رمضان مختلف هذا العام.. ملحوظة نستطيع أن نكتشفها من خلال متابعتنا للأعمال الدرامية التي تعرض علي الشاشة الصغيرة... ولا نتحدث هنا فقط عن القضايا التي تتم مناقشتها وإنما نتحدث أيضا عن جماليات مختلفة للصورة وللكادرات... جماليات افتقدتها الدراما التليفزيونية لسنوات طويلة وعادت إليها هذا العام من خلال أربعة مسلسلات «حكايات بنعيشها»، «الجماعة»، «أهل كايرو» و«الحارة» والمصادفة هي أن المسلسلات الأربعة يخرجها 4 مخرجين قادمين من السينما إلي التليفزيون بل إن معظمهم يخوض تجربة الإخراج التليفزيوني لأول مرة هذا العام. هؤلاء المخرجون هم «محمد ياسين»، الذي أخرج «الجماعة»، «سامح عبد العزيز» الذي أخرج «الحارة»، «محمد علي» الذي أخرج «أهل كايرو» و«سميح النقاش» الذي أخرج «حكايات بنعيشها». هؤلاء المخرجون استطاعوا أن يمنحوا أعمالهم رغم ثقلها وكآبة بعض أحداثها كما في «الحارة» أن يمنحوا الصورة التليفزيونية رونقا خاصا وساحرا... ولكن الفكرة لا تقف عند حد هذا الرونق لأن الجماليات الفنية ليست كافية لتقديم عمل جيد فلابد أن يكون للمخرج وعي بما يقدمه... وفي السينما المخرج هو رب العمل... وبنفس المنطق قدم المخرجون الأربعة أعمالهم ليضيفوا إلي مضمون العمل نظرتهم ورؤيتهم هم أيضا. «روزاليوسف» تحدثت مع المخرجين الأربعة أولا عن العلاقة بين انتمائهم إلي السينما وبين قدرتهم علي تغيير شكل الصورة التليفزيونية في اعمالهم وثانيا عن وجهة نظرهم في القضايا التي طرحتها أعمالهم. السينما هي الحل المُخرج «محمد ياسين» تحدث معنا عن هذا الاختلاف الذي نراه في رمضان هذا العام حيث قال: «بالتأكيد خروجنا من بيئة فنية مختلفة وايقاع مختلف ورؤية مختلفة كمخرجين سينمائيين ساعدنا علي أن نضع الدراما التليفزيونية في شكل جديد، لكن في تصوري أننا جميعاً كنا مخلصين للعمل الفني الذي نقوم به، فنحن لم نأت لمنافسة المخرجين التليفزيونيين، كما أن طبيعة موضوع مسلسل الجماعة من الصعب تناوله في عمل سينمائي، فشكل الموضوع ونوعيته تجعلك تتجه للدراما بدلاً من السينما، فمعالجته تتحمل 20 ساعة وأكثر، فالعمل له بعد تاريخي وسياسي وديني وموضوعه الصعب، لهذا الدراما التليفزيونية هي الحل». ويضيف المخرج «محمد علي»: «السينما تعلمك بشكل أساسي أن تسرد حكايتك في ساعتين، معتمداً علي الصورة في التعبير عن الحدوتة التي تحكيها، والتكثيف في السينما يجعلك تحاول قدر المستطاع إلغاء كل ما يسقط من إيقاع عملك الفني، والتليفزيون بالنسبة لي أقرب للمسرح لاعتماده الكلي علي الحوار، لهذا كان الحافز في استخدام أسلوب مُنافس ومختلف عما تعلمته لأطبقه في مسلسل أهل كايرو، وهذا الاختلاف في التناول يعود بنا إلي أعمال كل من المُخرجين محمد فاضل وإنعام محمد علي اللذين حرصا علي الاختلاف دائماً، فكان النجاح من نصيبهما». المسألة أيضا لها علاقة بحرفية المخرج