جماهير الكرة المصرية تنتظر باشتياق كبير افتتاح المونديال المقبل فى جنوب أفريقيا لتشهد صراع القوى العظمى بين منتخبات الكرة الأوروبية ومنتخبات الكرة اللاتينية، والذى يعد بكل المقاييس مهرجاناً ذا طابع خاص يستمر لمدة شهر تقريباً بعد أن انتقل شغف جماهير الكرة المصرية من عشق لنجوم الدورى المصرى إلى عشق وشغف نجوم أوروبا وأمريكا اللاتينية، بل تجاوز عشقهم نجوم الدورى المحلى إلى الدوريات الأوروبية وأمريكا اللاتينية، والذى يتزايد يوماً بعد يوم. شغف جماهير الكرة المصرية بدوريات أوروبا وأمريكا اللاتينية وكأس العالم ليس وليد اليوم أو بمحض الصدفة، فهذه المشاعر كشفت عن نفسها بعد أن وضح متابعتهم لأدق التفاصيل تماماً مثلما يتابعون الدورى المصرى ونجومه، والذى تحول إلى حرص الشباب أيضاً على ارتداء قمصان نجوم أوروبا وبأرقامهم ومتابعة أخبارهم باهتمام شديد من خلال القنوات الفضائية سواء فى المنازل أو فى المقاهى أو عبر شبكة الإنترنت، حيث أصبحت أخبار هؤلاء متداولة بشكل مكثف، ولهذا يحرص الجمهور الكروى على متابعة تلك الأخبار والاحتفاظ بصور هؤلاء النجوم. لم يعد غريباً أن تشهد ازدحاماً غير عادى ليلاً على المقاهى، وأن تسمع آهات المشاهدين والجالسين على المقاهى تخرج من البيوت بأعلى الأصوات أو من على المقاهى خلال توقف الدورى المصرى أو فى الأيام التى تخلو من إقامة مباريات محلية، أو مباريات ليس طرفيها الأهلى والزمالك باعتبار أنهما أكبر الأندية جماهيرية قديماً وحديثاً. ولهذا كان من المنطقى جداً أن تفرض أسئلة نفسها فى ظل ما يجرى حالياً فى الشارع المصرى بين جماهير الكرة فى مقدمتها بالطبع الأسباب الحقيقية وراء عشق هذه الجماهير لدوريات الكرة الأوروبية وأمريكا اللاتينية ونجومها الكبار الذين يتابعونهم بشغف رهيب، وهل ترجع هذه الأسباب إلى الانفجار الإعلامى الذى حدث فى مصر، والذى أدى إلى سهولة متابعة مباريات هذه الدوريات فى أى مكان أم أن هناك عوامل أخرى وراء ما يجرى الآن والذى كان له مقدمات مؤكدة بالفعل مثل انتقال واحتراف نجوم مصر فى الدورى الأوروبى حيث يلعب محمد زيدان فى بروسيا دورتموند الألمانى، ومحمد شوقى فى قيصر سبور التركى، وحسام غالى كان يلعب فى الدورى الإنجليزى ومحترف الآن فى النصر السعودى، وأحمد حسام ميدو فى وستهام يونايتد، ومحمد عبدالواحد لاعب الزمالك السابق والإسماعيلى فى ليرس البلجيكى وكذا كل من دودى الجباس وأحمد سمير، كما احترف أحمد حسن فى أندرلخت، وعمرو زكى فى هال سيتى الإنجليزى، وأمير عزمى فى ديار بكر التركى، ودفع كل هؤلاء النجوم باحترافهم فى أوروبا لاهتمام جماهير الكرة المصرية بهم ومتابعتهم لهذه الدوريات ومتابعة أخبارهم وانتقالهم من ناد إلى آخر. ولا شك أن كرة القدم أصبحت الآن صناعة عالمية ويمثل الآن جزء كبير من تمويلها الكثير من الرعاة والشركات الإعلانية، وأصبح نجوم العالم سلعتهم الأساسية أو وسيلتهم للدعاية لسلعهم الرئيسية، حتى أصبح نجوم العالم نجوماً للإعلانات المصورة والمرئية والمطبوعة على أرصفة الشوارع وكذا فى إعلانات التليفزيون مثل بيكام وميسى وكريستيانو رونالدو، وهم فى نفس الوقت جنباً إلى جنب مع النجوم المصريين الآن على نفس منتجات تلك الشركات العالمية. ولهذا طارد الجمهور المصرى مثلاً المباراة الأخيرة بين انترميلان وبايرن ميونيخ والتى انتهت بفوز الأول بهدفين نظيفين أحرزهما ميليتوتا، وكأنها مباراة بين الأهلى والزمالك وأن يتجاوز