علي غير المتوقع كان الإمام الأكبر الشيخ د. أحمد الطيب مبادرا في حواره معنا، بل متصديا ومواجها ومناوشا، في العديد من الملفات الملحة علي الأزهر، فكشف لنا عن خطة مواجهته لانتشار الفكر السلفي المتشدد ودعاة الفضائيات الذين دمروا المجتمع، وقال إنه سيبدأ في البحث عن ممول لإنشاء القناة التي انتظرها الكثير للدفاع عن مواقف الأزهر، ليفضح أن كلام دعاة الفضائيات للاستهلاك الإعلامي، لكن لم يتوان في أن يعترف بأن الأزهر قصر في التصدي لمثيري الفتنة الطائفية، مشيرا إلي أنه سيعتمد علي إبراز الإيجابي في التراث الإسلامي تجاه الأقباط للتقريب بين الجانبين، كاشفا عن أنه لن يزور القدس وهي تحت الاحتلال حتي لا يضيف ذلك إلي إسرائيل. أوضح أن المشيخة مليئة بالمشاكل المعقدة جدا، لكنه سيبدأ بتطوير المناهج في التعليم قبل الجامعي، بشكل يجمع فيه الطالب بين منهجي وزارة التعليم والأزهر بدون أي حذف، وقال إنه لا يرفض أن يتم انتخاب الإمام الأكبر، لكن بشرط ضمان الناخب، وهذا غير متوافر في ظروفنا الحالية، فغير المؤهلين متحركون ولديهم تكتيك الوصول، وكان هذا ظاهرا في انتخاب عمداء الكليات، ولم يخف أنه مع نشر الفكر الصوفي المعتدل، بل اعتبره وسيلة لمحاربة الجشع الظاهر هذه الأيام.. والآن إلي نص الحوار: هل المشيخة استمرار لمسيرة.. أم بداية مرحلة جديدة؟ بلا شك تكملة، ومسيرة شيخ الأزهر أنا شاركت فيها بجزء غير يسير، فكنت دائما أجلس مع الإمام الراحل نتباحث في القضايا المختلفة ويستشيرني في أمور المشيخة، فأنا لست قادما إلي المشيخة من بعيد، ولا المشيخة بغريبة عني لأن «الأزهر الجامعة» كانت تناقش أمورها هنا في المجلس الأعلي للأزهر، وأيضا المسائل المتعلقة بمشيخة الأزهر في التعليم قبل الجامعي. توليت الإفتاء ورئاسة الجامعة والآن مشيخة الأزهر.. ما المنصب الأصعب بالنسبة لك؟ - «الإفتاء» كان الأسهل عملا، لكن الأصعب مسئولية أمام الله سبحانه وتعالي لأن معظم عملها يتعلق بأن هذا حرام، أو هذا حلال، من هذه الناحية كانت ثقيلة علي نفسي كثيرا جدا، خاصة الأمور التي تتعلق بمراجعة قضايا الإعدام والتصديق عليها عبء نفسي، لكن جسمانيا وذهنيا لم يكن فيها أعباء، مثلا الفتاوي العادية كنت آخذها معي في المنزل وأقرأها وكأني أقرأ في العلم. أما الجامعة فكانت بالعكس.. نفسيا مريحة، لكن جسمانيا وذهنيا مرهقة إلي أبعد حد فالمشاكل بها كثيرة جدا، وكنا نتولي مشكلة مشكلة، وعندما نقوم بحل إحداها أشعر أني أنجح في شيء. أما هنا في المشيخة فلا أدري بعد ماذا سيحدث وأسأل الله التوفيق، وما كنت أتمني أن أكون الإمام الأكبر. ما أصعب الملفات المتوقعة في المشيخة؟ - في المشيخة مشاكل كثيرة جدا ومعقدة أهمها ملف التعليم الأزهري قبل الجامعي ابتدائي.. إعدادي.. ثانوي.. وكثرة الوافدين، فمثلا مدينة البعوث الإسلامية يأتي إليها الآلاف من الطلاب والطالبات من أكثر من 130 دولة، وهذا عبء كبير جدا لأنه من وجهة نظري يستحق أن يلقي اهتماما وتنظيما ورؤية أكبر مما هو واقع الآن، وهاتان المشكلتان أهم وأخطر مشكلتين في الأزهر. وكيف تستعد لحل هذه الأزمات؟ - سنعمل علي أن نجمع بين منهجي وزارة التربية والتعليم والأزهر، للجمع بين أسس تراثنا القديم وبين ما هو مطلوب الآن من العلوم، وأنا شخصيا درست منهجين عندما كنت في الثانوي، حقيقة كان هناك «تعب»، لكن كانت هناك إفادة كبيرة جدا، الآن نريد أن نخلق من الاثنين منهجا متوسطا لأن الطالب لم يعد يحتمل منهجين، فمازال المنهجان يطبقان لكن بطريقة يضعف كل منهما الآخر ولقلة إمكانات التدريس والمعامل حدث شيء من التراخي، وهو شيء طبيعي وحدث مثله في التربية والتعليم أيضا، لكن سنبدأ في التفكير في إيجاد حلول لهذه المشاكل ولو مرحلية، فمن الممكن في المرحلة القادمة أن نبدأ وفي ظرف ست سنوات «ثلاثة إعدادي وثلاثة ثانوي»، نستطيع أن نخرج طلابا يصمدون في الجامعة. هل الدمج يعني حذفا من المناهج؟ - لا، لن أحذف من علوم الأزهر شيئا، فلا يمكن ذلك لأنني أعلم أن أي حذف يحدث خللا، ولكن المنهج ربما يكون التصميم أو تجديد التصميم لمناهج الثانوي. هل تري أن المناهج الحالية تلائم الواقع الذي نعيشه؟ - أنا مازلت أتعرف علي المناهج لأنني تركت الثانوي منذ 1965، وهذا ملف سوف يتم فتحه ودراسته. هل الأزهر يحتاج إلي تشريع لوقف تدمير المجتمع عن طريق دعاة الفضائيات؟ - الأزهر ليس في حاجة إلي تشريع، بل محتاج أن يعود إلي سالف عهده من حيث الإعداد العلمي فقط، لأن الإعداد العلمي كان سليما إلي عهد قريب جدا وهذه الأصوات لم تكن تؤثر في الناس، والمسألة أنه ليس لنا سلطان علي هؤلاء، لكن كل ما سوف نقوم به هو إعداد أولادنا إعدادا يؤهلهم أن يكتشفوا إذا ما استمعوا إلي هؤلاء بأن هذا الكلام ليس علما وليس فقها وأنه كلام للاستهلاك الإعلامي. «لا سلطان عليهم».. إذن كيف يتصدي الأزهر لهم؟ - طبعا هناك تصدٍ ويكون بنشر العلم الصحيح علي المواقع سواء، ولو وجدنا قناة تعبر عن الأزهر، ممكن نسعي إلي هذا أيضا، وأفكر جديا في إنشاء قناة معبرة عن الأزهر وعلوم الأزهر وثقافته العتيقة التي حفظت علي الأمة الإسلامية وسطيتها باستمرار. ألا تري فضيلتك أن التفكير في إنشاء قناة الأزهر متأخر جدا؟ - لا نستطيع أن نقول تأخر، ولكن الظروف لم تكن متاحة فالظروف المادية للأزهر لاتزال مقصورة عن تمكينه من امتلاك الأدوات التي ينطلق بها إلي العالم وإلي التصدي للفتاوي أو العلوم المغلوطة والهشة، وهذه من ضمن ما سأهتم به، فبعدما أفرغ من التهنئة ويهدأ المكتب سأبدأ مباشرة في ملف التعليم بالتوازي مع مسألة القناة الفضائية.. من يتحدث.. ومن يتصدي.. ومن الممكن الاتصال بالقنوات المعتدلة وهي كثيرة ونحدد لها أشخاصا معينين يخرجون ويردون علي هذا الكلام، وهذا سيحدث مع بعض الزملاء من الجامعة وبعض الخبراء حتي من خارج الأزهر، كل هذا في ذهني. هل اقترحت فكرة إنشاء هذه القناة الأزهرية علي الإمام الراحل من قبل.. وتصدي الأزهر عن طريق القنوات المعتدلة؟ - لا، لم أقترح لأن أعباء الجامعة كانت ثقيلة جدا، ثم إن المسائل الكبري موجودة في يد مجمع البحوث الإسلامية. لكن فضيلتك عضو في المجمع؟ - نعم، قدمنا هذه الاقتراحات كثيرا في المجمع، لكن لم يوجد أحد يقدم قناة إلا أني سأبحث الآن عمن يستطيع أن يقدم ويمول هذه القناة ويكون علي استعداد لأن يتركها للأزهر تماما لا يتدخل فيها لا من قريب ولا من بعيد. وما الملف الأكثر إلحاحا الذي يري الإمام ضرورة الإسراع في التعامل معه؟ - الحفاظ علي الوحدة الوطنية. ألا تري وجود تقصير شديد من الأزهر في هذا الشأن؟ - حقيقة، هناك تقصير شديد من الأزهر والجامعة، وأنا لا أدين الأزهر، ففضيلة الإمام الأكبر الراحل كان مشغولا بالمشيخة، وكفي أنه سقط ميتا وهو في عمل للأزهر فأنا أعتبره «شهيد الأزهر». وما ملامح هذه السياسة الجديدة والتغيير الذي تراه فضيلتك للتأكيد علي الوحدة الوطنية؟ لابد من تشكيل لجان كبيرة خبيرة بالتعليم بالاشتراك مع التربية والتعليم أيضا تشكيل لجان يكون فيها عمالقة الأساتذة الكبار وأساتذة جامعة الأزهر وخبراء التعليم لآخذ الخبرات منهم، وهذا كله لم يتسع وقت فضيلة الإمام الأكبر له ولكن ستكون له أولوية عندنا. وماذا عن التعامل مع الآخر؟ - أيضا سيكون له علماء متخصصون ندعوهم ونتفاهم معهم كيف نخرج ما في التراث من المعاملات الجميلة، وأنا قمت بعمل أربع حلقات في برنامجي في قناة النيل للأخبار حول هذا الموضوع، وكان له صدي طيب جدا لدي إخواننا الأقباط والمسلمين وكانوا في غاية السعادة، وقالوا إنه تم تغيير أفكار كثيرة عن الإسلام تجاه الأقباط وأنا لم أفعل شيئا، كل ما فعلته أني عرضت البضاعة الموجودة لدي وقدمتها وهذا شيء مهم جدا لابد أن يتم التركيز عليه في وسائل الإعلام، وأيضا أستأذن د.زقزوق أن نركز عليه في المساجد والمحاضرات التي تتلي فيها وهذا في رأيي يخلق وعيا بموقف الإسلام الصحيح من إخواننا الأقباط ذوي الرحم الواحد في الايمان بالله وباليوم الآخر، وسيكون هناك تركيز علي هذه القضية كي نقضي علي المتاجرين والمزايدين بمسألة الإسلام والمسيحية. ما رأيك في الدعوة بأن يكون منصب شيخ الأزهر بالانتخاب؟ - إذا ضمنتِ لي الناخب المتجرد من الضغوط والتربيطات بحيث يأتي بالأفضل أنا أشجع هذا لكن في الظروف التي نعيشها يصعب جدا أن يحدث هذا لأن كثيرا من الطامحين لمثل هذه الأماكن هم غير مؤهلين ولديهم القدرة علي الحركة والتكتيك ونحن جربنا هذا وقت أن كانت عمادة الكليات بالانتخاب وليس التعيين والتربيطات، حيث جاءت بنماذج غير قادرة نهائيا علي إدارة الكليات. كل نظام له سلبيات؟ - لكن ربما سلبيات الاختيار أهون حاليا لأنها تعتمد علي الذي سيتم اختياره هل هو رجل كفء للمكان أم لا فقط. لماذا لاتريد ترك الحزب الوطني ؟ فنحن لم نعتد أن ينتمي الإمام الأكبر لحزب سياسي؟ - المستفيد من انتمائي للحزب الوطني هو الأزهر فأنا محتاج في تطوير الأزهر ورفعة شأنه في الداخل والخارج إلي جهة قوية تسنده فإذا كان هناك حزب قوي وشيخ الأزهر عضو في هذا الحزب فبالضرورة سيدعم الأزهر والمشيخة محتاجة إلي دعم وما الإشكال في أن يكون شيخ الأزهر عضوا في نادٍ أو عضوا في حزب هل أيضا لاينفع أن يشترك شيخ الأزهر في نادٍ رياضي والنادي له لائحة وشروط؟ فعمل الأزهر بطبيعته عمل غير حزبي وعمل بعيد عن الحزب، وكما قلت إن كانت هناك فائدة فلن تكون هذه الفائدة للحزب وإنما ستكون للأزهر فقط وما أظن أن الوطني من البساطة في التفكير بحيث أن يطلب من شيخ الأزهر طلبا تعرفه الصحافة ثم يسجل عليه كنقطة ضعف، المسألة ليست هكذا ونحن عشنا في دار الافتاء ورئاسة الجامعة ما تدخل الحزب وكان حضوري قليلا إلا في المؤتمرات. إذن هل يفهم من كلام فضيلتك أنك ستحاول استثمار عضويتك بالحزب لصالح الأزهر وكيف سيكون شكل هذا الاستثمار؟ - نعم طبعا لابد أن أستفيد للأزهر فلو وجدت أي دعم للأزهر فأنا أسارع إليه فما بالك بالحزب ولو وجدت أي حزب قوي آخر شرط أن يكون حزبا قويا ويملك ويريد أن يدعمني ماليا أو معنويا فأنا أرحب بذلك، أنا أرحب بأي دعم يأتي للأزهر من أي حزب. لكن لا أطلب من أحد فأنا لا أتسول.. من يريد أن يدعمني فأهلا به لكن في الحزب الذي أنتمي بعضوية فيه أستطيع أن أطلب منه الدعم للأزهر. هل لو دعيت فضيلتك إلي القدس.. ستذهب للزيارة؟ لا.. لأن هذا سيكون إضافة لإسرائيل وخصما مني، سيقولون إن شيخ الأزهر ذهب وطبعا هذا في مصلحة التطبيع ويستغلونها علي أنها شبه اعتراف وشبه رضاء بما يحصل في القدس والحقيقة أن كل هذا غير صحيح. ومتي تزور القدس ؟ عندما تتحرر القدس وتوجد سفارة فلسطينية، وتدعوني وزارة الخارجية الفلسطينية سأذهب. ما علاقة فضيلتك بالطرق الصوفية؟ هل أنت عضو في إحدي الطرق؟ الطريقة ليس بها أعضاء لأن الطرق ليست جمعيات وأنا لست عضوا في المجلس الأعلي للتصوف وإنما في طريقة صوفية علي النمط القديم وهي التي تمثل مدرسة تربوية روحية بها مناهج روحية فيها أذكار معينة وأنا أنتمي للطريقة الخلوتية نسبة إلي الخلوة ووالدي كان شيخاً بها وجدي من قبل وهم تلاميذ لشيوخ هذه الطريقة هنا في الأزهر حينما كانوا في الأزهر تتلمذوا عليهم وأذن لهم بنشر الطريقة. هل تؤيد نشر الفكر الصوفي؟ نعم أؤيد نشر الفكر الصوفي المعتدل تماما وهو أحد الحلول للجشع الذي نعيش فيه والفكر المعتدل هو المرتبط بالقرآن والسُنة، أما الفكر الصوفي الشاذ فأحاربه ولا أرضي به فأي شيء يخرج علي الشريعة مرفوض تماماً. ألا تري فضيلتك أن الفكر السلفي منتشر بصورة كبيرة؟ كيف يواجه الأزهر هذا الفكر وما هو سبب انتشاره الكبير؟ - سبب انتشار الفكر السلفي هو عدم تواجد الأزهر في الساحة بشكل مكثف وهذا ما سنعمل علي تلافيه مستقبلا فالأزهر لابد أن يكون موجودا في الساحة الجماهيرية بأفكاره الصحيحة وعقائده التي تعلمناها من شيوخنا ونعلمها لطلابنا وأتوقع بعد ذلك أن هذا الفكر الذي يخالف الأزهر سوف ينحسر فالفكر السلفي المتشدد سوف يتلاشي إذا تصدي له الأزهر، أما الفكر السلفي المعتدل فنرحب به وليست هناك مشاكل. ما علاقتك بدار الإفتاء وما تصورك للتنسيق بين المفتي والمشيخة في الفتاوي؟ - فضيلة الدكتور علي جمعة صديق وأخ عزيز وعلاقتنا مستمرة ووطيدة، ويأتي الجامعة وهو أستاذ في الجامعة ويشرف علي رسائل وتعارفنا منذ زمن علي أن مجمع البحوث تحال إليه الفتاوي المعقدة التي يكون فيها بعد فقهي مع بعد طبي أو هندسي أو اقتصادي، وهذه الأمور معقدة وتدرس في لجنة البحوث الفقهية أولا ثم تعرض علي مجمع البحوث لأن المفتي وحده تكون المسألة صعبة عليه، أما الفتاوي العادية وهي التي تتعلق بالفقه فقط ففضيلة الدكتور علي جمعة مختص بها، ونحن نسير الآن علي نفس النمط، فدار الإفتاء رسميا هي المختصة بالفتاوي.