رغم أن قرار اختيار الضبعة التاريخي كموقع أول محطة نووية مصرية، كان رداً قوياً علي حملات تشكيك استمرت عامين حول عدم صلاحية هذا الموقع للنشاط النووي وأفضلية تحويله إلي قري، إلا أنه أثار تساؤلات أكثر منه حسم الأمر، عن التمويل وتفاصيل الخطوة القادمة، ورصدت «روزاليوسف» حالة من النشاط غير المعتاد خلال الساعات الأخيرة سرت في كل الهيئات النووية، رغم أن الإجراءات لتنفيذ البرنامج النووي كانت تسير بالشكل المعتاد بعد ما كانت قد بدأت تتمكن منها حالة من التوجس لاستبعاد الضبعة وجمود الحلم النووي من جديد. وكشف لنا د. حسن يونس وزير الكهرباء في تصريح خاص أنه يجري حالياً دراسة إنشاء مركز تدريب لمهندسي وعلميي الطاقة الذرية في مصر في جميع المجالات النووية، وعلي الأخص المحطات النووية وستنتهي هذه الدراسة نهاية هذا العام.. وسيكون هذا المركز وسيلة للتدريب علي جميع التكنولوجيات النووية في العالم. وستبدأ علي الفور اجتماعات اللجنة الوزارية التي مقررها د. يوسف بطرس غالي في بداية هذا الأسبوع لبحث سبل تمويل أول محطة نووية.. وفي هذا الإطار نفي يونس أن يكون هناك تخبط بشأن تمويل المحطة النووية، مشيراً إلي أن المهام التي ستقوم بها اللجنة الوزارية دراسة ما يسمي بالنماذج العالمية في التمويل، وهذه النماذج معروفة لخبراء المال وخاصة المؤسسات الدولية.. ومادام أن مشروع المحطة النووية ذو عائد اقتصادي فلن يكون هناك أي عائق أو مشكلة في التمويل.. المعروف أن وحدات المحطة النووية الأربع تبلغ حوالي 20 مليار دولار. يونس أكد أيضاً ل«روزاليوسف» أن العمل بموقع الضبعة سيبدأ فور توقيع عقد إنشاء المحطة الأولي بعد اختيار الأنسب.. وهذا ما تقوم به الشركة الاستشارية «بارسونز» مع خبراء هيئة المحطات النووية في إعداد المناقصة التي تنتهي قبل نهاية هذا العام. ومن أهم ما خص به د. يونس «روزاليوسف» هو أنه يتم حالياً دراسة تعظيم المكون المحلي في بناء محطات التوليد ومحاولة الارتقاء بجودة الصناعة المصرية حتي تتناسب مع التكنولوجيا النووية. وأضاف الوزير أن هذه الفترة تشهد إرسال بعثات ضمن برنامج إعداد الكوادر البشرية بتعاقدات مع الدول المتقدمة في مجال المحطات النووية، وكانت أول دفعة قد سافرت إلي روسيا.. يعقبها مجموعتان أخريان.. كما أن هناك برنامجاً تدريبياً آخر مع الولاياتالمتحدةالأمريكية وفرنسا.. حيث يتم حالياً الاتفاق مع خبراء البلدين حول نوعية التدريب. وأشار د. يونس إلي أنه يتم حالياً الانتهاء من اللائحة التنفيذية الخاصة بالقانون النووي، حيث تتم حالياً المراحل النهائية للائحة والتي بمقتضاها سيتم إنشاء الهيئة الرقابية للأمان النووي والتي ستتبع رئيس مجلس الوزراء.. ومن المتوقع أن تعلن هيئة الأمان النووي المستقلة خلال الشهرين القادمين. ورفض الوزير الكشف عن تفاصيل التكنولوجيا المتوقع أن تأخذ بها مصر عند التعاقد لأول محطة نووية، مؤكداً أنه لا يمكن الإعلان عنها ونحن مازلنا نضع مواصفات المناقصة الأولي. من جانبه قال د. يس إبراهيم رئيس هيئة المحطات النووية ل«روزاليوسف» إن دفعة المهندسين التي سافرت إلي روسيا كانت تضم 21 مهندساً وعلمياً، وقد عادت بالفعل أمس «الجمعة».. تدربوا هناك علي دراسة المواقع والتكنولوجيات النووية الحديثة.. وزارت المجموعة عدة مواقع لمحطات روسية في أوقات الطوارئ التي أعلنت مع انتشار الحرائق في غاباتها.. واندهش الخبراء الروس من الخلفية العلمية للمجموعة المصرية نتيجة التدريب والخبرات المتراكمة وكيف أن أفراد المجموعة كانت تناقش الروس في كل صغيرة وكبيرة ويتم مراجعة جميع الأمور الصعبة.. أي أنهم لا يقبلون نواحي التدريب علي عوانها بل إنهم ناقشوا كل التفاصيل الصغيرة.. وكانت لهم تساؤلات عديدة في جميع التكنولوجيات. د. يس كشف لنا أن هناك مجموعتين جديدتين ستتجهان لروسيا في أكتوبر القادم.. ويتم حالياً نقاش مع مسئولين من الولاياتالمتحدة لوضع برنامج تدريبي لمجموعات مختلفة من مهندسي المحطات النووية. وبالنسبة للوقود النووي هناك عدة ترتيبات خاصة بتأمين مصادر الوقود ونعمل علي اختيار الأفضل، وأكد د. يس فيما يخص