عباس شراقي: فيضانات السودان غير المعتادة بسبب تعطل توربينات سد النهضة    البداية الرقمية للنقل الذكي في مصر.. تراخيص إنترنت الأشياء للمركبات تدخل حيز التنفيذ    وزير الإسكان: بدء تصنيف حالات الإيجار القديم وفق شرائح الدخل    لماذا كل هذه العداء السيساوي لغزة.. الأمن يحاصر مقر أسطول الصمود المصري واعتقال 3 نشطاء    مقتل شخص وإصابة 15 في هجوم روسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية    تشكيل منتخب مصر أمام نيوزيلندا في كأس العالم للشباب    سلوت عن جلوس صلاح على مقاعد البدلاء أمام جالاتا سراي: رفاهية الخيارات المتعددة    خطة إطاحة تتبلور.. مانشستر يونايتد يدرس رحيل أموريم وعودة كاريك مؤقتا    مصرع 7 عناصر إجرامية وضبط كميات ضخمة من المخدرات والأسلحة في مداهمة بؤرة خطرة بالبحيرة    الأرصاد: الخريف بدأ بطقس متقلب.. واستعدادات لموسم السيول والأمطار    مفتي الجمهورية يبحث مع وفد منظمة شنغهاي آليات التعاون ضد التطرف والإسلاموفوبيا    مواقيت الصلاة فى أسيوط غدا الأربعاء 1102025    ماجد الكدوانى ومحمد على رزق أول حضور العرض الخاص لفيلم "وفيها ايه يعنى".. صور    أمين الفتوى: احترام كبار السن أصل من أصول العقيدة وواجب شرعي    ولي العهد يتسلم أوراق اعتماد سفراء عدد من الدول الشقيقة والصديقة المعينين لدى المملكة    محافظ القاهرة يناقش ملف تطوير القاهرة التراثية مع مستشار رئيس الجمهورية    من القلب للقلب.. برج القاهرة يتزين ب لوجو واسم مستشفى الناس احتفالًا ب«يوم القلب العالمي»    بعد رصد 4 حالات فى مدرسة دولية.. تعرف علي أسباب نقل عدوى HFMD وطرق الوقاية منها    جارناتشو يقود هجوم تشيلسى ضد بنفيكا فى ليلة مئوية البلوز    البورصة المصرية.. أسهم التعليم والخدمات تحقق أعلى المكاسب بينما العقارات تواجه تراجعات ملحوظة    هل يجوز للمرأة اتباع الجنازة حتى المقابر؟ أمين الفتوى يجيب.. فيديو    "أنا حاربت إسرائيل".. الموسم الثالث على شاشة "الوثائقية"    أحمد موسى: حماس أمام قرار وطنى حاسم بشأن خطة ترامب    محافظ قنا يسلم عقود تعيين 733 معلمًا مساعدًا ضمن مسابقة 30 ألف معلم    داعية: تربية البنات طريق إلى الجنة ووقاية من النار(فيديو)    نقيب المحامين يتلقى دعوة للمشاركة بالجلسة العامة لمجلس النواب لمناقشة مشروع قانون "الإجراءات الجنائية"    بلاغ ضد فنانة شهيرة لجمعها تبرعات للراحل إبراهيم شيكا خارج الإطار القانوني    "الرعاية الصحية" تطلق 6 جلسات علمية لمناقشة مستقبل الرعاية القلبية والتحول الرقمي    البنك الزراعي المصري يحتفل بالحصول على شهادة الأيزو ISO-9001    محمود فؤاد صدقي يترك إدارة مسرح نهاد صليحة ويتجه للفن بسبب ظرف صحي    مصر تستضيف معسكر الاتحاد الدولي لكرة السلة للشباب بالتعاون مع الNBA    بدر محمد: تجربة فيلم "ضي" علمتنى أن النجاح يحتاج إلى وقت وجهد    «العمل» تجري اختبارات جديدة للمرشحين لوظائف بالأردن بمصنع طوب    بعد 5 أيام من الواقعة.. انتشال جثمان جديد من أسفل أنقاض مصنع المحلة    المبعوث الصينى بالأمم المتحدة يدعو لتسريع الجهود الرامية لحل القضية الفلسطينية    اليوم.. البابا تواضروس يبدأ زيارته الرعوية لمحافظة أسيوط    حسام هيبة: مصر تفتح ذراعيها للمستثمرين من جميع أنحاء العالم    موعد إجازة 6 أكتوبر 2025 رسميًا.. قرار من مجلس الوزراء    الأمم المتحدة: لم نشارك في وضع خطة ترامب بشأن غزة    انتشال جثمان ضحية جديدة من أسفل أنقاض مصنع البشبيشي بالمحلة    وفاة غامضة لسفير جنوب أفريقيا في فرنسا.. هل انتحر أم اغتاله الموساد؟    