قبل حوالي العام، ومع تصاعد المخاوف من تفشي أنفلونزا الخنازير بعد الظهور المفاجئ لهذا الوباء في المكسيك وإعلان عدد من الجهات الطبية عن دراسة آثار لقاح جديد لمواجهة هذا النوع من الأنفلونزا والذي تغير اسمه إلي H1N1، سألت الدكتور عياد أسعد عالم البيولوجيا المصري الذي يعمل في وكالة حماية البيئة ومكافحة الأوبئة الأمريكية قادما من معامل البنتاجون بعد أن أنجز أحدث اكتشافاته وهو المصل المعالج من تسمم الرايسيين، فأكد لي الدكتور عياد أنهم يعكفون حاليا علي اختبار المصل الجديد لأنفلونزا الخنازير لكنهم لم يتوصلوا للنتيجة النهائية بعد، وأنه يعمل في ذلك الوقت علي دراسة ملف هذا الموضوع ونصحني بالتريث قبل الإقدام علي أخذ هذا المصل وساعتها لم يكن متاحا للجميع. بالطبع اكتفيت وأسرتي بأخذ لقاح الأنفلونزا العادية، وانتظرت عدة شهور أخري وعاودت سؤاله فجاءني نفس الجواب، كان ذلك مع مطلع الخريف الماضي ومع الاستعداد لهجمة أخري لهذه الأنفلونزا الوبائية، واكتفيت أيضا مع عائلتي بمصل الأنفلونزا العادية، إلا أنه وقبل حوالي الشهر ونصف الشهر جاءت إجابة الدكتور عياد بأن مصل أنفلونزا H1N1، آمن وأنه بوسعي وأسرتي أخذه، ونصحني بالإسراع بأخذ المصل في أقرب فرصة، وهو ما فعلته علي الفور. فهمت أنه حين طلب مني التريث في بداية الأمر كان ذلك انتظارا لتجارب طويلة أجريت علي الحيوانات ثم علي البشر لاحقا، مع ملاحظة أن تجارب حقن المصل تمت في بلدان كثيرة قبيل السماح لأطفال أمريكا والحوامل ومرضي القلب، ثم لاحقا التعميم علي الجميع وهو التعميم الذي بدأته الولاياتالمتحدة بسرعة وبشكل مكثف قبل عدة أسابيع خشية هجوم الدورة الثانية من دورة الفيروس الذي من المتوقع أن يعاود الكرة في مهاجمة البشر وبشراسة بداية من شهر فبراير وحتي مطلع مارس المقبل. هنا يستطيع المواطن العادي أو أي شخص الحصول علي المصل حقنا ومجانا لدي مراكز طبية عامة، أو في مقابل 20 - 25 دولارا في صيدليات متاجر منتشرة في أنحاء الولاياتالمتحدة مثل(CVS) وول جرين وسلاسل محال البقالة، وحيث توجد صيدلية بها طبيب متخصص يقوم بمتابعة إجراءات أخذ اللقاح وحيث يتوجب علي كل شخص ملء استمارات بها معلومات دقيقة عن حالته الصحية وعمره، أيضا يستطيع كل من لديه تأمين صحي الذهاب إلي طبيبه وأخذ اللقاح مجانا وحيث تتكفل شركة التأمين بتغطية تكاليفه - علي غير العادة - أما طلاب وتلاميذ المدارس العامة فاللقاح يقدم لهم مجانا وفي مدارسهم. هذه الصورة المكثفة التأهب تحرزا من هذا الوباء لم تأت صدفة أو دون تخطيط ولكن تمت بمراجعة وأوامر من العلماء الذين رأوا أن قلق معاودة الفيروس الهجوم في نهاية الشتاء ومع مطلع الربيع يتجاوز المخاطرة بالاكتفاء بالنصح. وقد استوقفني - مثل كثيرين علي ما أعتقد - ما يتردد في مصر مؤخرا وتحديدا ما نشر في جريدة الأهرام حول مخاطر اللقاح المضاد لأنفلونزا الخنازير وكيف أنه يحتوي علي مواد تسبب الإصابة بالشلل وكذلك تقليل الخصوبة وصولا بمرض التوحد Autisim، وحولت التحقيق المنشور علي الدكتور عياد أسعد، الذي ما أن وصله حتي اتصل غاضبا ليؤكد كارثيته ومتسائلا عن تلك الحملة التي تحمل في طياتها حسب قوله جريمة وخطرا لا مثيل له علي المصريين، بل علي الأمن القومي المصري، وقال الدكتور عياد لافتا أنه لم يستطع