تمويل المحطة أن البنك الدولي لا يمول مشروعات نووية.. وأن البنوك التجارية الكبري هي التي تعني بالتمويل.. وبعض المؤسسات تشترط تمويل المحطة إذا تم التعاقد علي المحطة من بلادها.. وأخري لا تشترط، كما أشار رئيس هيئة المحطات النووية إلي أن خبراء الأمان النووي يقومون حالياً بدراسة بنود المناقصة ويضعون بعض الملاحظات الخاصة بالأمان يتم من خلالها استكمال المناقصة، أما عن العاملين في موقع الضبعة فقال د. يس إن قرار الرئيس مبارك قد أثلج صدور العاملين في الضبعة لأنهم يعتبرونها أمل مصر ونقلة تكنولوجية هائلة كان يمكن أن تضيع بسبب جدل كبير حول استغلال الضبعة سياسياً، وأكد أن أهالي الضبعة القاطنين بالقرب من الموقع أكثر الناس فرحاً بقرار الرئيس. ومن ناحيته قال د. محمد القللي رئيس هيئة الطاقة الذرية إن إنشاء الهيئة الرقابية للأمان النووي يعني انتقال معظم العاملين بمركز الأمان النووي إلي الهيئة الجديدة، ويتم حالياً وضع لائحة مالية وإدارية مستقلة لتلك الهيئة.. وأكد أن جميع الخبرات القديمة أو العلماء سيتم الاستفادة منهم في البرنامج النووي الجديد ولن يتم الاستغناء عن أحد. وبعيداً عن المحطة النووية الأولي ستقوم هيئة الطاقة الذرية بتعظيم الأنشطة النووية في مختلف المجالات الطبية والزراعية والصناعية والغذائية في ظل قانون موحد للأنشطة النووية. وينبه د. علي الصعيدي وزير الكهرباء والصناعة الأسبق ورئيس لجنة الطاقة بأمانة السياسات بالحزب الوطني، والذي شغل منصب رئيس هيئة المحطات النووية، عند اختيار موقع الضبعة في الثمانينيات، لوجود عدة تحديات تواجه المشروع النووي لابد أن يأخذها المسئولون في الاعتبار.. أولاً: أنه يتم حالياً تدريب الكوادر المصرية علي أعلي مستوي ولكي نحتفظ بتلك الكوادر لابد أن نرفع رواتبهم فليس من الطبيعي أن ننفق عشرات المليارات دون أن نضع الوضع المالي للعاملين في المحطات النووية في الاعتبار.. وإلا ذهبوا لبلاد أخري مثل الدول العربية (الإمارات وقطر) التي تعاقدت بالفعل علي إقامة محطات نووية والتي تبني محطات نووية كل وحدة 1400 ميجاوات ونحن في مصر الوحدة ألف ميجاوات. ثانياً: لا يجب أن نبدأ في التعاقد علي وحدة واحدة أو مفاعل واحد فقط بل يجب التعاقد علي الأربع وحدات أو أربعة مفاعلات لأن ذلك يعني أن تكون المحطة أكثر اقتصادية. ثالثاً: تعظيم المكون المحلي.. لأن محطات الكهرباء التي تم بناؤها خلال السنوات السابقة ما هي إلا نتيجة خبرات أخذها المهندسون المصريون عند التحضير للمحطة الأولي. رابعاً: أن أي تباطؤ في بناء المحطة النووية سيكون مكلفاً للغاية فلابد من مساندة الدولة والحكومة لهذا المشروع المهم لأننا كلما أسرعنا كانت التكلفة أقل. وأشار د. الصعيدي إلي أن هناك يورانيوم في مصر لكن في الوقت الحالي لابد أن نعتمد علي شرائه من الخارج، وعن نظام تسليم المفتاح الذي يخفي كثيراً من التكنولوجيا عن المصريين، قال الصعيدي أنه رفض كلمة تسليم مفتاح لأن ذلك يعني نوعاً من الإذعان.. لكن هناك ما يسمي بالعقد المتكامل.. ومشاركتنا بالمكون المحلي سيعزز من وجودنا في المستقبل، وبالنسبة للنفايات من الأفضل أن نتعاقد علي 4 وحدات لأن ذلك يعني التعاقد علي 4 وحدات أخري لتخزين الوقود المحترق.. وعملية النفايات لا تؤرقنا الآن لأنها لا تدفن إلا بعد 60 عاماً والشركة المسئولة عن المحطة ستكون مسئولة عن دفن النفايات النووية. فيما يقول الجيولوجي د. علي بركات إن مصر بها أكبر احتياطي من الفوسفات لكن اليورانيوم المتواجد به بنسب ضئيلة لا يمكن الاستعاضة به إلا بتكنولوجيا متطورة والأفضل متابعة خريطة اليورانيوم في مصر واستخلاصه من الصخور الحاوية مثل الحجر الرملي والطفلات والجرانيت والرمال السوداء. والمعروف أن اليورانيوم أكثر تواجداً في جبل قطران في صحراء الفيوم في عدة مواقع بسيناء في جبل المساخيط بالصحراء الشرقية في الحجر الجيري بالمنيا. وبصفة عامة تركيبات اليورانيوم في مصر منخفضة وتحتاج إلي تكنولوجيا عالية لاستخراجه وفصله.. لذلك فإن إنتاج اليورانيوم في مصر لا يكفي حتي الآن لتغطية احتياجات البرنامج النووي القومي.