تناقض.. ازدواجية.. وفساد اجتماعي.. 3 مصطلحات يلعب عليها د. مدحت العدل من خلال أحداث مسلسله «قصة حب» الذي يدور حول قصة حب بين ناظر مدرسة تنويري ومثقف من جيل الستينيات وبين أرملة منقبة تنتمي إلي الجيل الحالي. د. مدحت استغل هذه القصة ليقدم وجهة نظره وشهادته علي ما حدث للمجتمع في السنوات الأخيرة عندما أصبح التطرف بكل أشكاله هو اللغة التي يعرفها سواء كان تطرفا لصالح العري.. أو تطرفا لصالح مطرب.. أو تطرفا لصالح ناد، وبالطبع التطرف الديني. أسباب كثيرة ذكرها د. مدحت في الحوار التالي لوصول المجتمع المصري إلي هذه الحالة من التفتت والتشتت.. وحقائق كثيرة صادمة ذكرها تؤكد أننا في لحظة علينا جميعا أن ننتبه فيها إلي ضرورة التحرك بسرعة من أجل إنقاذ ما يمكننا إنقاذه. • في البداية ما تفسيرك لهذا الانقضاض المباشر من قبل الدراما هذا العام علي المجتمع وقضاياه الشائكة بشكل لم نشهده من قبل؟ - الحاجة أم الاختراع كما يقولون، وفي بعض الأحيان يكون هناك احتياج في توقيت معين لكي تتحرك وتقوم بخطوة ما. لم نعد نملك رفاهية الانتظار وأصبح علينا أن نواجه، خاصة في ظل تلك المشكلات الواضحة ومناطق الخلل التي نعرفها جيدا.. وإذا كنا نريد إصلاحا حقيقيا للبلد فعلينا أن نبدأ بالمواجهة.. وبحديثي هذا أعني كل شخص مهموم بهذا المجتمع سواء كان صحفيا أو كاتبا.. كلنا نشعر بما يحدث حولنا وكلنا نعلم أنه لم نعد نملك القدرة علي الصمت. والدليل علي هذا أني قرأت اليوم حوارا في إحدي الجرائد القومية لم أتصور علي الإطلاق أن أجده في جريدة كهذه بسبب موقفه المعارض. الحوار كان مع أحمد الليثي وزير الزراعة السابق الذي قال صراحة إن كل من يحاول تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح لمصر يتم استبعاده، وكيف أننا فشلنا في سياسة المحصولات الدولارية. حوار كهذا لم أكن لأتصور أن الناس تستطيع أن تقرأه في جريدة رسمية، وهو ما يعني أن الكل سواء كان مع أو ضد الحكومة يعرف جيدا أن أوان الصمت قد مضي. • التعليم.. هل تري أنه أصبح مصدر الفساد والإفساد في مصر؟ - علينا أن نعترف أن التعليم إذا صلح صلح كل شيء.. والتعليم هو أساس الخيبة في مصر.. مازلت أذكر جملة «غاندي» عندما قال ما معناه: «نحن فقراء لدرجة أننا لا نملك رفاهية ألا نقدم تعليما جيدا».. أتصور أن هذه جملة كفيلة بأن تجعلنا نفكر جيدا كيف سيكون حالنا إذا لم نهتم بالتعليم؟ • ولكن هل تحولت المدارس إلي خلايا لكل المتناقضات كما صورتها بالمسلسل؟ - نعم للأسف الشديد أصبحت المدارس في مصر خلايا للتطرف والبانجو.. والدليل هو ما نقرأه في الصحف.. كأن تسمع أن مدرسة من المدارس بها مسجل خطر أو أن ناظر مدرسة يقوم بتأجير المدرسة بالمساء للدعارة. علي أيامنا لم يكن دور المعلم يقتصر علي تقديمه للمعلومات الموجودة بالكتب وكفي.. لا أنسي أبدا مدرس اللغة العربية الذي جعلني أحب اللغة العربية بشدة لأنه كان رجلا تنويريا.. وكنا نتحدث في حصصه عن السياسة والمجتمع وكل القضايا التي تشغلنا. • هناك سؤال يشغلني بشدة.. ما تفسيرك لهذه الحالة من التطرف الديني التي أصابت الكثير من المصريين؟ - دعني أجيب عليك بسؤال.. هل تستطيع أن تفصل بين المشجعين الذين تصل بهم العصبية إلي درجة حرق مشجع لفريق آخر وبين التطرف الديني؟ أتصور أن الإجابة هي لا.. فإذا كنا وصلنا إلي هذه الدرجة من التطرف في الكرة فكيف لا نصل إليها في نظرتنا للدين. نحن الآن أمام نقطة مفصلية ومحورية في تاريخ مصر.. يا تقبلني وأقبلك.. يا البلد دي حتتقسم.. لابد أن نتعايش ونختلف باحترام. نعم، الهوس أصبح مسيطرا علي قطاعات كبيرة من المجتمع.. هوس بالعري.. باللبس.. بالدين.. واختفت الوسطية.. تلك الوسطية التي دائما ما كانت مصر بلدا لها من قبل أن يدخلها الإسلام.. مصر دائما ما كانت تمتص كل ما يفد إليها وتتفاعل معه وتؤثر في الآخر إلي أن يصبح مصري الهوي وإن لم يكن مصريا. لا أعرف أين ذهبت الوسطية التي كانت من أهم سمات الشخصية المصرية. • أتصور أنك تملك تفسيرا لهذه الردة؟ - كلنا نعلم أنه في السبعينيات وبداية الثمانينيات شهدت مصر أكبر حركة هجرة في تاريخها.. في الفترة التي اعتدنا وصفها بفترة البترودولار.. عندما سافر المصريون إلي دول الخليج ليتعلموا هناك عادات قبلية بدوية ثم عادوا إلي مصر متصورين أن هذا هو الإسلام.. وإذا قلنا إن الذين سافروا 5 ملايين فالذين عادوا كانوا 25 مليونا مثلا لأنهم كونوا أسرا هناك وتزوجوا وعادوا بأسرهم. كل هذا أدي إلي تأثيرات مرعبة نتج عنها تآكل الطبقة الوسطي وتحول الدين إلي شكل من أشكال الوجاهة الاجتماعية. فالغني الذي حصل علي كل شيء في الدنيا يريد أن يضمن الجنة، والفقير الذي يعيش في جهنم ليس له سوي أن يحلم بالجنة.. وهكذا أصبحنا أمام تطرف في الثراء والفقر والمشاعر الدينية.. وهذا هو ماحاولت قوله في المسلسل من خلال شخصية زوج «رحمة» الطبيب الذي أحبها وهي طالبة في الجامعة في رحلة من الرحلات التي كانت «قبل أن نهتدي» كما قالت هي ل«ياسين» في المسلسل.. ذلك الطبيب الذي دعمته النقابة وهرب إلي العراق مع زملائه الأطباء ليحارب أمريكا. وبالمناسبة علينا أن نعترف بأن نقابة الأطباء في مصر تتحكم فيها الجماعات الإسلامية منذ سنوات طويلة وحتي الآن، وبالمناسبة أيضا فهم يقدمون خدمات هائلة «كتبا، ملازم» وغير ذلك من الأشياء التي تقدم للأطباء بأسعار زهيدة. ولكن في المقابل فإنهم كانوا يساعدون في سفر الأطباء إلي أفغانستان لمساندة إخوانهم هناك بدلا من أن يرسلوهم إلي الصعيد الذي هو أولي بالمساعدة. • وما الحل للخروج من هذه الإشكالية؟ - أولا الديمقراطية كمبدأ عام وكمبدأ سياسي، وذلك لن يتحقق إلا من خلال التعليم الذي مازلت أري أنه الرهان الأهم والأصعب. • هل يغذي الإعلام التطرف أم العكس؟ - أعتقد أن كلا منهما يغذي الآخر.. فمثلا موضوع مثل مباراة مصر والجزائر منذ عدة أشهر.. من الذي أشعل الأزمة سوي إعلاميين بحثا عن مكسب إعلامي يتلخص في أن تشاهد برنامجا بعينه ولا تنتبه إلي أي برنامج آخر.. وهكذا لخص عدد من الإعلاميين بلدك وحلمك القومي في انتصارك علي الجزائر.. وهكذا ظلت البرامج تغذي هذه النبرة إلي درجة أن حربا كادت تنشب بين مصر والجزائر بسبب مذيعين جهلة سواء بوعي أو بدون وعي. هذا إذا كنا نتحدث عن كرة القدم، أما إذا كنا نتحدث عن علاقة الإعلام بالتطرف فما عليك سوي أن تستكشف بنفسك كم عدد القنوات الدينية التي تظهر كل يوم. شاهد كيف يستخدمون الدين من أجل تحقيق مكاسب حتي لو اضطر في سبيل ذلك إلي أن يعرض الرأي والرأي المناقض ضده تماما خاصة عندما يكون النقاش دائرا حول قضايا ليس من الضروري علي الإطلاق التحدث فيها. علي سبيل المثال «فتاوي إرضاع الكبير» هذا موضوع مثلا تستطيع أن تستضيف فيه ضيوفا علي مدي 10 حلقات لأنك كلما كنت مثيرا للجدل والدهشة حقق ذلك لك نجاحا. • ألم تلاحظ أننا حتي الآن لم نذكر الدولة.. كيف تجد دورها الآن في تلك المنظومة؟ - أولا دور الدولة انحصر في العالم كله ولم يعد لها القدرة علي فرض السيطرة فالنت علي سبيل المثال أصبح عالما مفتوحا.. ثم إنه طالما أن كل هذه المشاحنات الإعلامية العظيمة تخفي بلاوي بتحصل.. وإذا كان هذا سيساهم في التستر علي فساد ويحدث طوال الوقت إذن «يا مرحب أن شوبير إتخانق مع مرتضي».. • هل تستطيع أن تضع الخطوات التي تستطيع من خلالها تحويل مراهق عادي إلي متطرف؟ - العملية تبدأ من البيئة التي تعيش فيها كل يوم.. مرورا بالمسجد الذي تصلي فيه.. والتليفزيون الذي تشاهده وصولا إلي الناس التي تصادفها حولك في إشارة المرور أو في الشارع.. وبالمناسبة لدي مثال أستطيع أن أشرح من خلاله وجهة نظري. هناك شاب يقوم بتصليح الموبايلات بجوار الشارع الذي أسكن فيه.. يرتدي جلابية قصيرة ومؤخرا أطلق لحيته.. أرسلت له تليفوني لكي يصلحه لي أكثر من مرة وفي الحقيقة كان محترما للغاية. عندما أذهب إليه مثلا يصر علي إعطائي عطرا اشتراه من الحسين ليبدأ في سؤالي بعد ذلك عن ابني ولماذا لا يذهب إلي الصلاة في المسجد.. هذا الشخص نموذج لإنسان بسهولة يمكنك تحويله إلي متطرف لأنه متصور أن تلك الملابس وتلك الطريقة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أنه بذلك بدأ في الانفصال عن حياته والحياة كما كان يحيا السلف. سؤالي هو: ألم يعد من المقبول أن تكون مسلما متدينا وفي الوقت ذاته ترتدي القميص والبنطلون.. ولهذه الدرجة تحول الدين إلي قشور؟ • «أوديهم الأهرام عشان أعرفهم تاريخ الجاهلية؟» جملة قيلت علي لسان المراهق المتزمت في المسلسل.. هل تعتقد أنه هكذا أصبحنا ننظر إلي حضارتنا وتاريخنا؟ - للأسف أصبح هذا منطقا شائعا لدي الكثير من أتباع هذا الفكر المتشدد.. فعندما تتاح لي فرصة الحديث معهم مع الأخذ في الاعتبار أن بعضهم أطباء ومهندسون أصدم عندما أجد أن بعضهم يعتبر أن الذي لا يعرف العقيقة لا يعرف صحيح الدين.. نعم أصبح المصريون مقتنعين أن كل ما يأتي من الخليج هو صحيح الدين.