النوم واتصل بأقاربه في مصر ليحثهم علي أخذ اللقاح. ما نشر ليس له أساس من الصحة، وعلي الجهات المعنية في مصر البحث عن الجهة المضللة التي تقف وراء مثل هذا الكلام الفارغ، والذين يستغلون نواحي ثقافية لدي المصريين مثل موضوع الضعف الجنسي وهو أمر حساس لدي المصريين لحشد الناس علي رفض التطعيم. سألت الدكتور عياد أن يفسر لنا و"علميا" تركيبة اللقاح الجديد فقال: اللقاح في تركيبته العامة والهيكلية مشابه لتركيبة لقاح الأنفلونزا العادية، ونظرا لأن أنفلونزا H1N1 هو عبارة عن فيروس متحور لدي الخنازير وتحديدا في الغشاء المخاطي للخنزير وناتج عن تحور كل من فيروس الأنفلونزا الآدمي وفيروس أنفونزا من الديك الرومي وفيروس الأنفلونزا لدي الخنزير نفسه وهي الأنواع الثلاثة من الأنفلونزا التي تكسرت بعد تجمعها في الغشاء المخاطي لدي الخنازير لتكون هذا الفيروس الشرس الجديد، وهنا أوضح مجددا أنه خيرا فعلت مصر عندما تخلصت مبكرا من الخنازير والتي تعد الرحم المنتج لولادة هذا النوع القاتل من الأنفلونزا وهذا النوع من تحور الفيروس يحدث مرة كل حوالي 240 محاولة تجمع لهذه الأنواع، فيخرج فيروس الخنازير المعروف باسم H1N1، لذا فإن المصل الجديد هو عبارة عن تجميع لهذه الفيروسات التي تتم صناعتها - كما في أنواع لقاحات الأنفلونزا الأخري، وتتم معالجتها ثم إضافة مادة حافظة لحماية المصل وفعاليته وذلك لأن المصل ولأسباب اقتصادية يتم إنتاجه في عبوات كبيرة، بحيث تحتوي كل عبوة علي العديد من الجرعات وبالتالي تكون عرضة لدخول إبر الحقن المعقمة (البلاستيكية) عدة مرات. لذا تتم معالجته بمادة حافظة وهي thimerosal وهي المادة الحافظة الوحيدة في اللقاح بنسبة أقل من 1 ميكروجرام يعني واحد علي المليون من الجرام وهي عبارة عن أحد أملاح الزئبق وتضاف لعبوة المصل كما أسلفت لحفظها بسبب الاستخدام المتكرر. أنوه هنا أن هذه النسبة تقل في عملية الإنتاج وبالتالي يقل إضافة إلي كونها نسبة متناهية تركيزها مرة أخري أي أقل من نسبة واحد علي المليون جم في كل جرعة. هذا النوع من أملاح الزئبق وبهذه النسبة لايذكر له أي أثر أما عن إصابة شخص بالشلل أو غيره من الأمراض الذي سبق ذكرها، فهذا غير وارد إلا في نسبة ضئيلة يضعها العلماء تحسبا ليس أكثر ولا أقل مثلها مثل أي مصل آخر لكل الأمراض، فالجسم البشري ليس مبرمجا ليكون متماثلا فهو كالبصمة لكل بني آدم ردود فعله الجسمانية المختلفة وعلي سبيل المثال لدي تقديم وجبة طعام عادية لعدد مختلف من البشر فنحن كعلماء نضع نفس الحسبة "لإصابة أحدهم" بشيء من جراء تناوله هذه الوجبة نتيجة أسباب متعلقة بجسم هذا الشخص نفسه لا أكثر ولا أقل، وهو ما نطلق عليه نظرية العشوائيات. فنفس التركيبة - والكلام مازال للد كتور عياد أسعد - الحيوية لأنفلونزا الخنازير هي نفسها التركيبة الحيوية لبقية الأنواع، حيث إن كل اللقاحات تتم إضافة المادة الحافظة إليها إلا إذا كانت جرعات فردية أي عبوة لكل جرعة وليس عبوة كبيرة لعدد كبير من الجرعات. في نهاية كلامه شدد الدكتور عياد علي ضرورة أن تتم توعية المصريين بأهمية أخذ اللقاح، وعدم تصديق حملات التهويل ضد المصل، ووظيفته لمنع الوباء وهو المصل الذي يحتوي علي المواد اللازمة لتشجيع الجهاز المناعي للإنسان وتأهله لمكافحة الفيروس. أما عن مرض