برج القاهرة يتزين ب لوجو واسم مستشفى الناس احتفالًا ب«يوم القلب العالمي»    لطلاب الإعدادية والثانوية.. «التعليم» تعلن شروط وطريقة التقديم في مبادرة «أشبال مصر الرقمية» المجانية في البرمجة والذكاء الاصطناعي    تعليم مطروح تتفقد عدة مدارس لمتابعة انتظام الدراسة    التقديم مستمر حتى 27 أكتوبر.. وظائف قيادية شاغرة بمكتبة مصر العامة    كونتي: لن أقبل بشكوى ثانية من دي بروين    «مش عايش ومعندهوش تدخلات».. مدرب الزمالك السابق يفتح النار على فيريرا    «الداخلية»: تحرير 979 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة ورفع 34 سيارة متروكة بالشوارع    احذر من توقيع العقود.. توقعات برج الثور في شهر أكتوبر 2025    عرض «حصاد» و «صائد الدبابات» بمركز الثقافة السينمائية في ذكرى نصر أكتوبر    بيدري يعلق على مدح سكولز له.. ومركزه بالكرة الذهبية    الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر يحدد ضوابط التعامل مع وسائل التواصل ويحذر من انتحال الشخصية ومخاطر "الترند"    قافلة طبية وتنموية شاملة من جامعة قناة السويس إلى حي الجناين تحت مظلة "حياة كريمة"    انكماش نشاط قناة السويس بنحو 52% خلال العام المالي 2024-2025 متأثرا بالتوترات الجيوسياسيّة في المنطقة    ضبط 5 ملايين جنيه في قضايا اتجار بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    التحقيق مع شخصين حاولا غسل 200 مليون جنيه حصيلة قرصنة القنوات الفضائية    السيسي يجدد التأكيد على ثوابت الموقف المصري تجاه الحرب في غزة    الأهلي يصرف مكافآت الفوز على الزمالك في القمة للاعبين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معضلة الحزب الوحيد


كيف يمكن أن يكسب الناخب أكثر؟
ليس أفضل من الانتخابات وسيلة لكي يتدرب المجتمع علي الديموقراطية . لا أستطيع أن أقول إننا نمارسها .. فالتأهيل الديموقراطي لم يكتمل بعد علي الرغم من أن لدينا دستورا مستقرا وتعددية حزبية وقانونا لمباشرة الحقوق السياسية ومؤسسة برلمانية عريقة.. هناك فرق جوهري بين أن تكون الدولة مؤمنة بالديموقراطية وتطبقها .. وبين أن يكون المجتمع قادرا بالفعل علي استيعاب كل مقوماتها.. وجود الأولي لايعني أن الثانية حقيقة واقعة.
الحسنات المهمة التي ترسخت في السنوات الأخيرة تكمن في أن التفاعلات الديموقراطية والحزبية قللت الفجوة ما بين ثقافة المجتمع .. بما فيها من تعقيدات ومظاهر سلبية .. وبين المقاصد التي لابد أن تبلغها الممارسة الديموقراطية كما هي معروفة في كتب العلم .. وكما يحلم بها الجميع . لا يمكن أن تطبق (كتاب الديموقراطية) حرفيا في بلد قد يكون نصفه علي الأقل غير قادر علي القراءة والكتابة .. هذا التطبيق - لو تم حرفيا - سوف يكون تدميرا للهدف الديموقراطي نفسه .. وربما يؤدي بالمجتمع إلي فوضي غير خلاقة علي الإطلاق .. إلا لو كان الخراب نوعا من الإبداع .. والأدلة موجودة وواضحة في العراق وأفغانستان كأمثلة.
