المتواطئون مع التطرف هل تتواطأ (الحكومة) في مصر مع قوي التخلف التي باتت تسيطر علي الشارع المصري كله إلا قليلا؟ الواقع يقول إن الإجابة قد تكون نعم، رغم أن الإجابة قد تبدو صادمة وربما مجافية للمنطق السليم ولكن من قال إن المنطق السليم هو الذي يسود دائما؟ يمكن أن نتطرف أكثر مدفوعين بشواهد ومشاهد من الواقع ونتحدث عن صفقة أبرمت في وقت ما تترك بمقتضاها الدولة الشارع للمتطرفين مقابل ألا ينازعوها علي السلطة بشكل مباشر وأن يهتموا فقط بتغيير المجتمع ونشر أفكار التطرف علي الهادئ ومن أسفل، خطوة، خطوة، ودرجة درجة، وسلمة، سلمة، فيما يسمونه هم بطريقة التصفية والتربية، ويسميه باحثو الاجتماع السياسي الأسلمة من أسفل، هل انخدعت الدولة في وحش التطرف حين ألقي المدفع الذي كان يشهره في وجهها وقرر أن يواجهها بالميكروفون والسي دي وكاميرا القناة الفضائية؟ الواقع يقول إن مظاهر التزمت والتطرف وضياع الهوية الوطنية التي يشهدها الشارع المصري باتت نادرة وفاضحة ومن الصعب أن تجدها في أي مجتمع آخر بما فيها المجتمعات التي تحكمها أحزاب تعلن أنها تطبق الشريعة الإسلامية، الأمر توقف علي المظهر، لكنه تجاوز المظهر إلي الجوهر ولعل حوادث الفتنة الطائفية حاضرة وشاهدة. نستطيع أن نقول إن ثمة تواطؤا حكوميا رسميا مع قوي التطرف والتزمت وضيق الأفق..ولا تعني المواجهة الشرسة بين الدولة والجماعات الإرهابية المسلحة أو التصدي الأمني والقانوني لجماعة الإخوان المحظورة أنه ليس هناك أي تواطؤ، حيث تتصدي الدولة لمن يريد أن ينازعها الحكم في التو واللحظة لكنها لا تلتفت لمن يسيطر علي المجتمع بسياسة الخطوة خطوة، إن هذا النفوذ الإعلامي والمادي، والتنظيمي الهائل للتيارات السلفية في مصر يشي بأن هناك تواطؤا واضحا، ربما كان دافعه حسن النية، أو قصر النظر، أو ضعف العزيمة، أو التعامل بسياسة تأجيل مواجهة المشاكل وترحيل الملفات. وإذا سلمنا بأننا نتحدث عن مواجهة فكرية وثقافية واجتماعية في المقام الأول، فإن أول القوي التي يمكن أن نوجه لها أصابع الاتهام هي الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني التي تراخت عن أداء دورها لدرجة مخجلة، وتركت المجتمع فريسة لقوي التطرف والتخلف حتي وصلنا إلي ما تحت الصفر بقليل، إذا سلمنا بضعف أحزاب المعارضة وبصورية الغالبية العظمي من منظمات المجتمع المدني فإن الجزء الأكبر من اللوم يجب أن يوجه للحزب الوطني وهو حزب الأغلبية الذي يحكم فعليا، ونستطيع أن نقول إنه حزب بلا خطة مواجهة ثقافية ولا اجتماعية ولا مشروع ثقافي يبلور فيه مشروعا ثقافيا يحافظ علي ملامح الهوية المصرية التي تآكلت علي يد رسل الصحراء وأساطين الفقه البدوي، إذن ما فائدة أن يخصص الحزب كوتة لمقاعد المرأة في البرلمان وأن يسعي لتمكينها سياسيا، بينما هو يترك الشارع لمن يقنعون الملايين من المصريين والمصريات بأن وجه المرأة عورة، وأن صوتها عورة وأنها يجب أن تختفي خلف النقاب حفظا لها وصونا لمكانتها؟!، وما فائدة أن يسعي الحزب لإقرار مبدأ المواطنة في الدستور، بينما هناك مئات الآلاف ممن يخاطبون الناس يوميا عبر شاشات الفضائيات ومنابر المساجد وكاسيتات السيارات ويقولون لهم إن غير المسلمين يجب أن يدفعوا الجزية! وإن كنائسهم ومعابدهم يجب أن تهدم؟! وما فائدة أن يوجه الحزب الوطني كل جهوده وأنشطته وخططه لرفع معدلات النمو الاقتصادي، بينما المجتمع كله مهدد بالتشظي والتشرذم والمؤامرات علي الوحدة الوطنية تجد لها من عملاء أضعاف أضعاف عملاء الخارج، نستطيع أن نقول إن أي جهود لرفع معدلات النمو وجذب الاستثمار.. إلي آخر هذه الخطوات تصبح بدون مشروع نهضة وطني شامل ذي بعد ثقافي وحضاري مجرد قرارات لايفهمها المواطن، بل ربما يعتقد أنها ضده بأكثر مما يعتقد أنها تصب في مصلحته، نستطيع أن نقول مطمئنين إن الحزب الوطني يفضل التواطؤ مع قوي التطرف الناعم مادامت لا تنازعه ميدان السياسة حتي لو كانت تعتزل السياسة لأنها تري الديمقراطية والحزبية والبرلمان كفراً بواحاً وليس لأنها تزهد في السلطة أو في السيطرة علي المجتمع، الحزب الوطني حزب بلا خطة ثقافية ولا تصور حضاري يحافظ علي مقومات الشخصية المصرية ويفكر في مواجهة عوامل النحر التي تأكل فيها. حالة التواطؤ نفسها تشترك فيها النخبة بجميع فصائلها من مثقفين إلي صحف خاصة إلي برامج توك شو إلي إعلاميين وكتاب صحف وإن كانت درجة التواطؤ تختلف، فالبعض لا يجد حرجا - ربما بدافع الجهل - من مداهنة رموز التزمت نفاقا للمشاهدين وسعيا لكسب المزيد من الجماهير والتي تعني مزيدا من الإعلانات والتي تعني مزيدا من الأجر، والبعض يعتقد أيضا - عن جهل يحسد عليه أن مواجهة أفكار التطرف والتخلف تصب في مصلحة الدولة التي يعارضها أو يتظاهر بأنه يعارضها أو يفضل أن يبدو في صورة المستقل عنها وبالتالي فهو يعتبر أن المعركة مع التطرف هي معركة الدولة أو الحكومة وهي حرة فيها ولعل مما يساعد علي تبني هذه النظرة الجهل التام وعدم التفرقة بين التنظيمات والفرق المتأسلمة المختلفة وأيها يرغب في الاندماج في المجتمع وأيها يراه مجتمعا كافرا كله علي بعضه بحكومته ومعارضته ومستقليه! وهكذا تجد برامج وصحفا منهمكة في تغطية مشاكل حياتية ويومية مثل أزمة الأنابيب وقرارات العلاج وحوادث الطرق، ولكنها لاتشغل نفسها بقضايا مثل الانفجار الطائفي أو الوضع المهين الذي وصلت له المرأة المصرية أو غياب قيم الوطنية والانتماء لدي المصريين بفعل الخطاب الذي يقنعهم بأن الوطنية كفر وأن المواطنة بدعة، التواطؤ مشترك بين الجميع، والثمن سيدفعه الجميع.