التوحد وما نشر عن إصابة من يتلقي هذا اللقاح به، فهذا المرض يظهر لمن يتعرضون "للزئبق" لمدة طويلة، أو الأطفال الذين يأكلون دهان الحوائط "البوية". أنواع دهان الحوائط التي تحتوي علي الزئبق باتت محرمة في الولاياتالمتحدة. انتهي كلام الدكتور عياد الذي أصر علي أن أسجل غضبه الشديد ليس فقط من قبل "مروجي حملة تخويف المصريين من التطعيم ضد الفيروس الخطير"، ولكن أيضا من عدد من الباحثين المصريين والمفروض أنهم علميون تشدقوا بكلام لا يمت إلي العلم بصلة، وهو ما أصابه بحالة من الصدمة والخشية علي مستقبل التعليم، أو ما وصل إليه التعليم في مصر، لأن من يردد هذا الكلام من الصعب تصور كونه قد درس علوم ثانوي من أصله. أيضا عبر عالم آخر تحدثت معه عن خشيته من أن يتطور الأمر لدي حزب التخويف هذا إلي درجة استصدار فتوي بتحريم اللقاح؛ لأنه يحتوي علي جزئيات فيروس متحورة داخل خنزير.. ومن خفة الدم المعتادة لهذا العالم الذي رفض ذكر اسمه حتي يتم استصدار فتوي ضده، إلي الدكتور فؤاد علي عالم الهندسة الكيماوية الذي أكد تناوله للقاح قبل أسبوعين تحسبا لهجمة جديدة للفيروس في فبراير، وأضاف أنه أجري عملية قلب مفتوح قبل عامين أي كان ضمن قائمة أولوية أخذ اللقاح، قبل أن توفر الولاياتالمتحدة وبوفرة اللقاح للجميع وأن ابنه "11 عاما" أخذه أيضا. وقال الدكتور فؤاد علي: إن الخشية والقلق من تعاطي هذا اللقاح كانت في البداية لأن عجلة العلماء في إنتاج اللقاح وإجراء أبحاث غير كافية علي الأمان كانت السبب في انتشار مثل هذه الشائعات، ولكن بعد إجراء أبحاث الأمان والفعالية وتجربته علي ما يقرب من 50 ألف شخص، تم تعميمه. يضيف "بأنه لا يوجد شيء اسمه تطعيم أو لقاح آمن لأنه لا يوجد أشخاص متماثلون في تركيبتهم الجسمانية، ودائما هناك حوادث متوقعة حتي لو تم حقن البني آدم بالفيتامين. وأن الأمر في النهاية يخضع لمعادلة "موازنة الخطر" حتي مع النسبة الضعيفة من المادة الحافظة "أملاح الزئبق" وهي مادة مصنعة أصلا، فحينها يجب أن نسأل أنفسنا هل الخوف من خطر إصابة واحدة من مليون في نسبة مخاطرة اعتيادية يتعرض لها حتي الماشي في الشارع، أهم أو أفضل من المخاطرة بإصابة الملايين من البشر، بل وإبادتهم بواسطة وباء أو فيروس! ويضيف د.فؤاد أن علي المصريين أن ينتبهوا للأهم وهو المحافظة علي أرواح الملايين من المصريين الذين يشكلون ثروة مصر الحقيقية، أي الثروة البشرية، لاسيما أن انتشار الأنفلونزا يأتي علي موجتين؛ الموجة الأولي في أواخر سبتمبر - أوائل أكتوبر، والأخري في نهاية فبراير - أوائل مارس، والثانية تكون عادة أشد وطأة، حيث يكون الفيروس قد تمرس وقويت شوكته. انتهت كلمات وتحذيرات وغضب هؤلاء العلماء ولكن تبقي ضروريات التحرك بسرعة وبقوة، في إطار حملة توعية قبل الهجمة الثانية للفيروس والذي لايعرف أحد بعد كيف ستكون قوته وهل سيكمن الفيروس أم سيعود بشكل أشرس مما كان، بقي أن نقول أن المادة الأخري التي يهاجمها معارض اللقاح هي عبارة عن زيت كبد الحوت squalene، وبالمناسبة فإن دعاة حقوق الحيوان سارعوا حتي في الولاياتالمتحدة بانتقاد تكثيف حملات صيد لأسماك القرش بغرض الحصول علي هذه المادة لاستخدامها في إنتاج لقاح أنفلونزا الخنازير، يكفي أن نعرف أن زعانف سمك القرش تستخدم أيضا لكسب مناعات ضد السرطان.