وإذا كنا قد تدربنا في 2005 علي الانتخاب التنافسي الحر بين أكثر من مرشح علي منصب الرئيس بعد تعديل الدستور، وإذا كنا بعد ذلك بأشهر خضنا تجربة انتخابات برلمانية أعلن فيها حزب الأغلبية برنامجا متضمنا تعهداته بناء علي تعهدات في البرنامج الرئاسي .. وخضنا عملية التدريب علي عبور التهديد بالفوضي نتيجة التعامل الأحمق مع الحراك .. فإن التمرين الأساسي في الانتخابات الحالية .. يتجاوز التعددية ومراجعة التعهدات وما نفذ منها .. إلي أمرين إضافيين .. الأول هو : دور اللجنة العليا للانتخابات في مختلف مراحل العملية، والثاني هو تعزيز مواصفات الدولة المدنية التي لاتخلط الدين بالسياسة .. بخلاف التأكيد علي الخبرات التي اكتسبت من المرة السابقة .. ومنها تجاوز احتمالات الفوضي وإهدار الديموقراطية برمتها.
- الخبز والعقل
في خطابه يوم الأربعاء، كرئيس للحزب الوطني الديموقراطي، تحدث الزعيم مبارك عن مقومات هذه الدولة المدنية الملتزم بها، معددا : (لاتخلط السياسة بالدين - إعلاء مبدأ المواطنة - تعزيز استقلال القضاء - تدعيم دور البرلمان - ضمان توسيع قاعدة المشاركة السياسية للأحزاب - تفعيل مشاركة المرأة - التوسع في اللامركزية - نشر قيم الوسطية والاعتدال والثقافة الداعمة للتطوير والتحديث والتنمية) .
ليس هذا كلاما في المطلق، بل إنه تعبير عن منهج حقيقي، فهو لايقف بمواصفات الدولة المدنية عند مسألة منع خلط الدين بالسياسة وإنما يؤكد علي بقية مقوماتها، وإنما أيضا من حيث إنها بادرة مختلفة أن يتحدث الرئيس في خطابه أولا عن هذه الجوانب قبل أن يتكلم عن الخبز .. بمعناه الواسع .. من حيث إنه يتضمن احتياجات المواطن المادية المختلفة.. طعاما وشرابا ودخلا.
لقد عبَر المجتمع مراحل مختلفة وممتدة من الإصلاح، من قبل كان «الخبز» يفرض نفسه قبل أي شيء علي خطاب رئيس الدولة، ثم انتقلنا إلي مرحلة يتجاور فيها حديث السياسة والثقافة إلي جانب حديث الخبز، الآن يجد الرئيس أن عليه أن يبدأ كلامه للناس بالحديث عن مواصفات الدولة المدنية .. مايعني أن المجتمع قد تغير حقا.
المعركة الانتخابية في هذه المرة، وكانت بعضا من ذلك في المرة الماضية، لاتنشغل بالخبز وحده، فيها مضمون للعقل ومضمون للبطن، وكلاهما مهم .. غير أن الملاحظ هو أن كثيرا من الأحزاب المشاركة في الانتخابات تقصر حديثها علي المضمون الفكري والسياسي للديموقراطية بدون أن تقترب من حديث الخبز لأنها بالفعل غير قادرة علي تلبية متطلباته وليس لديها ماتوفره للناس أو تقدمه لحياتهم اليومية.
معضلة هذه المعركة، هي أنه علي الرغم من الفوائد المتراكمة للتدريبات السياسية المتوالية، فإن الحزب الرئيسي والأكبر، أي الحزب الوطني صاحب الأغلبية، هو الذي ينفرد بالمبادرات .. هو الذي يتحكم في إيقاع المعركة .. هو الذي لديه برنامج .. هو الذي لديه سجل إنجاز .. هو الذي لديه تعهدات .. هو الذي يترشح في كل الدوائر .. هو الذي ينتظر الآخرون أفعاله لكي يبدأوا توجيه ردود الأفعال.
لو أن لدينا أحزابا أكثر قدرة، فإن هذا كان سوف يؤدي إلي تغيير الأمور، ويحقق فائدة أكبر للمواطن، لا أقول لكي تحصل أحزاب أخري علي الأغلبية .. فهذا احتمال ليس قريبا لأسباب موضوعية .. وإنما علي الأقل لكي تتوافر ضغوط سياسية وحزبية أكبر علي الحزب الحاكم تجعله متحفزا لمزيد من التجويد .. ولكي يمضي أبعد في إيقاع التطوير .. وفي تقديم مزيد من الالتزامات للناخب .
لقد طرح الحزب برنامجه يوم الأربعاء، وهو برنامج طموح لاشك، كما سوف نوضح، لكني أعتقد أنه لو كانت هناك أحزاب أقوي لكان هذا البرنامج الذي تبلغ تكلفة الوفاء به (2 تريليون جنيه) أضخم مما تم طرحه .. ولجأ الحزب إلي أساليب أبعد .. ولكان سعي إلي مزيد من أدوات اجتذاب الناخب.. أقول المزيد فهو بالفعل يسعي إليه.