المرتبط بالأعمال السينمائية لأنه في نفس الوقت قادر علي صناعة أعمال تليفزيونية - والكلام للمخرج «سامح عبدالعزيز»: «فمعظم المخرجين السينمائيين خريجو معهد السينما - أو حتي لو لم يكونوا خريجي المعهد - عملهم في السينما جعلهم يفهمون طبيعة وأهمية الإيقاع والسرعة وصياغة كادرات بحرفية عالية، فالدراسة أساسية في هذه الحرفة، لكن يبقي الأهم أيضاً إحساس المخرج لأنه بدونه لن يكون مخرجاً.. كما أننا مازلنا رواداً، رغم ما أشاعه الكثيرون عنا بأن الدراما السورية تفوقت، وأجد أن سبب هذا الجدل هو وقوع بعض المُخرجين السوريين في فخ التعصب، كما أننا كمخرجين سينمائيين غيورون علي عملنا، وكنا نريد أن نقول لصناع الدراما يجب أن يكون هناك ضمير في العمل وإحساس به، وعدم الاستهانة بالمشاهد لأن مشاهد اليوم ذكي جداً، فلو شعر بأنك لا تحترمه، ببساطة سيذهب لغيرك، كما أنني ضد النظرة الدونية لصُناع الدراما وكأنهم أقل من السينمائيين، فالأداة أياً كانت سينما أو تليفزيوناً ليست مهمة في رأيي، لكن الأهم هو الصدق في تقديم العمل، وتقديم قضية موجودة بالفعل يشعر بها المواطن». المسألة لها علاقة أيضا بأن هناك اتجاها عاما للتغيير في شكل الكادرات في التليفزيون، خاصة أنه في أمريكا لم يعد هناك فارق الآن بين تكنيك السينما أو التليفزيون، وهو ما سيُفيد حتماً جماليات الصورة في الدراما - والكلام للمُخرج «سميح النقاش»: «فمُعظم صُناع الدراما هذا العام استخدموا كاميرات من نوع Red وهي كاميرا تصوير فيديو بتقنية عالية للغاية، تجعلك تشعر وكأنك تشاهد فيلماً سينمائياً، كما أن هناك إحساسا بالإيقاع السينمائي حتي وأنت تُصور عملاً درامياً، لهذا فدخول السينمائيين للدراما كان مُفيداً للغاية ليس فقط من ناحية شكل الكادرات والصورة والإيقاع، ولكن أيضاً من ناحية الموضوعات التي تطورت بالتأكيد مثلما تطورت الصورة لأنه لا يمكن تطوير الصورة دون تطوير المحتوي». حرية اختيار اللافت للنظر أن مخرجي السينما الذين اقتحموا دراما رمضان هذا العام لم يكونوا معنيين فقط بجماليات الصورة فكل منهم حمل علي عاتقه هما اجتماعيا ما أراد التحدث عنه بشكل سينمائي بليغ. فعندما تتحدث عن «الجماعة» مثلا بما يطرحه من قضايا سياسية خطيرة تنتبه إلي وعي المخرج «محمد ياسين» الشديد بالقضية التي يتحدث عنها. لا يوجد ما يدعيه البعض بأنك تحدد طبيعة العمل الفني الذي تتناوله، بل العمل الفني في رأيي هو الذي يحدد اختياراتك، والجماعة يتفق مع قناعاتي 100 % دون أن أشغل نفسي بحسابات ما يُقال عن المُسلسل وما إذا كان مُنحازاً للسلطة أو العكس، أو أن أشغل نفسي بخلفيات مثل موعد عرض العمل والذي يتزامن مع قدوم الانتخابات الرئاسية مثلاً، فهو في النهاية عمل فني متكامل، لا يمكن تقييمه الآن إلا بعد عرضه كاملاً، هكذا تحدث «محمد ياسين» والذي أكد لنا أن «الكثير من الكتابات