يوسف بطرس غالي وزير المالية.. حالة استثنائية مثيرة للجدل، اسمه يتردد في كل بيت مصري، كل يوم، بشكل سلبي في الغالب، فمايلبث أن ينتهي أو حتي يهدأ النقاش حول الضريبة العقارية، حتي يتعالي الحديث حول علاج مرض عينيه علي نفقة الدولة، وما بينهما كان اللغط واسعا حول رؤيته في مشاهد الفتنة الطائفية التي تتكرر كثيرا خلال الفترة الأخيرة، خاصة أنه كوزير قبطي لا يرفض أن يستشهد بالآيات القرآنية في بياناته وتصريحاته، ولذلك كان لابد من الحوار معه ومناقشته حول كل هذه الملفات الساخنة جدا! فالدكتور يوسف تشعر وأنت تتحدث إليه أنك تقف أمام ابن بلد محنك وواعٍ.. وإشكالية الدين لا تجدها واضحة، مؤكدا أن الدين لله وكل إنسان يحمل داخله فكرة التدين، ومادمنا نعيش في مجتمع واحد والأهداف واحدة، فلماذا نقف عند فكرة هذا مسلم وذاك مسيحي،معترفا في الوقت نفسه بأن الأزمة موجودة بالفعل بين الطرفين، وهو ما يجب التغاضي عنه والوصول لفكرة أننا نعيش سويا مجنبين فكرة الديانة.. والآن إلي النص: تعرضت إلي أكبر حملة هجوم في تاريخك كوزير مالية في العديد من الملفات من صحتك حتي سياستك.. بم تبرر ذلك ،وهل يدعوك ذلك إلي مراجعة نفسك؟ - لن أتراجع.. أو أراجع شيئا بدأته لأنه قائم علي دراسات، وبصراحة أنا عارف سر الهجوم ولا أجد ما يبرره، فالوقت ده محتاج صيدة! قضية قرارات العلاج علي نفقة الدولة تصاعدت فجأة حتي طالتك واستخدمت للهجوم عليك.. ولم نجد منك ردا! - لم أتهرب من الرد علي هذا الهجوم، لكني أرفض التعليق علي ما يحدث سواء الهجوم علي قرار علاجي أو علاج الآخرين، والفترة المقبلة تشهد تركيزا علي الخدمات الصحية من خلال قانون التأمين الصحي الجديد، ومش لازم أقول.. ليه ده حصل؛ بس أنا عارف! بعيدا عن القضايا الاقتصادية والسياسية ما مساحة الدين في حياتك؟ - أنا مصري، وكلنا متدينون سواء مسلما أو مسيحيا ويجب أن يتعامل الجميع علي أساس ذلك، فالعمل يأتي لخدمة الوطن والعمل السياسي يجعل فكرة المواطنة تتعمق أكثر، بعيدا عن فكرة الدين الذي هو في الأساس علاقة بين الإنسان وربه. ولكن لا يتعامل الكثيرون من هذا المنطلق؟ - لا يمكن أن ننكر أن هناك بعض الناس متعصبون، لكن يجب أن ننحي ذلك جانبا، ليركز الجميع في عمله دون إقحام الدين في كل شيء. باعتبارك وزيرا قبطيا هل شعرت يوما أن البعض يتعامل بأسلوب مختلف؟ - أكرر أنا وزير مصري، والدولة لا تفرق بين أحد ولم أشعر أبدا بتفرقة. ما رد فعلك علي التهديدات بالاغتيال والاتهام بالخيانة من خلال الربط بينك وبين جدك الأكبر؟ - اللي عاوز يغتال يغتال، أنا وزير من 17 سنة، وعودت المجتمع علي الصراحة، أعتقد أن أي كلام حول الخيانة أو الاغتيال لا يمكن أن يوصف إلا بأنه مهاترات، وأنا لم أقم بشيء يدل علي أني لست مصريا.. فكل سياساتي تخدم الأهداف الاقتصادية الفعالة، وهي أساسها الصراحة. هل ترددت تلك الواقعة في العائلة؟ - لا تعليق علي ذلك، ويجب ألا ننظر إلي الوراء مادامت الأهداف تتحقق. غالي حفيد عائلة هي الأكبر من حيث المناصب التي تقلدتها، هل ساهم ذلك في استمرارك في الوزارة وتنقلك بين 4 وزارات حتي الآن؟ - أنا لست وزيرا بالواسطة، والفكرة دي عقيمة، فالكفاءة هي المعيار. وبم ترد علي تلك الأصوات؟ - وزير المالية بطبعه مكروه، فلا يوجد شخص ممكن يحب حد بياخد منه ضرائب وفلوس، وأنا مازال لدي كثير من الأمور في دماغي لن أكشف عنها حاليا! تتكلم عن الصراحة بينما الكثيرون يؤكدون أنك تلتف لكي تمرر القوانين والسياسات؟ - بالعكس أنا لا ألف ولا أدور، وإن كنا هناخد حاجة من حد هنقول، فأسهل طريق للوصول للهدف هو الصراحة. هل تري أن سياستك التي تتبعها نجحت في أن تجعل من غالي وزيرا ناجحا؟ - الإجابة عن ذلك السؤال ليست عندي، فمن الصعب أن يجزم أحد بنجاحه من عدمه، فالآخرون هم الذين يقيمون سياستي.. ولكن ما يمكن أن أقوله إنني راض عما قمت به، ولم أنته من أفكاري التي أري أنها قادرة علي تحويل مصر في غضون عشر سنوات إلي روما الشرق علي المستوي الاقتصادي وبدأنا الطريق بالفعل. ما مصير الضريبة العقارية التي أشعلت فتيل الأزمة؟ - الضريبة هتاخد وقت بطبيعتها ومش مرجح أن نطالب بها الناس بين يوم وليلة، والرئيس مبارك طلب إدخال تسهيلات وتعديلات في القانون، وإحنا بالفعل شغالين في تنفيذ طلبات السيد الرئيس، وعندما ننتهي منها سنبدأ في تنفيذها تدريجيا. ولكن البعض يشكك في نية الوزارة من فرض الضريبة الجديدة وأنها ستطول الفقراء؟ - غير وارد أن يدفع الفقير ضريبة عقارية لأنه مقر خصيصا ليؤخذ من الأغنياء الذين استفادوا من الخدمات لتوصيل خدمات مثيلة لكل المواطنين فنحتاج مليارات لاستكمال خطط مياه الشرب والصرف الصحي والطرق والتعليم والصحة ورفع مستويات المعيشة ولو كنا هناخد من الفقراء كنا هنقلهم، ولدينا رؤية عما نحتاجه في الفترة المقبلة، ونعلن عنه في حينه. هل تري أن الحكومة تحتاج تسويقا جيدا لقوانينها؟ - أنا صنايعي أعرف عيب الصنعة التي أمامي، والرضا عن أي حكومة لا يتحقق نتيجة الإصلاح في جانب واحد، وكثير من المسئولين لا يعرفون كيف يسوقون لما يقومون به، ورغم أن البعض يجيد ذلك إلا أن التشكيك موجود في أي شيء تعلنه الحكومة هو فكرة مسيطرة حاليا، ويجب أن يتم تغييرها خلال الفترة المقبلة، وأري أنه لا يوجد مبرر لتلك الشكوك فالنتائج ظهرت عندما تعرضنا لأزمات وخرجنا منها بشهادة الجميع، وسنسعي أن نصل إلي معدلات النمو السابقة علي الأزمة والارتفاع عنها من خلال السياسات الاقتصادية المتبعة حاليا وضبط الإنفاق العام والتركيز علي الخدمات الجماهيرية للوصول إلي محدود الدخل. ولكن محدود الدخل لم يزل بعيدا عن التمتع بثمار النمو! - علي العكس هناك 63 مليون مواطن يحصلون علي دعم من خلال البطاقات التموينية، ونحاول أكثر أن نسرسب أثر النمو للفئات الأكثر احتياجا، فليس معني أن كل الناس لم يشعروا بالتحسن أنه لا يوجد تحسن، لكن البعض وصل إليه والبعض الآخر مازال في الطريق. بالمناسبة ما هي آخر دراسات الدعم النقدي والعيني، هل هناك تفكير في إلغاء الدعم؟ - فكرة إلغاء الدعم غير مطروحة في الوقت الحالي لأنها ستؤثر سلبيا علي مستوي إنفاق الأسر، وهو أمر غير وارد. علام تعتمد السياسة الاقتصادية للحكومة خلال فترة الأزمة وما بعدها؟! - أهم محاور سياستنا في الأزمة هو الاستمرار في زيادة الإنفاق الاستثماري خاصة علي الخدمات، وهي أول اهتماماتنا في الفترة المقبلة، بالإضافة لإعادة توزيع الثروة للحد من الفقر، وهو ما تحققه الضريبة العقارية.. أن يدفع الأغنياء ثمن رفاهية الفقراء. عادة ما يصاحب الحديث عن الإنفاق حوارات حول التقشف والتقتير؟ - أنا ماشي بسياسة اطبخي يا جارية كلف يا سيدي، فالأزمة أثرت علي الإيرادات سواء الضريبية أو إيرادات قناة السويس والبترول، واضطررنا لرفع معدل العجز للحاق بتداعياتها قبل أن تؤثر في الدعامة القوية التي أثمرها برنامج الإصلاح الاقتصادي خلال السنوات الماضية، لكن الأمور بدأت تتحسن، ولازم نضبط الإنفاق علشان المركب تمشي ونحقق أهدافنا، ولذلك نركز علي فكرة الرقابة الشعبية علي الإنفاق واللامركزية.