بهجورة قرية الفنان جورج البهجوري التي لم تسلم من أحداث الفتنة الأخيرة واحترق فيها عدد من منازلها، فكان منطقياً أن يسيطر عليه الحزن والقلق.. فسألناه عن رأيه .. فرد رسما وكانت كلماته متحشرجة، وقال لنا: الشيء الوحيد الذي ندمت عليه أني لم أنجب بهجوري صغير لذلك أشعر بمرارة لا تطاق عندما أتصور أماً تترك ابنها يذهب ليصلي العيد ولا يعود .. إنها الفاجعة في أبشع صورها. ثم أمسك بقلم الرسم ورسم أبانوب الشاب الذي قتل في عيد الميلاد.. رسمه بجناحين كالملائكة وبعين تحنو عليه وقلب يخفق نحوه، ووضع دمعة علي خده، وقال بحزن: إنه ضحية يبكي نفسه، ضحية هذا العصر، عصر الجهل.. ورسمه أيضاً وهو بجوار أمه يقول لها كل سنة وأنت طيبة، وقبل أبانوب أمه قبل خروجه للصلاة في العيد، مشاعر بريئة ولكن تلك العباراة كفيلة بأن ترسم حياة تعيسة لأم طوال حياتها. وقال لنا: تربيت في بهجورة تلك التي اشتعلت فيها نار الفتنة وكنت فيها قبطياً بأذن مسلمة، وأحببت جداً الإسلام وخاصة الصوفية التي تميز بها المصريون في ذلك الوقت وأحسست فيها أن رب المسلمين هو رب كل الناس، وكنت أعشق صوت محمد رفعت لدرجة أن أجمل لوحة من وجهة نظري رسمتها كانت له في مجلة صباح الخير عام .1964 وكان بنفس القرية جدي سليدس البهجوري الذي اعتاد أن يرتدي الجبة والقفطان مثل الشيخ المسلم، وكان يجلس مع المسلمين.. لا يمكنك أن تفرق بينهما.. ولم تكن فكرة الدين تخطر علي عقل أحد، وكانت الناس جميلة.. تضحك وتبحث عن النكتة وتطول الأحاديث بينهم، ومن النادر أن يأتي حديث عن الدين، وإن حدث لا يكون هناك أي اختلاف أو تعصب. ويضيف البهجوري: إن هناك سحابة سوداء من الجهل عبرت سماء مصر منذ الثمانينيات ولم ترحل.. لم أكن أتصور أن أجد منقبة تتسول في الشارع في العاشرة مساء. البهجوري أمسك ريشته بجرأة ورسم نقاباً أسود ويداً تسأل دول كام واحد أو اثنين أو ثلاثة؟! وتساءل: لماذا نخشي السخرية من هذا النقاب أو الجهل، لماذا نخاف منهم إذا كانوا هم أصلا لا يرون من الجهل والظلام؟! لماذا نخاف من الأعمي؟! وقام برسم إمام مسجد وقسيس بالكنيسة بينهما حب متبادل عبارة عن قلوب مرسلة لبعضهما.. ولكن هناك أيادي بينهما تحجب تلك القلوب، وقال: هم بالفعل بينهم حب ومودة، ولكن هناك أيادي خفية تريد الفرقة والتآمر والهلوسة الدينية.. أيضا قد تؤدي إلي الانحراف أو إلي التطرف، وعندما سألته عن التطرف الديني قام برسم مسيحي متطرف يتحدث لمسلم متطرف يتباهي بزيادة عدد الجوامع عن الكنائس ويقول له: لكننا تعادلنا واحد واحد في المباراة بعد ظهور السيدة العذراء، فقد أصبح الدين في نظر هؤلاء مباراة غير شريفة. يقول البهجوري إنه زار بهجورة منذ 5 سنوات وحضر عيد الميلاد المجيد بنفس الكنيسة التي شهدت الأحداث الأخيرة، ولم يكن هناك نفس الجو واستقبله آنذاك في القرية شاب أزهري متسامح وجلسا كثيرا، بل ظل مقيما في منزل صديقه الصحفي المسلم بقرية فرشوط وأن صديقه حضر معه القداس، ولم يشعر بأي اختلاف أو تعصب، فكيف تبدل الحال في خمس سنوات؟! وأكد البهجوري أنه لابد من دولة علمانية ولابد أن يتعامل الناس علي أساس الدين ولكي يتم ذلك لابد للطفل في المدرسة أن يتربي علي أن الطفل القبطي أخ له ومصري مثله وأن الدين لله، فالمشكلة من وجهة نظره أن الناس أصبحت تقرأ أقل.. والذكاء ينخفض أيضا.. والفقر يزداد فتكون البيئة خصبة للتعصب.؟