النقدية تناولته بعد ثالث حلقة بالقول أننا مع السلطة، في الوقت الذي زعمت فيه إحدي الجرائد المستقلة أن المسلسل مع الجماعة لا السلطة!.. وما أستطيع أن أقوله أن أي نقد للمسلسل - بعيداً عن فنياته - يتم في رأيي وفقاً لأچندات خاصة لأصحاب الرأي، وليس وفقاً للحقائق والتاريخ الذي نتبعه بموضوعية وصدق شديدين في المسلسل». الحارة التي كانت «الحارة» أيضا بالنسبة ل«سامح عبدالعزيز» لم تكن محاولة لفرض العضلات السينمائية وإنما كان عملا هو مؤمن بكل ما يقوله، والدليل علي ذلك حديثه معنا حيث قال: معايشتي للحارة قديماً كانت الدافع وراء رغبتي في التعبير عن المُجتمع الذي عشت فيه، فالحارة دائماً ما تكون موجودة في الأعمال الفنية سواء أفلاما أو مسلسلات - يكفي ثلاثية الأديب الراحل نجيب محفوظ والتي كانت كلها في الحارة المصرية - لهذا كنت حريصاً علي أن أعبر بصدق عن الحارة، والأهم عن أهلها لأنهم المصريون بجد في رأيي، والأهم أنني لم أكُن مُتعالياً عليهم عند تناول قصصهم، بل علي العكس، في رأيي أنهم يحبون مصر دون افتعال، وأري أن الحارة هي مدعاة فخر وليست شيئا يجب أن نخجل منه كما يري البعض، فداخل هذا العالم القبيح هناك جماليات في المشاعر والأخلاق والتعاون، وهذا ما أحسست به لأنني عايشته، ومن يقول عكس ذلك يتبرأ من مصريته لأن الموضة تشويه سمعة مصر، وكأن الحارة تشوه مصر!.. وللأسف لا أحد يري مصر بحق، لا يرون السائس الذي يعمل علي عربة يجرها حصان ليست لديه بطاقة انتخابية لأنه ببساطة يجري وراء لقمة العيش، في الوقت الذي يُطالبونه فيه بالاهتمام مثلاً بالقضية الفلسطينية!.. لا يعرفون أن بلدنا تغيرت كثيراً، كما لا يعرفون أنه من غير أهل الحارة لا يمكن تحريك الأحداث والحياة، فبدونهم لن يكون هناك أعضاء لمجلس الشعب، وبدونهم لا يستطيع موظف لا يمتلك سيارة الذهاب لعمله لأنه يحتاج لسائقي ميكروباص من الحارة، ورغم هذا يستغلونها، فنحن نوضح هذا، يكفي أنك تشاهد قصصاً إنسانية مثل قيام كل من علاء مرسي وسليمان عيد في أحداث المُسلسل بملء المياه لأهالي الحارة العطشي، فهل هناك مسئول تحرك ليقدم لهؤلاء أبسط حقوقهم وهو المياه؟.. الكبار لا يشعرون بآلام الحارة فقط يتنكرون لها وهذا هو الشئ الغريب.. ولماذا يتنكرون لها؟.. مع أنه بجانب كل منطقة راقية هناك منطقة شعبية، فالطبقتان متداخلتان وليس كما يتصور البعض، فبجانب منطقة مثل جامعة الدول العربية هناك منطقة مثل بولاق، الغريب أننا نرسخ عدم الانتماء لجذورنا حتي في أعمالنا عن الحارة دائماً ما تتحدث الشخصيات فيها بطريقة: يا رب أخرج من الحارة وأبقي غني... وكأننا لا نُريدهم أن ينتموا لجذورهم». من القاتل الأمر مختلف في «أهل كايرو» الذي يجعلك تفكر طوال الوقت في الإسقاطات التي تحملها شخصيات المسلسل بفسادها وإفسادها لمن حولها.. ويجعلك تتساءل عما إذا كنا قد اخترنا