البرنامج في حد ذاته يتضمن 75 التزاما، و7 تعهدات رئيسية، وحتي لو كانت طبيعة الانتخابات المصرية تدفع الناحب إلي الاهتمام بأمور تتعلق بمصالح محلية جدا، وبمستوي الخدمات التي يقدمها له المرشح.. سواء علي مستوي الشارع أو حتي علي المستوي الشخصي .. فإنني أعتقد أنه لو كان لدي أي حزب آخر برنامج متماسك له قوام وأهداف فإن الوطني كان سوف يمضي أبعد في برنامجه.
- المصداقية
(الوطني) طرح برنامجا متميزا، طموحا .. بتحفظ، يتسم بالمواصفات التالية:
- إنه يتمتع بالمصداقية .. من حيث إنه يسبقه سجل إنجاز تحقق في السنوات الخمس الماضية .. والحزب لايقول إنه حقق التزاماته السابقة بالإجمال وإنما يقول إنه «أوفي بالكثير» .. وهذا في حد ذاته تعبير عن الصدق مع الناخب والنفس .. ولو كان هناك حزب آخر أو أكثر لديه بديل و قدرة لكنا نشهد الآن نقاشا حادا حول الأسباب التي أدت إلي عدم تنفيذ بقية البنود القليلة التي وردت في البرنامج السابق .
الجانب الآخر للمصداقية يكمن بالأساس في أن البرنامج لم يكتف بإعلان التعهدات وإنما أيضا شرح كيف سيمولها، وربط بين الالتزامات وبين ميزانية الدولة المفترضة في السنوات الخمس المقبلة، إن الحزب الوطني هو الوحيد الذي لايتكلم في الهواء الطلق .. وهو الوحيد الذي ينشغل بتوفير الموارد لتنفيذ الأفكار .. وهو الحزب الوحيد الذي يتحدث عن اهتمامه بعدم رفع مستوي عجز الموازنة .. وهو الحزب الوحيد الذي يعلن الأرقام المتوقعة قبل أن يبدأ في التنفيذ.
في هذا السياق فإن الأحاديث المتداولة من المعارضين حول مسائل تتعلق بالرقابة علي الانتخابات، أو اتهامات التزوير قبل أن تبدأ معركة الانتخابات، أو الحديث حتي عما يوصف بأنه تمرد أو غضب بين المرشحين المستبعدين في الحزب الوطني، هي أمور تتسبب في إلهاء الناخب عن الموضوع الأساسي للانتخابات .. وهو مضمون المطروح علي الناخب .. والوعود التي يتقدم بها كل مرشح له .. كل هذا اللغط هو سُحب دخان تضر مصالح الناخبين .. أكثر من كونها تفيدهم .. مع أنني أضع أهمية قصوي في الانتخابات لمسألة النزاهة والشفافية وعدالة الفرص بين المرشحين.
لكن الجميع يبحث عن عدالة الفرص بين من ترشحوا، ولم ينشغل حقا بالعدالة التي يستحقها الناخبون، وبالتالي فالمعارضة اهتمت بأن تبحث عن العدالة التي تصل بها إلي مقعد البرلمان .. ولكنها لم تشرح للناخب كيف سوف توظف هذا المقعد من أجل تحقيق مصالحه.
- من أجل الأطفال
- الملمح الثاني في مواصفات هذا البرنامج المطروح من الحزب الوطني، أن شعاره بقدر ما يطرح الأمل، والثقة في المستقبل، إلا أنه يداعب مشاعر الخوف لدي الناخب من الغد .. ومن ثم فإن الشعار (علشان تطمئن علي مستقبل ولادك) يعني الكثير جدا .
من حيث الشكل، صيغ الشعار بعبارة عامية، علي عكس الشعارات الحزبية السابقة للوطني، تقربا من فئة عريضة من الناخبين، سواء كانت المجموعات التقليدية، التي تمثل عائلات ريفية أغلبها لايقرأ الصحف ولا يتعامل مع الفصحي في حياته اليومية، أو حتي علي مستوي الفئات المستحدثة من المهتمين بالشأن العام .. أي الشباب والأجيال الجديدة وعائلات الطبقة الوسطي التي صارت تجتذبها مناقشات التوك شو .. بكل ماتتخلي فيه عن قيود الفصحي ورصانتها.
