1 تخرجت من كلية الألسن جامعة عن شمس قسم اللغة الصينية بتقدير جيد جدا مع مرتبة الشرف في عام 2006. بدأ عشقي للأدب الصيني منذ أيام الدراسة وكانت أول قصة أترجمها في العام الدراسي الثالث. بعد التخرج تنقلت بين تخصصات الترجمة بحسب ما يقتضيه سوق العمل وفي النهاية انتويت التخصص في الترجمة الأدبية لأنني مولعة بالأدب بصفة عامة والأدب الصيني بصفة خاصة، ولا شك أن حبي للكتابة الأدبية قد عزز من اختياري. وطيلة هذه الفترة وأنا أعد نفسي وأعكف علي ترجمة بعض النصوص الأدبية ما بين الأدب الصيني الحديث والمعاصر حتي صدر أول كتاب لي لرائد الواقعية النقدية وعميد الأدب الصيني الحديث لو شون وقد صدر لي كتاب »مذكرات مجنون» في عام 2016 من سلسلة آفاق عالمية التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة وضم الكتاب مجموعة من أهم الأعمال القصصية للكاتب الكبير لوشون التي تُرجمت عن اللغة الصينية مباشرة. وقد شكلت هذه التجربة وعيًا إنسانيًا جديدًا داخلي وأثرت خيالي وكشفت لي الستار عن شخصية الصين التقليدية في تلك الفترة، ومعاناة الشعب الصيني وآلامه الذي كان ينخر عميقًا في روحه. كشف لي عالم لو شون الأدبي عن نمط سردي جديد وهو كيف يسخر الكاتب من واقع شعبه الأليم حد البكاء الشديد، وكيف يُلُقي بظلال قاتمة من الكوميديا السوداء علي مواطن ضعف الشخصية الصينية في تلك الفترة الحالكة. وأري أنها خطوة مهمة في مشواري وزادت من مسئوليتي تجاه رسالتي الإنسانية، بل جعلتني أدقق النظر فيما سأقدمه للقارئ العربي في المستقبل. حصدت رواية »مساج» التي انتهيت من ترجمتها العام الماضي علي الجائزة الكبري في مسابقة أخبار الأدب. وهي رواية معاصرة للكاتب المتميز »بي في يو». تكشف الرواية عن الحياة الواقعية التي يعيشها الكفيف وسط عالم رحب، لكنه يشعر أنه عالم ضيق جدًا، عالم حالك السواد. وتعكس أيضا نظرة المجتمع إلي الكفيف وتضع الرواية يدها علي نقطة حساسة جدًا في حياة الكفيف وهي تلك التي تتعلق بضرورة الاتكاء علي عالمه الداخلي في كسب قوته دون مساعدة من أحد. أثار الكاتب سؤالًا هامًا حتي وإن لم يُفصح عنه مباشرة: كيف يتعامل المجتمع الصيني مع الكفيف؟ هل يمد له يد العون السخية أم لا؟ وتتناول معاناة الكفيف واعتماده علي نفسه في كسب لقمة العيش، وعلاقة المبصر بالكفيف ونظرته إليه، والعالم الداخلي للكفيف وطبيعته وسماته، وعلاقات الحب بين المكفوفين. 2 »مذكرات مجنون» هو الكتاب الأول لي صدر في عام 2016 ضمن مشروع المائة كتاب (الهيئة العامة لقصور الثقافة) برئاسة الشاعر والمترجم رفعت سلام ومدير تحريرها المترجم عن الفرنسية لطفي السيد. وهي الترجمة المصرية العربية الأولي التي تصدر في مصر والوطن العربي لأعمال لو شون. كتب المقدمة د.محسن فرجاني، وعرضها بشكل واف يستطيع القاريء بها الاطلاع علي جوانب مختلفة في حياة لو شون والفترة التاريخية والثقافية التي شهدتها الصين وشكلت وجدان لو شون حتي صار عميد الأدب الصيني الحديث وخرج من عباءته كثير من الأدباء منهم من حاز علي نوبل مثل مو يان.. يضم الكتاب مختارات قصصية للو شون تلقي بظلال قاتمة من الكوميديا السوداء علي شخصية الصين التقليدية أنذاك. حاول لو شون البحث وراء الأسباب الجوهرية وراء الكارثة التي أصابت روح الصين في مقتل. كان يري أنه المقاتل باسم روح الصين . فنجد مثلا قصة »مذكرات مجنون» التي اتخذت عنوانا للكتاب، أنها ثورة المثقفين علي أوهام الماضي وثورة الأجيال الجديدة من أجل تحرير الذهن من أوهامه. وتوضح ما فعلته القيم الكونفوشيوسية في جسد الصين.. من خلال تجسيد مريض مصاب بمرض