د. حسانين فهمى مع موا ىان الحائز على جائزة نوبل فى الآداب من حق كل مصري أن يفخر بأن مدرسة الألسن التي أسسها قبل مائة عام وأكثر رائد التنوير رفاعة رافع الطهطاوي قد أنجبت رسلاً نجحوا بالفعل في مد الجسور بين ثقافتنا العربية وثقافات العالم أجمع. ظهر الخميس الماضي أعلن في ستوكهولم اسم الفائز بجائزة نوبل في الآداب.. وكانت الجائزة من نصيب الأديب الصيني موا يان. ونكتشف أن الأكاديمي المصري الدكتور حسانين فهمي حسين، مدرس الأدب المقارن والترجمة بكلية الألسن، الذي أعد رسالة الدكتوراه باللغة الصينية بعنوان "الأدب الصيني الحديث في مصر" والتي قدمت إلي جامعة اللغات ببكين أول دراسة من نوعها تتطرق إلي دراسة الصلات الأدبية وتتناول التعريف بما وصلت إليه دراسات وترجمات الأدب الصيني والثقافة الصينية في مصر، تربطه علاقة بهذا الأديب الصيني الفائز بنوبل وأنه التقي به في بكين أكثر من مرة وانتهي من ترجمة أهم رواياته "الذرة الرفيعة الحمراء" إلي اللغة العربية، وكان من المفترض أن تري النور من خلال المركز القومي للترجمة في هذه المناسبة. ولم تمض ساعات علي إعلان اسم الفائز بنوبل حتي التقت "الأخبار" بهذا الشاب المصري الذي لفت انتباه موا يان فمنحه حق ترجمة أولي رواياته إلي العربية، وذكر لي الدكتور حسانين تفاصيل تعرفه إلي أول أديب صيني يفوز بهذه الجائزة بعد طول انتظار، قائلاً: "شرفت بلقاء الأديب الكبير موا يان مرتين. كانت الأولي عام 2007 وذلك بمقر الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية خلال ندوة حول أدب الشرق الأوسط. ألقي خلالها كلمة حول الأدب الصيني المعاصر ومشواره الإبداعي. وخلالها طرحت عليه عدداً من التساؤلات الخاصة بالأدب الصيني وبأعماله وتقييمه لما وصل إليه الإبداع الأدبي في الصين ولماذا تأخرت نوبل عن الأدباء الصينيين، وخاصة بعد تخطيها شيخ الأدباء الراحل باجين صاحب ثلاثية (التيار). ووعدني حينئذ بلقاء خاص بعد أن لمس مدي اهتمامي بأعماله، وبعد أن نقلت له رغبتي في ترجمة رائعته "الذرة الرفيعة الحمراء". وفي لقائنا الثاني حرص هذا الكاتب الكبير علي إهدائي مجموعة من مؤلفاته بعد أن وقعها بكلمات رقيقة تعكس مدي وده وتواضعه وأخلاقه العالية، وبالطبع كانت بين هذه الأعمال رواية "الذرة الرفيعة الحمراء" فسألته عما يذكره بعض النقاد من أن هذه الرواية تتشابه مع سيرته الشخصية. فأجاب بالنفي مؤكداً أنه يعتبرها واحدة من أهم الأعمال التي كتبها خلال مشواره الإبداعي، والتي صورت مجتمع ريف مدينة قاو مي بمقاطعة شان دونغ، واعترف بأنه استخدم فيها أسلوب الواقعية السحرية متأثرًا بأديب نوبل المعروف ماركيز. وقد أوضح لي أن هذه الرواية ترجمت إلي أكثر من 11 لغة . وحول تأخر وصول أعمال موا يان إلي القارئ العربي. فأجاب بأن الصين بلا شك ترتبط بعلاقات وطيدة مع العالم العربي ومع مصر بوجه خاص، فكلاهما من مصر والصين دولة ذات حضارة عريقة وتاريخ طويل، لكن حاجز اللغة هو الذي يحول دون وصول الأعمال الأدبية الصينية إلي القارئ العربي، لقلة عدد المتخصصين في مجال الترجمة بين لغتينا، فضلاً عن ضعف حركة التبادل الأدبي بين الصين والبلدان العربية، وتراجع الاهتمام بهذا المجال المهم. وعندما سألته عن مدي معرفته بالأدب العربي والمصري بخاصة، جاء رده السريع بالثناء علي نجيب محفوظ باعتباره أول عربي تتوجه إليه جائزة نوبل، وذكر لي أنه قرأ الترجمة الصينية لثلاثية محفوظ وأعجبته كثيراً، وهنا أشار إلي أوجه القصور الذي يتسلل إلي الأعمال الإبداعية عند ترجمتها إلي الصينية نتيجة لقلة دراية من يترجم باللغة العربية وبلاغتها ومستويات الدلالة فيها، وإن لم يمنعه هذا من أن يتمني قراءة