لفترات طويلة ظلت الدراما المصرية التليفزيونية حريصة على الابتعاد قدر ما استطاعت عن مناقشة أى قضايا لها علاقة بالتحولات الدينية التى طرأت على المجتمع المصرى منذ نهاية السبعينيات وحتى الآن.. تلك التحولات التى تطورت فى فترة من الفترات لتأخذ شكل الجماعات الدينية المسلحة فى التسعينيات قبل أن تختفى تاركة وراءها منظومة فكرية ظلامية تتسع مساحاتها يوما بعد يوم.. منظومة نرى لها أمثلة فى كل مكان سواء فى الزى أو فى السلوكيات أو غير ذلك من المظاهر الدينية المبالغ فيها. لفترات طويلة لم يكن أحد من الكتاب يقترب من تلك المنطقة فيما عدا «وحيد حامد» الذى اعتبر هذه التحولات الدينية قضيته فى مسلسلاته التليفزيونية، حيث ناقش الجماعات الدينية فى «العائلة» والفتنة الطائفية فى «أوان الورد» قبل أن يعود لفتح ملف الإخوان فى مسلسله القادم «الجماعة». ولكن هناك مؤشرات توضح أن الوضع قد اختلف.. والدليل على ذلك مسلسل «قصة حب» الذى يتم التحضير له لعرضه فى رمضان القادم.. ذلك المسلسل الذى كتبه لمدة عام ونصف العام د.مدحت العدل الذى حاول بشكل محدود من قبل الاقتراب من تلك القضايا الشائكة فى عدد من مسلسلاته مثلما فعل فى «محمود المصرى» عندما تعرض لبداية المد الدينى داخل المجتمع المصرى فى السبعينيات وفى «العندليب» عندما عرض لتاريخ وتطور جماعة الإخوان المسلمين وصولا إلى مقتل «الهضيبى» ولكن ما كان يضعه فى خلفية الأحداث يبدو أنه سيتصدر المشهد فى مسلسله الجديد. * قصة حب فى «قصة حب» الذى تخرجه لأول مرة «إيمان حداد» يعرض «العدل» لقضيته بشكل واضح وصريح دون التفاف حولها، حيث قصة الحب التى تنشأ بين جمال سليمان أو «ياسين الحمزاوى» ناظر المدرسة ومدرس اللغة العربية الذى ينتمى إلى جيل الستينيات وبين «بسمة» أو «رحمة عبد الرحمن» والدة أحد تلاميذه المنقبة شكلا ومضمونا.. ومن خلال قصة الحب غير التقليدية يعرض مدحت العدل للعديد من التغيرات الدينية والاجتماعية التى اجتاحت المجتمع المصرى فى السنوات الأخيرة وصولا إلى 2010 . المسلسل باختصار عن أسرة مصرية متوسطة عادية تتكون من الأخ الأكبر «ياسين الحمزاوى» أو جمال سليمان الذى يبلغ عمره خمسين عاما.. ذلك الأخ هو الذى قام بتربية أخواته الأربع بعد وفاة أمه وأبيه.. ولكنه لم يكن يدرك وقتها أنه يضحى من أجلهن بحياته الشخصية لأن ما فعله فى تلك الفترة الزمنية كان أمرا طبيعيا وعاديا. نقطة التحول الرئيسية فى المسلسل بالنسبة ل«د.مدحت العدل» عندما تنشأ قصة الحب بين «ياسين الحمزاوى» وبين «رحمة عبد الرحمن» أو بسمة ولية أمر أحد تلاميذه المنقبة.. مع بداية قصة الحب تنقلب الأحداث رأسا على عقب.. فى تلك اللحظة تصبح البديهيات موضع تساؤلات وشكوك. * كثير من الصدامات السؤال الذى لابد أن يطرح فى البداية كيف ولماذا تصبح قصة الحب الأساسية فى المسلسل بين رجل من جيل الستينيات وبين امرأة شابة منقبة أى بين طرفى النقيض؟ أما الإجابة فكانت لدى د.مدحت العدل الذى قال: كمؤلف علىّ أن أبحث عن القضية الملحة لدى المجتمع الآن لكى أطرحها.. ولذا كان من المنطقى أن أناقش ذلك الصدام الذى أصبح محتدما بين الفكر الذى تربينا عليه فى الستينيات والذى اتسم بكونه تنويريا ثوريا تثقيفيا وبين فكر وافد أصبح أمرا واقعا.. لا يهمنا فى المسلسل «نقاب» «رحمة عبدالرحمن» بقدر ما يهمنا الظروف والمنظومة الفكرية التى جعلتها ترتدى هذا الزى ونعرض ذلك من خلال قصة الحب بين «ياسين» و«رحمة» المليئة بالصدامات والممنوعات، لأنه ببساطة شديدة ووفقا لقناعات الشخصية الفكرية ليس مسموحا لها أن تراه أو أن تكشف عن مشاعره لها.. الصدام فى العمل يأخذ أكثر من شكل، فهناك الصدام الأكبر بين «ياسين» الذى تعد الموسيقى والفن والإبداع والتحضر أشياء بديهية بالنسبة له وبين «رحمة» التى تظل هذه الأشياء بالنسبة لها محل شك عنيف.. أيضا هناك الصدام بين «ياسين» وأخواته وبين «رحمة» وعائلتها التى حتما ترى أن هذا الرجل ليس ملتزما دينيا!». * ياسين ورحمة وفقا لما علمناه من د.مدحت فإن ياسين هو ابن الستينيات.. ابن الفكر التقدمى أما «رحمة عبدالرحمن» فهى امرأة لا تملك من الدنيا إلا ابنها وأسرتها.. لم تسافر إلى الخليج ولم تعد من هناك بنقابها وإنما مثلها مثل أى فتاة عادية أحبت زميلا لها فى الكلية وتزوجته.. كان ذلك قبل أن يبدأ فى الاتجاه نحو المنظومة الدينية السلفية التى بدأت تزحف نحو المجتمع فى السنوات الأخيرة.. أصبح أكثر تزمتا فأقنعها بارتداء النقاب. هذه هى الخطوط الأساسية للشخصية التى تلعبها «بسمة» ولكن هناك ملابسات أخرى علمناها، لها علاقة بالتعامل الأمنى مع الشخصية ونظرات الاتهام التى كانت تلاحقها أمنيا طوال الوقت والتى حولتها من إنسانة عادية إلى إنسانة متطرفة. من المنطقى أن نتساءل: هل ستخلع «رحمة» النقاب داخل أحداث المسلسل أم لا؟ ولكن د.مدحت يجيب عن هذا التساؤل بقوله: «لو أصبحت القضية هل ستخلعه أم لا؟ إذن فقدنا بوصلة المسلسل لأن ما يهمنا ليس زيها وليس «رحمة عبد الرحمن»، وإنما المنظومة الأكبر.. المجتمع المنتقب الذى يجبر النساء غير المحجبات على ارتداء الحجاب فى المواصلات العامة حتى لا ينظر الناس لهم نظرة تحقير أو إهانة. * أسئلة بسيطة المسلسل يناقش أسئلة بسيطة أصبحت مواضيع هامة وأساسية لدى الأسرة المصرية مثل «هل الغناء حرام أم حلال؟.. هل أصبحت الموسيقى والفنون من الممنوعات؟.. هل نمسك بالشوكة بيدنا اليمنى أم اليسرى.. تلك المجموعة من الأسئلة من المفترض أنها تناقش من خلال السياق الدرامى للأحداث. د.مدحت قال لنا: إن «المسلسل يناقش الحياة العادية للمواطن المصرى والذى نقدمه من خلال شخصية «ياسين الحمزاوى».. ذلك المواطن الذى يستقل الميكروباص ويفاجأ بالسائق يفرض عليه الاستماع إلى شرائط دينية متطرفة تفرض عليه بدورها نمطا معينا من التفكير.