية إلي الأشجار المحيطة في الطريق إلي سيول، وهي نظرة قوية مفعمة بالصمود، نظرة تتحدي قسوة البشر وظلمهم، وسلاحها الوحيد في هذه الحرب جسد أخفّ من ورقة شجر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.