تعيين اللواء أحمد أنيس وزيرا للإعلام هو أسوأ اختيار كان من الممكن أن يجبر عليه رئيس الوزراء.. المؤكد أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة كانت لديه اختيارات أخرى تتفاوت فى درجة السوء، لأن المطلوب أولا الولاء للجيش، ورغم ذلك فإن هناك من المرشحين من كانوا يتمتعون مثله بالولاء لصاحب القرار الأول والأخير فى حكم البلاد، إلا أنهم بالتأكيد لم يتورطوا مثله فى أثناء رئاسته لاتحاد الإذاعة والتليفزيون فى واقعة التستر على تزوير نتائج مهرجان القاهرة للإذاعة والتليفزيون فى دورته التى تحمل رقم 13 (عقدت فى عام 2007)، ما سأرويه شهوده جميعا أحياء، ولهذا فأنا أتحدى أن يتورط الوزير بإرسال تكذيب لتلك الواقعة. كانت لجنة تحكيم الدراما فى المهرجان، التى كان يرأسها الكاتب الكبير محفوظ عبد الرحمن قد انتهت من اختيار الفائزين بالجوائز، وقعت اللجنة قرارها فى الصباح على النحو التالى: أفضل ممثل تيم حسن عن مسلسل «الملك فاروق»، وحصل يحيى الفخرانى على الجائزة الفضية عن مسلسل «يتربى فى عزو»، بينما جائزة أفضل ممثلة كانت من نصيب كريمة مختار عن دورها ماما نونة فى المسلسل نفسه، ويسرا حصلت على الفضية عن دورها فى «أحلام عادية»، أما النتائج المعلنة فى المساء، التى صورتها الفضائيات وتصدرتها صورة اللواء بابتسامته التى تنافس الموناليزا فى غموضها، فلقد قرروا فيها أن يتم منح الذهبية رجال مناصفة بين الفخرانى وتيم، والذهبية نساء مناصفة بين يسرا وكريمة مختار، ولم يدرك أنيس أنه يرتكب جريمتين الأولى التزوير، والثانية هى اختراق لائحة المهرجان، التى وضعها باعتباره رئيسا للمهرجان، التى كانت فى تلك الدورة تمنع المناصفة فى الجوائز. تستر اللواء على التزوير لا أستطيع أن أجزم بأنه هو الذى قرر أم أن وزير الإعلام فى تلك السنوات أنس الفقى هو الذى طلب منه ذلك، إلا أننا فى كل الأحوال لا نجد أمامنا سوى مدان واحد هو أنيس، فهو بحكم رئاسته للمهرجان يتحمل النتائج، لأنه نفذ أوامر رئيسه.. لم يكتف أحمد أنيس بهذا القدر، بل دافع عن الجوائز المزورة فى كل أجهزة الإعلام المتاحة أمامه، ولم يدرك أن هذه الجريمة كان شاهدا عليها ورافضا وفاضحا لها كاتبنا الكبير محفوظ عبد الرحمن، الذى امتنع منذ ذلك الحين عن المشاركة فى لجان التحكيم، بينما ما فعله أحمد أنيس هو أنه طوال عامين تاليين من رئاسته للمهرجان منع كل الأعضاء، الذين فضحوا التزوير من المشاركة مجددا فى أعمال تلك اللجان.. قد يراها البعض واقعة صغيرة، وتحدث فى أحسن المهرجانات المصرية، لأن المجاملات والتربيطات هى دائما سيدة الموقف، إلا أن ما دفعنى إلى تذكرها هو أنها تكشف لنا السر الحقيقى وراء اختيار شخصية وزير الإعلام القادم، الذى لا يملك سوى سلاحين هما: الخضوع المطلق لرؤسائه، وابتسامته تلك الغاضبة والمتوعدة. هل بعد ذلك يعتقد المجلس الأعلى للقوات المسلحة أنه حقق مكاسب تصب لصالحه.. الحقيقة هى أنه فقد آخر فرصة تحفظ للإعلام المصرى ماء وجهه، وهوانه على كل الفضائيات الخاصة والعربية. أهل الثقة هم الآن الذين تتم الاستعانة بهم فى المواقع القيادية، إلا أن السؤال: لماذا يقع الاختيار على من هو ملوث بواقعة تزوير متكاملة الأركان؟ لا أحد من الممكن أن يستمر فى موقعه القيادى بالإعلام دون إعلان الولاء المطلق للسلطة، منذ عهد عبد الناصر والحكم العسكرى يسيطر على تلك المساحة، اقتحم المقدم أنور السادات مبنى الإذاعة قبل افتتاح التليفزيون بزيه الكاكى فجر يوم 23 يوليو عام 52 لإذاعة البيان الأول للثورة، ومنذ ذلك الحين تبدلت أسماء القيادات الإعلامية، وبعضها لم يكن يرتدى الكاكى، ولكن كان الأهم هو الولاء للكاكى.. سوف تخسر مصر مع الأسف صوت إعلام الدولة، لأنه سيصبح صوتا للنظام العسكرى، والتغطية التى كنا نتهمها فى أثناء تولى أسامة هيكل بالانحياز إلى المجلس العسكرى ستكشف لنا الأيام أن نار هيكل أرحم من جنة أنيس. سيعود بنا إعلام أنيس عشرات من الخطوات للخلف دُر، ليصبح إعلاما علينا، وليس إعلاما لنا، يتحول فيه صوت إعلام النظام إلى سوط يرهب به المعارضين للنظام.