كانت سيناء ولا تزال بموقعها الجيوستراتيجي مدخلاً لتهديد أمن مصرعلي مدي مراحل تاريخية متتابعة، وظهر هذا الخطر جلياً خلال العقود السبعة الماضية، منذ احتلال الكيان الإسرائيلي فلسطين، وذلك ليس لكونها امتداداً جغرافياً لأراضي فلسطين فحسب ولكن لاعتبارها مصدر قوة حقيقية لمصر والعرب. تؤكد أهمية شبه جزيرة سيناء،المكانية والتاريخية،الإبقاء عليهاكوحدة مستقلة ضمن إطار الأقاليم المصرية،وأنها تشكل حلم المستقبل والمخرج الآمن من أغلب المشاكل الاقتصادية، والأمنية أيضاً، وتمثل بموقعها الإقليمي كنزاً عمرانياً مع جعل التنمية فيها ضرورة وطنية. وكانت نظرة السياسات الحكومية غير المتوازنة والعزلة غير المنطقية المفروضة علي سيناء، عوامل قد ساعدت علي اضطراب العلاقة بين مواطني سيناء والسلطات الرسمية والأجهزة الأمنية، وبالتالي علي المشروع القومي لتنمية سيناء (1994 2017م)، الذي أولته القوات المسلحة الاهتمام وأعادت الحياة إليه من جديد، بما يشيرلإيجابية وتغير نظرة الدولة في المرحلة الراهنة نحو ملء ذلك الفراغ العمراني الكبير لتأكيد الحضور الإقليمي لسيناء في المعمور المصري. كان »محمد علي باشا» من أعطي سيناء الشكل الإداري النظامي، حيث أنشأ محافظة العريش (سنة 1810م) ووضع تحت تصرف محافظها قوة عسكرية تحمي الحدود الشرقية للبلاد،وأقيمت نقاط الشرطة والأمن ضماناً لاستقرارها وكفالة الأمان فيها، وكان يمهد بذلك للتوطين السكاني الذي لم يتحقق، علاوة علي كونها طريق الجيوش إلي الشام والجزيرة العربية. بينما أولي خليفته »عباس الأول» الاهتمام بها كمصيف ومنتجع سياحي، ومن بعده أقام »محمد سعيد باشا» حجراً صحياً في منطقة الطور لرعاية الحجاج، وشهد عصر»إسماعيل» وصول الرحالة الأوروبيين إليها للتنقيب ورسم الخرائط. وتظل قناة السويس(1869م) الحدث الأكبر الذي أثر بشكل كبير علي سيناء، حيث أقيمت عدة مدن علي ضفتيها، منها مدينة القنطرة علي طريق العريش.وبذلك فقد ارتبطت تنمية سيناء بأحد معيارين، إما استراتيجي وعسكري أو سياحي وديني، وبينهما غاب الاهتمام بكافة المعايير الأخري. يشهد وضع التنمية في مصر، خلال الثلاثة عقود الماضية، علي عجز سياسات الحكومة عن حل كثير من المشاكل، وتعثر العدالة المكانية بين مختلف المحافظات، بما يبتعد عن التناغم بين مكونات هياكل القاعدة الاقتصادية للأقاليم، ويساعد علي تفاوت معدلات نموها من ناحية، وعدم مشاركتها في ارتفاع معدلات النمو القومي من ناحية أخري، وظهور أقاليم عالة علي النمو، لعدم مشاركتها الفعالة فيه (تفترش محافظات الحدود نحو 75% من مساحة الدولة ولا يستوطنها سوي 1،7% من جملة السكان حسب تعداد 2017). أصدرمجلس العلوم الهندسية بأكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا (2012م) دراسة متكاملة عن الانتشار السكاني خارج نطاق الوادي والدلتا وتعمير الحيز غير المأهول في صحراوات مصر وسواحلها (العمران الأخضر المستدام) التي طرحت بمقابل مالي لمن يطلبها حيث ثبت أن تنمية بوابة مصر الشرقية مطلبٌ قوميٌّ أصيلٌ، لذلك يجب الأخذ في الاعتبار خصائص المركب السكاني والاقتصادي للمجتمع البدوي في سيناء، ومشاركة المجتمع المحلي في التنمية. ومن ثم إيجاد وسائل غير تقليدية لجذب وتوطين الشرائح المستهدفة من سكان الوادي والدلتا لزيادة مساهمة سيناء في إعادة توزيع الخريطة السكانية في مصر.