ترجمات أخري من الأدب العرب باللغة الصينية. وبالمثل يتمني أن يقوم المترجمون المصريون المتخصصون في اللغة الصينية بدور مماثل في التعريف بالأدب الصيني في مصر والمنطقة العربية، وقد شكر الجهد الذي نقوم به لمد جسر بين الأدبين الصيني والعربي، وذكر أنه يكن كل الاحترام للشعب العربي وللثقافة العربية والإسلامية، مشيراً إلي أنه قد جمعته الكثير من اللقاءات ببعض المسلمين الصينيين ومن خلالهم تعرف علي الكثير من عادات المسلمين. وقدم لي موافقة خطية أعتز بها كثيراً علي أن أقوم بترجمة روايته ونشرها في مصر وغيرها من الدول العربية. وأعرب عن تمنياته بأن تستمر الصداقة فيما بيننا وأن تجمعنا لقاءات مستقبلية. لكن ما سر اختيارك لروايته "الذرة الرفيعة الحمراء" علي وجه الخصوص لنقلها إلي القارئ العربي؟ باعتباري أستاذاً للغة الصينية وآدابها فقد جذبني أسلوب موا يان وأعماله الثرية التي تمزج بين الواقع والخيال، وأسلوب السرد المشوق الذي يستخدمه، وتأثره الواضح بتيار الواقعية السحرية وبأدب أمريكا اللاتينية، ولفتني في أعماله تصويرها بدقة واضحة للكثير مما يتعلق بريف منطقة شمال شرقي الصين وعاداتها وتقاليدها وتاريخها. ومن هنا جاء اختياري لهذه الرواية التي صدرت طبعتها الأولي في عام 1987 عن دار نشر الفنون والآداب التابعة لجيش التحرير الصيني، وهي تعد واحدة من أهم الرويات الصينية الحديثة التي تؤرخ لحرب المقاومة الصينية ضد المعتدي الياباني خلال الفترة من 1937 حتي 1945. ويتميز الكاتب موا يان بين أبناء جيله من الكتاب المعاصرين بأنه نجح في أن يقدم للقراء الصينيين ولقراء العالم صورة دقيقة عن الريف الصيني وعن حياة الفلاحين الصينيين بعاداتهم وتقاليدهم وأسباب تخلفهم وخبراتهم الحياتية الثرية ومعاناتهم في ظل ظروف الاستعمار الأجنبي، وتحت وطأة القهر السياسي وتدني القيم الأخلاقية وانتشار الظواهر السلبية التي عمت مجتمع الصين الحديث مثل: الرشوة، والفساد الإداري، وضياع حقوق الإنسان البسيط. وتعد أعماله لوحة فنية صادقة لحياة فئة أصيلة من فئات الشعب الصيني الكبير. وهي تجمع ما بين الأصالة الصينية والتعبير عن حياة مجتمع الفلاحين في مسقط رأسه قرية دونغ بيي بمدينة قاو مي مقاطعة شان دونغ بشمال شرقي الصين وعاداتهم ومعاناتهم اليومية، وبين التعبير عن القهر السياسي الذي يتعرض له الإنسان البسيط المهمش في مجتمع الصين الحديث في ظل مظاهر اجتياح هذه الحضارة الحديثة التي أجبرت الإنسان البسيط علي التخلي عن الكثير من قيمه التي كانت جزءًا أساسيًا من تكوينه الأصيل. وموا يان اسمه الكامل قوان مو يي، ولد في عام 1955 لعائلة صينية أصيلة تمتهن الزراعة. وفي عام 1976التحق للعمل بجيش التحرير الصيني الشعبي. وفي عام 1981 بدأ نشر أعماله الأدبية، وكان أول عمل له قصة قصيرة بعنوان "أمطار ليلة ربيعية ". فقد نُشر له عدد من القصص القصيرة التي حازت إعجاب الأوساط الأدبية الصينية آنذاك، ومنها قصة "الموسيقي الشعبية" (1983) التي نالت فور نشرها إعجاب الكاتب الصيني الكبير الراحل سون لي، الذي يعتبر واحداً من أهم أربعة كتاب صينيين اهتموا اهتماماً كبيراً بالكتابة عن الريف الصيني. وقد حازت روايته الشهيرة "الذرة الرفيعة الحمراء" فور صدورها جائزة الرواية الممتازة علي مستوي الصين، ثم نالت بعد ذلك علي الكثير من الجوائز المحلية والعالمية. كما رشحت روايته "جريمة خشب الصندل" للحصول علي جائزة ماودون أرفع جائزة أدبية صينية. إذاً لهذه الرواية فضل في شهرة موا يان؟ نعم، فرواية " الذرة الرفيعة الحمراء" تعتبر العمل الذي دخل به موا يان إلي عالم الشهرة، فلمع اسمه لا في الأوساط الصينية فحسب بل العالمية أيضًا. وقد تحولت الرواية فيما بعد إلي فيلم سينمائي للمخرج الصيني الشهير جانغ اي موو(صاحب فيلم البطل وغيره من الروائع السينمائية الصينية)، وحصل الفيلم علي جائزة الدب الذهبي بمهرجان برلين السينمائي الثامن والثلاثين. وحصل موا يان في عام 2004 علي وسام فارس في الفنون والآداب من فرنسا. وفي عام 2005 حصل موا يان علي جائزة (نونينيو) الأدبية الإيطالية الدولية عن روايتة "الذرة الرفيعة الحمراء". كما حصل علي جائزة (فو قانغ يا) اليابانية للثقافة الأسيوية عام 2006 التي تمنح للأعمال التي تدعو إلي المحافظة علي التراث والثقافة الاسيوية وقيمتها 500 مليون ين ياباني، والتي منحت حتي الآن لثماني شخصيات صينية. يعد موا يان الكاتب الصيني الثاني بعد باجين صاحب رواية "العائلة " الذي حصل علي هذه الجائزة الكبري. وفي سبتمبر من العام الماضي 2011 نال جائزة" ماو دون الأدبية" التي تعتبر "نوبل الأدب الصيني"، وذلك عن روايته المهمة "الضفدع" الصادرة في ديسمبر عام 2009 عن دار الفنون والآداب للنشر بشنغهاي. وما ميزات أسلوبه الأدبي؟ الجمع بين التأثر بالنظريات الأدبية الغربية، وبخاصة الواقعية السحرية، والثراء الإبداعي الذي ينبع من استيعاب الثقافة المحلية وبخاصة ثقافة فلاحي شمال شرقي الصين وعاداتهم وتقاليدهم، واللغة الريفية الواضحة بجلاء التي تشعر عند قراءتها وكأنك تستمع إلي صوت فلاح أصيل، كما أن كثيراً من أعماله تحمل أسماء محاصيل زراعية، وحيوانات، وأشياء أخري مرتبطة بالبيئة الريفي. في تقديرك.. ما تأثير جائزة نوبل علي إبداع موا يان، وعلي انتشار الأدب الصيني الذي اعترف الصينيون أنفسهم في آخر مؤتمر دولي عقدوه بأنه ظلم بسبب تراجع ترجمته؟ لا شك في أن هذه الجائزة الرفيعة سيكون لها تأثير إيجابي علي المسيرة الإبداعية لهذا الكاتب الكبير، خاصة أنه ذكر فور تلقيه نبأ الفوز "لقد أسعدني كثيرًا فوزي بجائزة نوبل التي لن تكون سببًا في تعطيل مسيرتي الإبداعية، فأنا أعتقد أن هناك العديد من الكتاب الصينيين المتميزين الذين لديهم الكثير من الأعمال الجديرة بأن تصل إلي القراء في مختلف أنحاء العالم". علاقتك بالثقافة الصينية.. كيف بدأت؟ دفعني حبي للغات الأجنبية، ورغبتي في التواصل مع الثقافات الأخري، وبخاصة تلك التي تربطنا بها صلات مشتركة، إلي الالتحاق بقسم اللغة الصينية بكلية الألسن بجامعة عين شمس وسافرت في عام 2002 في منحة لمدة عشرة أشهر لجمع مادة الماجستير لأحصل علي الدرجة عام 2005 بموضوع حول أدب الطفل الصيني، ثم كانت نقطة التحول الكبري في علاقتي مع الصين بسفري في عام 2005 في منحة للحصول علي درجة الدكتوراه في الأدب المقارن والعالمي في جامعة اللغات ببكين، لأحصل علي درجة الدكتوراه في عام 2008 عن موضوع "الأدب الصيني الحديث في مصر" وبالمقابل.. كيف تري الصورة هناك؟ يفتقر مجال ترجمة الأدب العربي في الصين إلي المنهجية بشكل واضح بدءاً من اختيار الأعمال الأدبية، فعلي الرغم من الجهد الضخم الذي بذله عدد كبير من المستعربين الصينيين في ترجمة الأدب العربي إلي الصينية، إلا أن عدداً كبيراً من الأعمال التي ترجمت لا يمكن أن تعكس صورة دقيقة للإبداع الأدبي العربي المعاصر. نستثني من ذلك ترجمة أعمال نجيب محفوظ وعدد قليل من الكتاب المصريين. وهنا ينبغي أن نثمن الإسهام الكبير للأستاذ صاعد (جونغ جي كون) الذي كان له دور كبير في دراسات الأدب العربي في الصين. وكيف تري مستقبل تلقي الثقافة الصينية في بلادنا؟ ينبغي أن يتم تلقي هذه الثقافة من خلال: إعادة ترجمة أعمال الأدباء الصينيين الكبار وبخاصة أعمال رواد الأدب الصيني الحديث الستة: لوشيون، باجين، ماو دون، لاوشه، قوو مو روو، تساو يو عن الصينية مباشرة.