فسادنا بيدنا. هنا أيضا تجد مخرجاً يعرف عن أي فساد يتحدث ومن أي منطقة شائكة يقترب. «محمد علي» يري أن حكاية المسلسل لها علاقة بالواقع أكثر من فكرة أي الشخصيات في المسلسل يشار إليها في الواقع، فهذه ليست القضية، فالأهم ما نراه في العمل والذي يعكس حالة وضع نعيش فيه إلي اليوم، بغض النظر عن التركيز علي الشخصيات لأن هذا يعني تصغير الحكاية وتضييق الرسالة، «فاقتصار شخصية «صلاح» - رئيس تحرير إحدي الصحف المستقلة - في دوره كصحفي علي جلسات النميمة عن عدد زيجات «صافي سليم»، يشير إلي أن الحياة الصحفية كمثال أصابها الخلل، لدرجة أن بعض الصحف المُستقلة تتناول الحياة الخاصة للأفراد أياً كانوا وتتعامل معها علي أنها مادة للنميمة والحكي والكلام عن الناس، رغم حق أي فرد في أن يعيش حياته بالشكل الذي يري فيه سعادته، فهذا يجعلك تتساءل: من يمكن لومه؟... فهذا دليل واضح علي المتناقضات، فرغم حديثنا عن دور الفن ونهضة المجتمع، نستخدم صناع الفن في مادة للقيل والقال، فهذه ازدواجية لا يمكن فهمها، مثلما نري وقوف الشعب بجميع طوائفه وراء المنتخب المصري، مع أن هذه الرياضة في النهاية المكسب يتساوي مع الهزيمة». إنقاذ ما يمكن إنقاذه «كابتن عفت» امرأة تقود تحديات كثيرة، بل وتواجه المسئولين - مواجهتها لوزير الشباب هو المشهد الأكثر جرأة في المسلسل - لكن لا يعني هذا انتصاراً للمرأة - والكلام ل «سميح النقاش» - « بل في الحقيقة هو انتصار منا لقيمة العمل مهما كانت الظروف صعبة ومحبطة، ف «عفت» سيدة ذهبت للنادي كمدربة ولا تفهم سوي قشور هذا المجال، لكنها حاولت أن تنظم تفكيرها وتتعلم لتصل إلي نتيجة، لهذا كلمة النظام هنا مهمة جداً في تنظيم أي شئ، والنادي هنا مجرد رمز، وأفكار العمل هي الأهم بعيداً عن كونها امرأة، فدعوتها للمحاربة وللوقوف ومحاولة تحقيق شئ ما هو الأهم». كما أن جرأة المسلسل نفسه في حرص صناعه علي بلورة أحوال الطبقة المتوسطة اليوم وما تعانيه بشكل حقيقي دون تهويل أو ابتذال، ويضيف «سميح النقاش»: «الطبقة المتوسطة هي التي تتحمل أعباء التغيير والتفكير رغم المشكلات التي تمر بها، فالطبقات الغنية والفقيرة مشغولة بقضاياها الخاصة، ورغم ما أصاب الطبقة المتوسطة من تآكل بسبب حالة الفقر الشديدة التي لم تكُن موجودة من قبل، لكن هذا ليس معناه اندثارها، فهؤلاء لا يزالون موجودين، وهذه الطبقة تحاول أن تعمل علي الإصلاح لأن لديها القدرة علي التأمل وإحداث التغيير، فالمنتمون إليها لهم قدر كبير من الثقافة، وهؤلاء يستطيعون التأثير علي من هم أقل لأن من هم أقل لديهم شعور عام بالدونية لأنه ليست لديهم القدرة علي التأمل أو التفكير، متصورين أن ما يعيشون فيه سببه القدر، فلا أحد يخبرهم بأي شئ آخر، لهذا فالنظام وإدارة المكان هما الحل لإصلاح المجتمع لأنه بدون النظام ووجود الطبقة المتوسطة لن يكون هناك مجتمع».