توقفت مطولا أمام ملف (حرق مصر) في العدد السابق من «روزا» وللأمانة وطوال علاقتي بالمجلة كقارئ والتي تمتد لأكثر من أربعين عاما، احتفظت «روزا» بموقف ثابت ومبدئي لا يتغير في الدفاع عن الدولة المدنية رغم كل المتغيرات التي مرت بالوطن وبالمجلة، تلك شهادة لا تحتاج إليها المجلة ولكن تعوز معظم وسائل الإعلام الخاصة من صحف وفضائيات التي تساهم بشكل واضح ومثير في تأجيج نيران الفتنة. ربما ذلك ما كان ينقص الملف الرصين والمسئول الذي أفردت له «روزا» صفحاتها العدد الماضي، وأعتقد أن غياب المسئولية الضميرية والمهنية والسياسية لمثل تلك الصحف والفضائيات يجعلني أشعر بأن هؤلاء الإعلاميين هم بحق ضيوف علي الوطن. وأهلا بهم في وطنهم الثاني مصر!! بداية لا بد من تحية مقال الزميل أسامة سلامة (من هم المشاركون في اشعال الفتنة بالصمت؟) الذي جاء أقرب إلي تشخيص حقيقي للأزمة يرقي إلي التقرير العلمي المهني السياسي الذي يليق بالمجلة والكاتب. حتي لا أكون ضمن المتواطئين بالصمت أود أن أنتقد النخبة القبطية في صمتها وفي تناولها للأزمة، تلك التي انقسمت إلي ثلاثة اتجاهات: الاتجاه الأول: ويمثل الأغلبية من الصامتين خاصة أعضاء المجالس المالية ورجال الأعمال، والمثقفين والشخصيات العامة، هؤلاء الذين أثاروا الدنيا ضجيجا من قبل دفاعا عن الدولة المدنية كما أن مواقفهم السابقة في مجملها ضد ما صرح به أو ما ذهب إليه الأنبا بيشوي، إن موقفهم الصامت شبه المتواطئ يؤكد خشيتهم انتقاد الأنبا بيشوي جهارا من جهة ويجسد سيطرة العمامة السوداء علي المدنيين الأقباط من جهة أخري. الاتجاه الثاني: ويمثل الكتاب والصحفيين الأقباط الذين فرضت عليهم ظروف المهنة الكتابة حول القضية، سيطرت علي أقلام هؤلاء الزملاء هواية (اللف والدوران) حول الموضوع بشكل ملفت للنظر وهنا أشير بالعتاب إلي مقالين لزميلين وصديقين عزيزين، مقال (أجواء سبتمبرية) للمفكر سمير مرقص - المصري اليوم 28 سبتمبر 2010 - والذي تناول الموضوع أو الأزمة برؤية باحث محايد دون إدانة أطراف الأزمة خاصة (بيشوي - العوا)، أما المقال الثاني فهو للزميل هاني لبيب في ملف «روزا» العدد السابق حيث استهلك الزميل العزيز أكثر من نصف مساحة المقال في إبراز مطالب الأقباط من جهة وتأصيل المشكلات وردها إلي ثورة يوليو من جهة أخري كتمهيد للدخول في الموضوع،خشية من الرأي العام القبطي المتعصب أو عدم إغضاب قطاعات من الإكليروس الكنسي، وأرجو أن يتسع صدر الزميل العزيز لهذا النقد، وعزائي الوحيد أن الزميل هاني لبيب دخل في صلب الموضوع ولو بعد حين, عكس كثيرين لاذوا الصمت أو استخفوا بعقول القراء دون الدخول في صلب الأزمة. الاتجاه الثالث: وتمثل في شخص الكاتب كمال زاخر، المتحدث باسم جبهة العلمانيين، وإن كان له السبق في إدانة تصريحات الأنبا بيشوي إلا أنه لم يتوقف أمام الأزمة الهيكلية التي تعاني منها المؤسسة الكنسية أو المعارضة العلمانية علي حد سواء. وأعتقد أن الزميل العزيز الأستاذ جمال أسعد سوف يغفر لي انتقاده في هذه الأزمة حيث إن وجهات نظره كانت أقرب إلي تصفية الحسابات مع خصمه بيشوي وتجاهل خطيئة صديقه العوا. إن ما حدث في جريمة (بيشوي - العوا) يكشف النقاب عن انحياز تيار إعلامي مصري ضد الدولة المدنية باسم الحرية من أجل تحويل الوطن إلي أرقام توزيع لهذه الصحيفة أو تلك أو زيادة عدد المشاهدين لهذا البرنامج أو ذاك علي «جثة» الوطن تحت زعم حق القارئ في المعرفة، واحترام حرية التعبير، هؤلاء لم يردعهم مناشدة المجلس الأعلي للصحافة أو تصريحات نقيب الصحفيين، لأن هؤلاء مع كامل احترامي لهم لا يحركهم سوي مصالح رأس المال وإرادة الرأسمالي (صاحب الجريدة أو القناة).المهيمن علي مقدرات التحرير والبث، وليذهب الوطن للجحيم!! ؟؟ تجلي ذلك بعد أن اعتذر البابا شنودة الثالث عن خطيئة بيشوي، وتجاوب مع ذلك شيخ الأزهر، فتحت صحيفة المصري اليوم صفحاتها للدكتور محمد سليم العوا (مع احترامي لشخصه ووجهة نظره) لنشر سلسلة بعنوان (الكنيسة -الوطن) والسؤال هل سوف تصب هذه المقالات في مصلحة الوطن أم في تأجيج الحريق، أم في مصلحة توزيع الصحيفة، أم في التخديم علي تيارات بعينها من الإسلام السياسي الطامح في إحداث استقطاب طائفي قد يفيدها في المعارك الانتخابية القادمة، وقد يتلاقي ذلك مع طموحات المفكر الإسلامي العوا علي الصعيد العربي والدولي. وفي توأمة مصالح معروفة بين المصري اليوم وقناة دريم قضي الدكتور العوا ساعتين تقريبا في أحضان «العاشرة مساء» ليردد ذات الحديث الذي تسبب في الأزمة مع اختلاف الوجوه من المذيع الشهير أحمد منصور إلي الأخت الطيبة مني الشاذلي. وعلي الجانب الآخر من الحريق لم يصمت بيشوي، وفي ذات توقيت اعتذار البابا شنودة أصدر بيشوي بيانا ووزعه من المقر البطريركي، ومن يحلل مضمون ذلك البيان يكتشف أن الأنبا بيشوي يريد أن يوصل رسالة إلي عامة المسيحيين يفيد بأنه الرجل القوي في الكنيسة وأن البابا شنودة مجرد رمز بلا فاعلية، ولم يستخدم كلمة واحدة تدل من قريب أو من بعيد علي اعتذاره عن خطيئته، ويأتي تراجع البابا شنودة عن استخدام كلمة «اعتذار» في تصريحاته التي أدلي بها يوم 29/9/2010 في برنامج «الحياة اليوم» لكي يوكد الأزمة الهيكلية في الكنيسة،وإحكام بيشوي سيطرته علي مقاليد الأمور ليس علي الكنيسة فحسب بل وعلي البابا شخصيا، ومن المدهش تطابق مصالح بيشوي مع العوا، وكلاهما يريد إحداث استقطاب طائفي لمصالح ضيقة الأفق، بيشوي يري أن الاستقطاب الطائفي قد يزيل عنه عدم القبول في الوسط القبطي، وقد يقربه ذلك من الكرسي الباباوي، ومن يراجع حديث بيشوي لصحيفة الشروق (28 - 9 - 2010) يتأكد من محاولة بيشوي التقليل من شأن البابا شنودة الثالث حينما قال: (البابا لم يطلب مني الاعتذار للمسلمين.. صحفي - وليس البابا - اقترح إصدار بيان للرد علي مجمع البحوث والبابا وافق.. (محاضرة الفيوم مفيهاش حاجة تزعل!!). وهكذا نجد سلسلة العوا (الكنيسة الوطن) وحوار مني الشاذلي في العاشرة مساء، وبيان بيشوي كلها إعلاء متعمد مع سبق الإصرار والترصد للانتماءات الفرعية الطائفية علي حساب الانتماء الأساسي للوطن، كما تعكس لنا «شهوة الإعلام التي تسكن الأسقف وهياجه غير المبرر كطفل يعبث بمقتنيات ثمينة دون أن يعي، كل ذلك يدعونا للدعاء للبابا شنودة بطول العمر حرصا علي الوطن والكنيسة من هؤلاء ال....! وبمنتهي الوضوح والشفافية: لا النخب المدنية المصرية، ولا المؤسسات الدينية الرسمية وغير الرسمية، ولا الأحزاب، ولا المجلس الأعلي للصحافة ولا نقابة الصحفيين ولا مؤسسات المجتمع المدني قاطبة: كل هؤلاء غير قادرين علي التصدي لهذه الهجمة الطائفية البغيضة تلك التي طالت مؤسسات وأشخاص كنا نعتقد أن فيروس الطائفية لم يغز قلوبهم و عقولهم بعد، ولعلي أتهم معظم تلك المؤسسات بالتواطؤ بالصمت وذلك للخلط المشوه لديهم بين الحكومة والدولة المدنية، ومشاركتهم لوسائل الإعلام المختلفة والقوي المناوئة للدولة المدنية في إثارة الطائفية بشكل غير مباشر للوصول إلي الفوضي الخلاقة التي قد تؤدي إلي انهيار الدولة عبر أحلام «الثورة» أو «العصيان المدني العام» تلك الشعارات الانتهازية التي يرددها بعض الذين هبطوا إلينا من عوالم أخري مثل الداعية الدكتور محمد البرادعي أو الشيخ الدكتور حسن نافعة المرشد السابق للجمعية الشرعية للتغيير (الجمعية الوطنية سابقا). أمام كل ذلك العبث المتعمد بمقدرات الوطن أتوجه إلي محامي الشعب المستشار النائب العام عبدالمجيد محمود بالنداء والبلاغ بضرورة حظر النشر في تلك الظاهرة الطائفية لعدم مسئولية بعض وسائل الإعلام الخاصة، وأطراف النزاع (البيشوي - العوا) وإحالة كليهما للتحقيق وما أكثر التهم التي يمكن أن توجه إليهما، ولن يغفر الله ولا الوطن لبيشوي أو العوا أو وسائل إعلام الحريق لأنهم جميعا يعلمون ماذا يفعلون!!. واقرأ أيضاً أرجوكم اضطهدونا ص88 تصريحات الأنبا .. واعتذار البابا ص 90 الخمسة الكبار .. من يحاسبهم ؟ ص 91