المؤكد أن أكثر شخصية معرضة للإطاحة بها خلال الساعات القليلة القادمة هو اللواء أحمد أنيس وزير الإعلام.. كلما دعت الضرورة لإجراء تعديل وزارى يفكرون على الفور فى تغيير الواجهة فى الإعلام ولكنهم يحتفظون بنفس اللون «الكاكى» سواء أكان عسكريا يحمل رتبة لواء أم مدنيا يحمل رتبة الولاء للعسكرى. تغيير وزير الإعلام كان إحدى الأوراق التى سيلعب بها المجلس العسكرى قبل مذبحة بورسعيد لامتصاص الغضب، الآن أصبح الأمر أكثر إلحاحا، حيث ازداد إيقاع الصوت الذى يطالب بتطهير الإعلام سوف تتم التضحية بمن يعتلى الكرسى ولكن لا أتصور أن الممارسات السابقة التى استخدمها المجلس العسكرى صالحة الآن وهكذا جاءت البداية مع اللواء «طارق المهدى» مسئولا لعدة أسابيع فى أعقاب الثورة، ثم ضحوا به استجابة لمن يعترض على تلوين الإعلام باللون الكاكى وجاءوا بأستاذ فى كلية الإعلام «سامى الشريف» بعد أن أثبت لهم أنه كاكى ونص وكالعادة ازدادت مساحات الغضب فأبعدوه وعاد اللواء «طارق المهدى»، وأبعدوه لأنهم أرادوا أن يثبتوا أن الإعلام ليس كاكى وجاءوا بمن هو خارج المؤسسة العسكرية الزميل «أسامة هيكل» إلا أنه أثبت لهم أيضاً أنه كاكى ونص، وتكرر نفس الموقف، احتجاج ثم إقالة ثم تعيين لكاكى برتبة لواء سابق «أحمد أنيس» الذى كانت المؤسسة العسكرية قد أرسلته للإعلام قبل سبع سنوات واحتل وقتها موقع رئيس اتحاد وكأنه ورقة يتم تصعيدها فى الوقت المناسب لاحتلال الموقع!! لماذا اللجوء إلى ضابط لإدارة ماسبيرو مع كل التقدير بالطبع لرجال القوات المسلحة إلا أن العمل الإعلامى يحتاج إلى رؤية أخرى وتفاصيل العمل فى الإذاعة والتليفزيون تستند إلى خبرة ومهنية لمواجهة المشكلات التى تكبل انطلاق الإعلام، ولكننا ورثنا - مع الأسف - مبدأ الاستعانة بالضباط للضبط والربط وعلى مدى ستين عاما لايزال الأمر كما هو لم يتغير. صباح يوم إعلان ثورة 23 يوليو 1952 كانت الإذاعة المصرية هى الهدف، وهكذا ذهب المقدم أنور السادات إلى مبنى الإذاعة المصرية فى الصباح الباكر وألقى البيان الأول للثورة، وبعد أسابيع قلائل تم إسناد منصب رئيس أركان الإذاعة إلى أحد رجال الصف الثانى فى الثورة وهو المقدم «عبد المنعم السباعى» ولم يتم اختياره عشوائياً، ولكن كان «السباعى» يكتب الشعر وله العديد من الأغنيات الشهيرة مثل «أروح لمين» التى غنتها «أم كلثوم» و«أنا والعذاب وهواك» غناء «عبد الوهاب» و«بياع الهوى راح فين» لعبد المطلب وغيرها من الأغنيات، وهكذا فإن تنظيم الضباط الأحرار أسند له منصبا فنيا استنادا إلى ولائه العسكرى وأيضا لهوايته فى كتابة الشعر! وبالطبع مع الزمن لم يعد يحكم المبنى عسكريون، ولكن مدنيين إلا أن ولاءهم دائماً للسلطة وليس للمهنية، ولهذا صار تعبير القوائم السوداء أحد القرارات الملتصقة بالإعلام طوال تاريخه وامتدت من إعلام الدولة إلى القطاع الخاص أيضاً الذى لم يحصل أبدا على حريته المزعومة .. دائما كان ولايزال للسلطة الحاكمة رأيها فى الرسالة الإعلامية. لماذا يصر المجلس الأعلى حتى الآن بعد الثورة على أن يشرف على «ماسبيرو» ضابط وليس إعلاميا متمرسا؟.. إنها نظرية أهل الثقة وأهل الخبرة وهم أقصد المجلس العسكرى لا يأمنون أحدا سوى الرجل العسكرى .. بالتأكيد هناك حالة من الفساد سادت ماسبيرو خلال الستين عاما الأخيرة، ورغم ذلك بين الحين والآخر كان يبرق أيضا نجم، لكنه لايستطيع أن يتواءم مع القيود ويغادر للقطاع الخاص أو لدولة عربية أو يتم تدجينه أو إقصاؤه، وهكذا شاهدنا الإعلام المصرى فى حالة عجز عن ضبط الإيقاع.. إلا أن الزمن تغير وأظن وأرجو ألا يخيب ظنى أنه لن يعتلى هذه المرة كرسى وزير الإعلام القادم رجل برتبة لواء كاكى أو ولاء كاكى!