يمكن وصف الفترة من 1968 حتى الآن بأنها مرحلة تحول ديموقراطي في مصر لكن ما أنجز خلالها لا يكفي للقول بأن الحد الأدنى من المقومات الضرورية للديموقراطية قد تحققت. ويشير مفهوم التحول الديموقراطي بصفة عامة إلى عملية الانتقال أو التحول من صيغة حكم غير ديموقراطي إلى نظام ديموقراطي وهي عملية معقدة وتستغرق عادة فترة من الزمن، وتؤكد الخبرات المقارنة للتحول الديموقراطي منذ بدايات الربع الأخير من القرن العشرين على امتداد العالم أن هذه العملية تمت في العديد من الدول خلال أساليب ووسائل متعددة، كما تتداخل في بعض مراحلها خصائص السلطوية مع خصائص الديموقراطية مما يفتح الباب إلى إمكانية انتكاسة عملية التحول الديموقراطي أو التراجع عنها وبخاصة في حالة ضعف المقاومات الداعمة لهذا التحول ومنها على سبيل المثال درجة التزام النخبة الحاكمة أو جناح مؤثر فيها بهدف الدمقرطة ومدى وجود قوى ديموقراطية فعالة تناضل بأساليب سلمية من أجل تطبيق المشروع الديموقراطي فضلا عن توافر بعض المتطلبات الاقتصادية والاجتماعية الداعمة للتحول الديموقراطي علاوة على وجود بعض العوامل الدولية المساعدة على ذلك. من هذا العرض لمفهوم التحول الديموقراطي يتضح لنا أن مرحلة التحول الديموقراطي هي في جوهرها مرحلة تصاغ بين الاستبداد والسلوطية والقوى الديموقراطية وأن نجاح القوى الديموقراطية في اجتياز مرحلة التحول الديموقراطي بنجاح يتوقف على قدراتها على مواجهة تحديات التحول الديموقراطي بكفاءة وفاعلية. تكون لحظة التأسيس الحقيقي للديموقراطية في أي بلد عندما تكتشفت النخبة الحاكمة أو جناح مؤثر فيها أن مصالحها الطبقية في خطر ما لم تنه احتكارها للسلطة وتعترف بوجود مصالح متعددة في المجتمع يترتب عليها ضرورة التعددية السياسية وكل ما يوجبه ذلك من تبعات على رأسها الاعتراف بتداول الحكم بين كل الأطراف من خلال انتخابات دورية حرة ونزيهة تتوصل النخبة الحاكمة إلى هذا الاستنتاج بتعرض مصالحها للخطر على المدى البعيد عندما تكتسب القوى الديموقراطية القدرة على حسم الصراع معها استنادا إلى قدرة جماهيرية متنامية تستطيع من خلالها أن تدخل في مواجهة سياسية حاسمة مع النخبة الحاكمة ويدخل معها المجتمع مرحلة من عدم الاستقرار تهدد مصالح النخبة الحاكمة وتكتسب القوى الديموقراطية القدرة على إدارة هذه المواجهة بنجاح عندما تنجح في فهم الواقع الذي تتحرك فيه، والعوامل المؤثرة فيه والتحديات التي تواجهها وأفضل الطرق لمواجهة هذه التحديات فما هي التحديات التي تواجهها القوى الديموقراطية في مصر في هذه المرحلة؟ تحديات التحول الديموقراطي في مصر تواجه القوى الديموقراطية في مصر العديد من التحديات التي تغطي مجالات مختلفة في المجتمع: قانونية وسياسية وإعلامية واقتصادية و اجتماعية وثقافية في مقدمتها: 1- إطار دستوري وقانوني غير ديموقراطي: يواجه التحول الديموقراطي في مصر تحديا كبيرا يحول دون تحقيقه يتمثل في الإطار الدستوري والقانوني القائم وهو أساس استمرار النظام التسلطي والأوضاع غير الديموقراطية التي تكرسها كثير من التشريعات القائمة مثل قانون الأحزاب السياسية وقانون مباشرة الحقوق السياسية وغيرها. 