الاستمتاع بهذه المباراة أو بغيرها من مباريات الدوريات الأوروبية وأمريكا اللاتينية إلى درجة التعصب من قبل الجمهور المصرى، والذى يحرص على مشاهدة هذه المباريات ويحفظ عن ظهر قلب أسماء لاعبى أكبر أندية الدورى الإيطالى أو الإسبانى أو الإنجليزى مثل برشلونة واليوفنتوس وانترميلان وتشيلسى ومانشستر وريال مدريد التى تضم نجوم العالم سواء من أفريقيا أو أوروبا أو أمريكا اللاتينية، وكان من الطبيعى أن نسمع الآهات فى مباراة الأرسنال وتشيلسى الإنجليزيين، وأن نجد جماهير مصرية تشجع أندية أوروبية. جماهير الأهلوية مثلاً تشجع أندية أوروبية تماثل النادى الأهلى فى شهرته وقوته، وكذا الجماهير الزمالكاوية فالغالبية من جماهير الكرة أهلوية يشجعون مانشستر وبرشلونة وإنترميلان، كما يشجعون نجوماً مثل رونالدو الذى كان يلعب فى ميلان وانتقل إلى ريال مدريد، وميسى الذى يلعب فى برشلونة، وروبين الذى انتقل من ريال مدريد إلى بايرن ميونيخ، وصامويل إيتو الذى انتقل من برشلونة إلى إنتر ميلان، وروبينيو من ريال مدريد مانشستير سيتى وكاكا من ميلان الإيطالى إلى ريال مدريد وباتيستا فى روما الإيطالى، ودانيال الفيس البرازيلى من إشبيليه الإسبانى إلى برشلونة وتييرى هنرى الفرنسى يلعب فى برشلونة الإسبانى بعد أن كان فى إرسنال الإنجليزى. الدورى ألالمانى والتركى لا يحظى بنفس شغف واهتمام جماهير الكرة المصرية للدوريات الإيطالية والإنجليزية والإسبانية نظراً لتوقيت إقامة مبارياتهم والتى تتعارض مع مواعيد عمل الجمهور المصرى، بينما تقام الدوريات الأوروبية الإيطالية منها والإنجليزية والإسبانية ليلاً والتى تعد بمثابة سهرة ممتعة للجمهور المصرى، خاصة على المقاهى. وكان من الطبيعى أن يرتبط الجمهور المصرى بالدورى الإنجليزى الذى كان عمرو زكى يلعب له، خاصة مع شرط العشرة أهداف المنصوص عليها فى العقد، خاصة بعد أن أحرز عمرو زكى تسعة أهداف منها وتوقف رصيده عند هذا الحد مع ويجان الإنجليزى، وظلت الجماهير المصرية تنتظر وتتابع بشغف وبقلق هدفه العاشر الذى يسجله ليفوز الزمالك بنصيبه من العقد ويحصل على مائة ألف جنيه استرلينى أى أكثر من مليون جنيه مصرى! ونفس الحال حينما انتقل أحمد حسام «ميدو» من ناد إلى آخر فى أوروبا، وساهم بانتقالاته المتعددة فى انتشار أسماء لم يكن يعرفها الجمهور المصرى والذى بدأ بأياكس ثم مارسيليا ثم توتنهام مروراً بروما وسلتا فيجو الإسبانى. حسن ريشة من رابطة مشجعى النادى الأهلى «الالتراس» قال: النظام الذى تدار به الكرة الأوروبية، وإتقانهم لعملهم، وإبراز الإخراج التليفزيونى للجماهير الأوروبية فى المدرجات وطرق التشجيع الجاذبة بالإضافة إلى النجوم هى الأسباب الرئيسية فى إقبال الجماهير المصرية على مشاهدة ومتابعة الدورى الأوروبى.. أنا أشجع ميلان الإيطالى ومنتم للنادى بغض النظر عن وجود نجوم من عدمه.. وأرشح عماد متعب للدورى الفرنسى أو الإسبانى، وأحمد فتحى للدورى الإنجليزى أو الإيطالى. بينما أكد إيهاب بوجى من رابطة مشجعى نادى الزمالك «الألتراس» والذى يشجع نادى ريال مدريد الإسبانى أن تطور وسائل الإعلام وتعددها ساهم فى إقبال الجماهير المتزايد على متابعة الدورى الأوروبى، بالإضافة إلى سرعة الكرة وحلاوتها فى الملاعب الأوروبية، ناهيك عن عدد الكاميرات التى يتم إخراج المباريات بها.. وأنا مرتبط بتشجيع النادى حتى لو لعب بالناشئين.. وأرشح شيكابالا للدورى الإسبانى على الأقل ولكن المشكلة أنه لن يسمح