لا شك أنا ما شهده شارع مجلس الوزراء فى الجمعة الماضية وقبله شارع محمد محمود من أحداث دامية ومعارك طاحنة بين قوات الأمن والجيش وأطياف شعبية وشبابية مجهولة الهوية والمصدر والهدف، دليل قاطع على خيانة الثورة والإصرار على حرق الوطن .. تلك الثورة التى بدأت أحداثها بشعارات سلمية دفع الثوار أرواحهم مقابل السلم مع النظام المخلوع، وانتهت أحداثها ليست بشعارات فقط ولكن بسلوكيات دامية أهدرت أرواح الأبرياء وانتزعت الشعور بالأمان من قلوب المصريين وانتهكت سكينتهم وضربت الاقتصاد المصرى فى العنق، فإذا كان المتعارف على الثورة فى كل الدنيا هو تحررها من كافة المبادئ الأخلاقية والعقل، فأكثر ما مَيَز ثورتنا فى بدايتها هو أخلاقها التى وضعت فى قاموس الثورات العالمية مصطلحاً جديداً لم تعرفه الثورات من قبل هو الأخلاق.. وإذا كنا من قبل قد أرجعنا هذه السلوكيات إلى غيبة العقل الثورى ونقص الوعي الوطنى لدى الشباب فالأمر الآن لا يحتمل سوى تأويل واحد للأحداث وهو التأمر على خيانة الثورة وإحباط مفعولها الثورى، تلك المؤامرة التى تعددت أطرافها بتعدد مصالحهم واختلاف حدتها باختلاف أهوائهم وشدة وعيهم،، ولا نحمل إسرائيل ولا أمريكا وحدها مسئولية التأمر، ولكن الأخطر منهما أولئك المنساقون أو المدفوعون وراء مصالحهم المتاجرون بمستقبل الوطن.. لقد خنا الثورة مرات عديدة.. خناها عندما أتينا بحكومات متعاقبة اغترفناها من سلة الحزب الوطنى المنحل واقتطعناها من أذرعة النظام المخلوع التى لا تنفد.. لقد خنا الثورة عندما تباطئنا فى التعامل مع مطالب الشارع الثائر حتى أصبح مرتعاً للبلطجية والمتسولين والمندسين وطالبي البطولة والذين يعانون من هوس السلطة .. لقد خنا الثورة عندما تجمهرنا بمطالبنا الفئوية وأغلقنا مرافق العمل وعطلنا ماكينات الإنتاج وأوقفنا الطرقات واختزلنا مصلحة الوطن ومستقبله فى مصالحنا الشخصية.. لقد خنا الثورة عندما أوقفنا تطبيق القانون وتدخل الشارع فى أحكام الأمن والقضاء بشان أعمال الشغب والبلطجة والاعتداء على مؤسسات الدولة وإهدار وتخريب مرافقها.. لقد خُنا الثورة عندما أسقطنا هيبة الدولة وتطاولنا على رجل الأمن والجيش فى الشارع وطاردناهم على شاشات الفضائيات.. لقد خنا الثورة عندما ذهبنا إلى صندوق الانتخاب بمعايير وأحكام دينية فى الاختيار وعندما كَّفَر بعضنا الأخر وشكك فى انتمائه الوطنى.. لقد خنا الثورة عندما كافئنا الثرثارين والمتفيهقين والمتشدقين بالسياسة على القنوات الفضائية والميادين بكراسٍ فى البرلمان المصرى ,, لقد خنا الوطن عندما حملنا متعددي الجنسيات على أعناق المصرين الشرفاء وحَكَمنّاهم فى مستقبل الوطن فإذا احترقت مصر فروا جميعاً إلى بلاد الجنسيات التى يحملون .. لقد خنا الثورة عندما افتقد الأب لاحترام ابنه و والأستاذ لهيبة تلميذه ورجل الأمن لخوف اللصوص والمجرمين .. لقد خنا الثورة عندما أسقطنا النظام ولم نتفق على نظام بديل ترضاه العقيدة المصرية ويتوافق مع حضارتها على مر العصور .. إننا جميعاً مشاركون.. إننا جميعاً مذنبون والضحية فى شتى الأحوال هى مصر .. وإن لم نهب جميعاً لاستعادة الوطن وكشف المتآمرين وملاحقة البلطجية والمندسين فسوف ندخل فى نفق مظلم لا تعرف مداه ولا نقوى جميعاً على تحمل عواقبه... [email protected]