عقلي يتوهم كل من حوله من آكلي البشر حتي أخيه يتآمر مع الطبيب المعالج له لالتهامه. وهي أول قصة تكتب باللغة العامية في تاريخ الأدب الصيني الحديث، وأيضًا »القصة الحقيقية لأكيو» أحد نصوص التراث السردي الساخر في الأدب الصيني الحديث، يجسد الشخصية الصينية التقليدية التي تتحلي بالصبر والمواساة الذاتية رغم الهزات التي تعرضت لها علي يد الغرب، وذلك من خلال تجسيد الفلاح البسيط المثابر أكيو، تقف حائرًا لا تعلم تحتقره وتسخر منه، أم تتعاطف معه وتبكي من أجله وخاصة في مشهد النهاية الأخير المأسوي، حتي أن الزعيم ماو تسي دونغ قال ذات مرة »أدعو الشباب لقراءة القصة الحقيقية لأكيو» وتري أيضًا في قصة »الدواء» تجسيد للخرافات القديمة فقد شاع قديمًا أن مريض السل إذا أكل شيئًا مغموسًا بدم إنسانا أخر سيشفي تمامًا، وقد كان الجلاد في السجون يتربح من هذه الفعلة. ومثلاً في قصة »الغد» تجد معاناة المرأة الصينية الفقيرة وخاصة بعد وفاة رب الأسرة والوحدة التي تحيا بها خاصة بعد وفاة صغيرها بسبب المرض. وقصة »أوبرا الريف» التي تعقد مقارنة ساخرة بين حياة المدن الصاخبة وحياة الريف البسيطة، من خلال المقارنة بين أوبرا بكين الشهيرة وأوبرا تعرض في الريف، وقصة »كونغ إيي جي» التي تجسد نموذج المثقف الكلاسيكي وتسخر منه، وقصص أخري كلها بمثابة ناقوس خطر يدقه لو شون ويستنفر الهمم لإيقاظ الشعب من سباته العميق.. وإذا سألتني عن أحب القصص إلي قلبي هي قصة »حادث صغير» علي الرغم من أنها أقصر قصة في الكتاب، إلا أنها تعني لي كثيرًا والجدير بالذكر أن هذه القصة حقيقة وبالفعل حدثت للو شون وقال ذات مرة أن هذه القصة قد غيرت تفكيره في الحياة فيما بعد. علي الرغم من أن أسلوب لو شون يتسم بالبساطة والسلاسة مع الحفاظ علي سلامة الأفكار، فقد وظف السخرية لمواجهة حقائق التخلف الحضاري في أوائل القرن العشرين، إلا أني انكببت فترة علي البحث والدراسة وراء القصص المختارة، لأتعرف علي خلفية كل قصة والأسباب التي دعته لكتابتها، حتي أني في معظم الأحيان كنت أقرأ رأي النقاد في هذه القصص. لو شون هو رائد الواقعية النقدية.. الجدير بالذكر أن أعمال لو شون كانت تدرس في مدارس الصين لفترة قريبة. بعد حصول مو يان علي نوبل التفتت أنظار العالم إلي الأدب الصيني ومحاولة كشف أسرار هذا العالم الغريب، الجدير بالذكر أن الأنظار لم تكن ستلتفت إلي مو يان لولا حصوله علي نوبل للآداب عام 2012. والآن انتعشت حركة الترجمة من الصينية وقدم عدد من المترجمين المتميزين نماذج للأدب الصيني في مجال القصة والرواية والشعر، ولا يزال الطريق أمامنا طويلًا في ظل العثرات التي تقابلها حركة الترجمة في مصر والوطن العربي، فمشكلات الترجمة والنشر لا تنتهي. 3 الترجمة الأدبية من أصعب تخصصات الترجمة، فأي تخصص في الترجمة يحتاج في المقام الأول إلي البحث والدراسة قبل عملية النقل وأيضا إتقان اللغة التي ينقل منها وينقل إليها، لكن الترجمة الأدبية تحتاج إلي شيء أهم وأخطر من هذا وذاك... تحتاج إلي الموهبة في المقام الأول، من ملك موهبة الكتابة في الترجمة الأدبية، فقد ملك النص بأكمله، هذا ما يميز مترجم عن آخر، ستجد النص له شخصية وروح حية تنبض علي الورق.. فالمترجم الواعي هو من يضيف إلي النص ولا يأخذ منه.. وليس من الضروري لكي يثبت المترجم قدراته في الترجمة أن يترجم نصوصا إبداعية، هذا فكر خاطيء، فالتخصص مطلوب. وقريبا ستصدر أعمال جديدة ما بين الأدب الصيني الحديث والمعاصر وأتمني أن تكون إضافة مثمرة للمكتبة العربية ويتعرف القاريء العربي علي المزيد من خبايا وأسرار الأدب الصيني.