له بذلك فى ظل تمسك الإدارة والجماهير به. يضيف عمرو صديق من رابطة ألتراس إسمعلاوى قائلاً: إن التحكيم عالى المستوى، واللعب النظيف وعدم التعصب، والتشجيع الحضارى، والدخلات المميزة، إضافة إلى روح اللاعبين فى الملعب والأداء الجمالى كلها عوامل ساهمت فى رفع نسبة المشاهدة للكرة الأوروبية والعالمية.. أشجع ليفربول الإنجليزى حتى لو هبط إلى القسم الثانى.. وأرشح عمرو السوليه للدورى الإنجليزى وأحمد خيرى للدورى الإسبانى. وأما نصر حسن رئيس رابطة مشجعى وادى دجلة «المنشأ على الطريقة الأوروبية» فيؤكد تشجيعه لتشيلسى، ويرى أن إقبال الجماهير على متابعة وتشجيع الأندية الأوروبية هو تعويض لهم عن سوء المستوى الذى يضطرون لمتابعته محلياً فى كل المجالات سواء بالنسبة للمباريات أو الإخراج التليفزيونى أو التعليق أو الملاعب، ففى أوروبا يحترمون المشاهد.. وأرشح عماد متعب للدورى الإسبانى وشيكابالا للدورى الايطالى وعمر جمال قبل الإصابة. ولم تقتصر مشاهدة الكرة الأوروبية على الرجال بل امتدت إلى الجنس اللطيف حيث تقول دنيا سمير من رابطة «أهلاويات للأبد» إن الكرة الأوروبية متعة وجمال ومستويات عالية ولاعبون أفذاذ ومهارات خارقة، حتى التشجيع الأوروبى متحضر وراق فالرجال والنساء فى المدرجات من أجل المتعة.. أشجع مانشستر يونايتد الإنجليزى لأنه يرتدى الفانلة الحمراء ولكن عندما انتقل النجم البرتغالى كرستيانو رونالدو إلى ريال مدريد أصبحت أشجعه فالنجوم هم الذين يمنحون الجماهير المتعة بأدائهم. المعلق الكروى خالد بيومى يرى أن الجماهير المصرية مرتبطة بالدورى الأوروبى ودورى أمريكا اللاتينية منذ ما يقرب من عشر سنوات أو أكثر لأن الكرة الأوروبية وكرة أمريكا اللاتينية لها طعم ومذاق خاص، بالإضافة إلى أنها تحفل بخطط وطرق لعب رائعة ونجوم ينفذونها بدقة ومتعة، كما أنها تحظى بجهد غير عادى من المدربين، بجانب كثرة إذاعة هذه المباريات من خلال القنوات الفضائية ونشر أخبار النجوم على مواقع الإنترنت ساهم فى انتشار الكرة الأوروبية واللاتينية بشكل كبير. أضاف أنه رغم أن عدد المعلقين المصريين قليل ولكنهم جنباً إلى جنب مع المعلقين العرب ساهموا فى انتشار مباريات الدورى الأوروبى واللاتينى، وكل من هولاء المعلقين له أسلوبه المميز الذى يفضله جمهور الكرة مثل عصام الشوالى وحازم الكاديجى ورؤوف خليفى وأحمد الطيب وعلى سعيد الكعبى وحاتم بطيشة وحمادة إمام كل هؤلاء حققوا نقلة غير عادية للكرة الأوروبية، كما تعلق المشاهدون بهم. وأشار إلى أن وكالات الإعلان والرعاة لعبوا دوراً كبيراً أيضاً فى نشر ثقافة الكرة الأوروبية واللاتينية، ويكفى مثلاً أن أحد الرعاة يدفع 220 مليون يورو للاتحاد الدولى للدعاية فى كأس العالم، خاصة بعد أن ارتبطت الجماهير بهذه البطولات وبأسماء النجوم أكثر من ارتباطهم بالعرب، والاهتمام غير العادى بنهائى دورى أبطال أوروبا الأخير، عكس الكرة المصرية التى تعد بمثابة سمك.. لبن.. تمر هندى للأسف. ويؤكد حمادة إمام أن قوة الدورى الأوروبى جذبت انتباه الجمهور المصرى التى قارنت بين كل من الدورى الإسبانى والإنجليزى والإيطالى وساهم فى ذلك وجود معلقين عرب ومصريين تميز كل منهم بأسلوب خاص ارتبط به الجمهور المصرى، كما أن اذاعة المباريات فى موعد ثابت محدد وبشكل منتظم مع استقرار بطولات الأندية الأوروبية وعدم تأجيلها جعل متابعتها سهلاً لدى المشاهدين سواء فى البيوت أو المقاهى، كما أن هناك عوامل أخرى