2- نظام انتخابي فاسد: حيث يعتبر النظام الانتخابي المطبق في مصر من أهم معوقات تطور التعددية الحزبية وتحقيقها الهدف الأساسي من قيامها وهو تداول السلطة من خلال انتخابات حرة فالنظام الانتخابي في مصر لا يوفر ضمانات حقيقية لحرية الانتخابات وتعبيرها بصدق عن إرادة الناخب حيث تجرى الانتخابات تحت إشراف وزارة الداخلية فعليا رغم تقلها أخيرا إلى وزارة العدل وهي هيئة غير محايدة فهي التي تعد جداول الناخبين وتشرف على كل مراحل العملية الانتخابية ابتداء من فتح باب الترشيح حتى إعلان النتائج مما يعطي قوات الشرطة فرصة كبيرة للتدخل في الانتخابات وقد تأكدت هذه الحقيقة في انتخابات سنة 2005 رغم الإشراف القضائي 3- احتكار الإعلام الجماهيري: ولضمان الحيلولة دون التواصل بين الأحزاب السياسية والقواعد الجماهيرية الواسعة صدرت العديد من القوانين في مقدمتها قانون اتحاد الإذاعة والتلفزيون الذي يضع أجهزة الإعلام الجماهيري كالإذاعة والتلفزيون تحت سيطرة حكومية كاملة بما يؤدي إلى حرمان الأحزاب السياسية المعارضة من الاستفادة من هذه الأجهزة لطرح برامجها ومواقفها على المواطنين. في حين يتمتع الحزب الحاكم بفرص واسعة في هذا المجال ثم تنظيم ملكية ونشاط الصحف المملوكة للدولة تحت مسمى الصحف القومية بوضعها تحت سيطرة مجلس الشورى. 4- السيطرة على مؤسسات المجتمع المدني: ونظرا لأهمية مؤسسات المجتمع المدني في التنشئة الديموقراطية واجتذاب المواطنين إلى ساحة العمل وإمكانية الاستفادة منها في توفير الشروط الضرورية في المجتمع للاهتمام بالعمل السياسي، فإن الحكومة تحرص على وضع هذه المنظمات تحت سيطرتها وتصر على عدم تعديل القوانين القائمة التي تكفل للأجهزة الإدارية السيطرة على هذه المنظمات، خاصة الجمعيات الأهلية والنقابات العمالية والنقابات المهنية والجمعيات التعاونية والأندية الرياضية ومراكز الشباب. ورغم تنوع هذه المنظمات إلا أن قوانينها تعطى للحكومة إمكانية كبيرة في التحكم في معظمها حيث للجهة الإدارية حق الاعتراض على قيام الجمعيات الأهلية والتعاونية ومراكز الشباب وحق الاعتراض على المرشحين لمجالس إدارتها. 5- الأزمة الاقتصادية الاجتماعية: واجهت البلاد خلال حقبتي الثمانيات والتسعينات أيضا مشكلات اقتصادية واجتماعية كان لها تأثيرها الكبير على مستوى معيشة المواطنين وذلك نتيجة لتطبيق سياسات التثبيت والتكيف الهيكلي والتي كان من آثارها انخفاض نصيب الأجور في الناتج المحلي الإجمالي من 50% سنة 1970 إلى أقل من 25% سنة 2000. وارتفاع نسبة الفقراء إلى 48% من السكان يحصلون على أقل من 20% من الناتج المحلي الإجمالي في الوقت الذي يستحوذ أغنى 10% من السكان على 35% من الناتج المحلي الإجمالي، وقد تزايدت في نفس الفترة معدلات البطالة بين الشباب وأغلبهم من المتعلمين حيث وصلت إلى 17% من قوة العمل حسب تقرير البنك الدولي لعام 2000، واتسع نطاق الفئات المهمشة، سكان الأحياء العشوائية بالمدن الكبرى المحرومين من الخدمات الأساسية ومن مصدر دخل منتظم حيث بلغ حجمهم ما يقارب من 3 ملايين مواطن. 6- ضعف الأحزاب السياسية والقوى الديمقراطية: تأثرت الأحزاب السياسية والقوى الديموقراطية كثيرا بالبيئة المحيطة وأدى ذلك إلى الحد من فاعليتها وعجزها عن التأثير في الوضع السياسي القائم لعدم قدرتها على تعبئة قوى جماهيرية كافية للضغط على الحكم من أجل تغيير موقفه الرافض للتطوير الديموقراطي ومن أهم مظاهر ضعف الأحزاب والقوى الديموقراطية: - انصراف الجماهير عنها وجمود عضويتها أو تراجعها. - تراجع توزيع الصحف الحزبية. - محدودية التمثيل في مجلس الشعب والمجالس الشعبية المحلية. - تراجع تواجدها في المنظمات النقابية ومؤسسات المجتمع المدني سواء في عضويتها أو مجالس الإدارات المنتخبة. - تزايد حدة التوتر الداخلي وحدوث انشقاقات في أكثر من حزب.