من حيث الشكل أيضا، صاحبت الشعار صور لخمسة أطفال، مبتسمين، من فئات اجتماعية مختلفة، مايعني أن الحزب يخاطب أهم ما يشغل أي ناخب .. ليس فقط يومه .. وإنما استمراره وامتداده .. بكل ما تعنيه صور الأطفال .. من تفاؤل .. ومن مخاطبة لمشاعر الأسرة .. والعائلية التي يرتبط بها المصريون .. ومن حيث زيادة عدد البنات علي البنين في الأطفال الخمسة (3 مقابل 2) .. تأكيدا علي دور الأنثي في المجتمع وتعظيم مشاركتها فيه.
من حيث المضمون، يوحي الحزب بهذا الشعار أنه سوف يقوم بدوره عبورا للأجيال، وأنه ضمانة للاستقرار في مصر، وأنه الاختيار الأمثل لكي يضمن الناخب ألا يخاف علي غده (تطمن علي مستقبل ولادك) .. في مواجهة مجهول تطرحه قوي الظلام .. وغموض لايكشف عن تصوراته لدي أحزاب المعارضة .. وسيناريوهات دامسة تلوح بها جماعات الفوضي والتثوير.
ما البديل إذن، في مواجهة ما يطرحه الحزب الوطني ؟ .. للأسف لايوجد طرح موازٍ .. دعنا هنا من الأطروحات السلبية التي تنتقد شعارات الحزب وتهاجم دعايته بانتقاصها وذكر مثالبها .. إن المفترض هنا هو أن تكون هناك قوي تطرح علي الناخب تصورات مغايرة .. اقتراحات مختلفة .. أفكارا أخري .. والمشكلة تكمن في أن الأحزاب المعارضة لم تسع إلي ذلك .. بل لم تهتم .. وربما ليست لديها القدرة .. بينما قوي الظلام تطرح علي المجتمع مايفجر قلقه وتخوفاته ويرسخ هلعه من قدومها لكي تحكمه. وهو علي كل حال احتمال بعيد.
وإذا كنت أعتبر أن كل الأحزاب، بما في ذلك الوطني والمعارضة وعلي رأسها أحزاب الوفد والتجمع والناصري، في قارب واحد .. قارب الدولة المدنية .. فإن البديل المطروح حقا هو مشروع الدولة الدينية التي لاتضمن لمصر استقرارا .. وتعدها بأجواء الانشطار والنار .. وتحول المواطنين المصريين أصحاب التاريخ العريق إلي مجرد تابعين لوالٍ إندونيسي أو خليفة ماليزي أو حتي تقبل بأن يحكمنا أشخاص من نوعية خالد مشعل ومحمد بديع.
- برنامج للجميع
- ثالثا: اتسم البرنامج الذي طرحه الحزب الوطني بالشمولية، بمعني أنه لم يقتصر علي جانب واحد دون آخر، وتضمن جوانب اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية .. كما أنه شمل الجدول الزمني للدورة الانتخابية كلها .. خمس سنوات .. وفي الوقت ذاته فإنه خاطب مصالح مختلف الفئات .. طبقيا وعرقيا ودينيا.
هكذا انشغل بتوفير فرص العمل للشباب متعهدا بخفض معدل البطالة إلي 3%، كما انشغل باهتمامات المرأة وزيادة دورها في المجتمع .. تعهد برفع أجور العاملين في جهاز الدولة إلي الضعف .. في ذات الوقت الذي التزم فيه بأن يضاعف دخل الفلاح .. تعمد أن يفسح مزيدا من الفرص أمام القطاع الخاص والرأسمالية الوطنية .. كما أصر علي أن يتعهد بإخراج مليون ونصف المليون أسرة من تحت خط الفقر .. واجه اهتمامات محدودي الدخل والمعوزين .. وركز علي انشغالات الطبقة الوسطي .. ساوي بين توجهه لمحاربة الفساد وتخفيف المركزية وبين توجهه لإصلاح التعليم وتجويده والوصول إلي مجتمع المعرفة.
وينبع هذا من أمرين، أولا طبيعة الحزب البنيوية باعتباره مظلة واسعة جدا لمختلف فئات المجتمع، في مختلف مواقع مصر، وثانيا من حيث طبيعته كحزب حاكم .. يدير جهاز الدولة .. ويدرك الأبعاد المختلفة والمتنوعة لاحتياجات مختلف الفئات .. بمعني أوضح أن لديه المعلومات الكاملة عن متطلبات لابد من توفيرها .. حفاظا علي التوازن الاجتماعي وحماية للعلاقات بين مختلف الفئات .. وتلبية لشبكة المصالح العريضة التي تتحقق من خلال هذا.