جعلت الجمهور المصرى يفضل متابعة الدورى الأوروبى على غيرها من البرامج منها أسلوب التشجيع فى المدرجات فى الملاعب الأوروبية والمظاهر المختلفة فيه واحترام اللاعبين لقرارات الحكام وعدم وجود أسوار على الملاعب رغم أنه من السهل نزول المتفرج أرض الملعب إلا أنه يحترم قدسية الملعب والنظام، بجانب كثرة القنوات الفضائية الآن والصحف الرياضية والتى لم تكن موجودة من قبل بهذا الشكل، حتى أصبحت الكرة الأوروبية بمثابة دروس خاصة للكل سواء اللاعب أو المدرب أو الحكم أو المتفرج أو الإعلام. أضاف: ولهذا كان من الطبيعى أن تتحول بعد ذلك الكرة الأوروبية إلى صناعة عالمية ونجحت فى دخول المناطق الشعبية بأسعار رخيصة. يقول ميمى الشربينى: إن العالم أصبح الآن قرية مصغرة لوجود التكنولوجيا والفضائيات والإنترنت، كما أن الكرة أحدى هوايات الكبير قبل الصغير لأنها لعبة مسلية وبها فنون كثيرة ومفاجآتها أكثر، وهى ظاهرة صحية أن نرى اهتمام الجميع بها، لأن الناس كلها تبحث عن المتعة بعد عناء العمل، ولأن مظاهر التشجيع المختلفة الحديثة جديدة علينا فمن الطبيعى أن تجذب أيضاً الجمهور المصرى، كما أنها متعة بالفعل أن يشاهد الجمهور أندية أوروبية كبيرة فى إنجلترا وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا وأن تحفظ أسماء النجوم. هانى أبو ريدة عضو المكتب التنفيذى بالاتحاد الدولى لكرة القدم «الفيفا» يرى أن نجوم أوروبا هم السبب الرئيسى فى جذب الجمهور المصرى، لأنه عادة يبحث عن النجم ويفضل نجوما بعينهم على غيرهم ويرتبط ويتعلق بهم فيبحث بعد ذلك عن أخبارهم، ولأن الأطفال أكثر الفئات تعلقاً الآن بالتكنولوجيا، فهم أكثر المتابعين لأخبار النجوم على الإنترنت فجذبوا الكبار معهم واشتد شغف الجميع بعد ذلك، بالإضافة إلى الفضائيات الكثيرة ونوعية نقل الصورة ونظام الملعب وتخطيطه والمهارات والجوانب الخططية فى المباريات والتنافس العالى وانتظام إقامة المباريات وثبات موعدها واحترام الجميع لمثل هذه المسابقات والدور الذى لعبه التليفزيون فى نقل هذه البطولات، وهذا كله بالطبع عكس الدورى المصرى وما يحدث فيه. أضاف أبو ريدة: هذا ينعكس على بطولة كأس العالم، واهتمام الاتحاد الدولى بتنظيمها بشكل يحقق مكاسب فنية وإدارية ومالية سواء للدول المشاركة فيها أو للدول المنظمة أو للشركات الراعية، وأن يسهم ذلك فى تطوير كرة القدم لتصبح صناعة عالمية، خاصة أن العلم والتكنولوجيا أصبحا من العوامل المؤثرة لنجاح أى شىء فى العالم كله. ويرى حازم إمام عضو مجلس إدارة نادى الزمالك أن تجربته مع أودينيزى الإيطالى كانت ناجحة للغاية وأنه استفاد منها كثيراً، وأن عوامل نجاح الكرة الأوروبية الكثيرة هى سبب شهرتها وشهرة نجومها، سواء الالتزام أو الانضباط أو الإمكانات المالية العالية، والكل يعرف دوره ولا يخرج عن الخط الأحمر إطلاقاً لأن فى مقابلة ذلك عقوبات لا يتحملها أحد، ولأن الجميع يحترم النظام والانضباط ويخشى تطبيق العقوبات بصرامة، فلهذا من الطبيعى أن تحظى الكرة الأوروبية بالعالمية، وعندما يتحقق ذلك فى مصر ستصل أيضاً للعالمية . ويقول أحمد حسن كابتن مصر ونجم الأهلى والذى احترف فى الدورى التركى ثم فى أندرلخت البلجيكى ان الكرة الأوروبية لم تصل لما وصلت إليه من فراغ وإنما من خلال عوامل نجاح مختلفة سواء بالنسبة للتدريب أو الدعاية أو الإعلام كما أن طموح اللاعب الأوروبى كبير ولهذا يبذل جهداً يفوق العادة بالنسبة للاعب المصرى.