في المقابل، لا يوجد بديل يطرح حتي مطلبا فئويا .. أو يخص طبقة بعينها .. أو معني بجماعة من البشر .. أو مجموعة عمرية .. بل إن الأحزاب ذات الطابع اليساري لم تنشغل مثلا بأن تطرح برنامجا يخاطب العمال .. كما أن حزب الوفد لم يطرح برنامجا يخاطب مصالح الطبقة الوسطي والرأسمالية وملاك الأراضي .. وعلي جانب آخر اهتم الإخوان، وهم ليسوا بحزب، بأن يخاطبوا دين الناس .. تأكيدا علي توجههم الطائفي .. وأسلوبهم الساعي إلي التفرقة بين المصريين.
خلاصة القول: هل الحزب الوطني خيار لا فكاك منه ؟
المسألة ليست بهذه الطريقة، كونه الحزب الأقدر والأكثر فعالية والضامن للاستقرار لايعني أنه الخيار الذي لا مفر منه .. لا يعيب الحزب أنه الأكثر تلبية لمصالح الناس علي اختلاف فئاتهم .. أو أنه الأقدر علي أن يدير إيقاع المعركة الانتخابية .. أو أنه الأجدر بأن يرشح سياسيين علي مختلف المقاعد في كل مصر ... ولكن هذا يعيب الأحزاب الأخري .. كما يعيب القوي غير القانونية .. المفتقدة أصلا للتأهيل المدني للتعامل مع مفردات دولة عصرية حديثة ومستقرة.
عملية الإصلاح التي يقوم بها الحزب الوطني، داخل نفسه، لم توازها عمليات إصلاح مماثلة في مختلف الأحزاب، لسبب جوهري وهو افتقاد القدرة والإرادة والإصرار علي النظر إلي ما يفعل الحزب الوطني بدلا من طرح بدائل من داخل تلك الأحزاب . كما أن عملية الإصلاح التي تقوم بها حكومة منتمية لأغلبية الحزب .. هي التي تؤدي إلي قدرته علي أن ينفذ تعهداته والتزاماته أمام الناخبين.
المضي قدما في هذا الاتجاه، ومع تكرار العمليات الانتخابية، ومع تعزيز الديموقراطية، وترسيخ مقومات الدولة المدنية، يؤدي إلي ظهور أجيال قادرة علي أن تدفع الأحزاب لكي تطور نفسها .. وتستطيع أن تنقل المجتمع إلي مستويات أخري من النضج .. بحيث لا نخشي من وجود تطرف فلا يكون تهديدا .. ولا تستجيب للرشاوي الانتخابية .. ولا تخدع بالشعارات الدينية .. وإنما توازن بين احتياجاتها والمتطلبات الوطنية وبين ما يطرح عليها من تعهدات.
إن تراكم التدريبات، والعمليات السياسية المتوالية، سوف يؤدي إلي مزيد من الخبرات، التي تحدث نقلة نوعية في المجتمع، وهذا لن يتحقق إلا بمزيد من الاستقرار .. وقتها حين يطرح الحزب الوطني برنامجه سوف يواجه برامج بديلة .. وسوف يدفعه هذا إلي عدم التحفظ في طموح التزاماته .. وإلي البحث المضني مرات إضافية عن مصادر أخري للتمويل .. بغض النظر عن احترامي الشديد لهذا البرنامج الذي طرحه قبل أيام وثقتي في أنه سيكون قادرا علي إحداث نقلة نوعية لمصر في السنوات الخمس المقبلة .. خصوصا إذا كان المرشح عن الحزب لمنصب الرئيس في 2011 سوف ينقل هذا البرنامج المطروح الآن إلي أفق أبعد.
عبد الله كمال
يمكنكم مناقشة الكاتب وطرح الآراء المتنوعة على موقعه الشخصى
www.abkamal.net
أو موقع روزاليوسف:
www.rosaonline.net
أو على المدونة على العنوان التالى:
http//alsiasy.blospot.com
أو على صفحة الكاتب فى موقع الفيس بوك أو للمتابعة على موقع تويتر:
twitter.com/abkamal
البريد الإلكترونى
Email:[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.