هل من الممكن أن نتصور أن وزير إعلام تم تعيينه من قِبل المجلس الأعلى للقوات المسلحة لا يصبح بوقا للمجلس؟ التجربة أثبتت دائما أن القيادات فى كل مجال يزايدون فى الخضوع لمن بيده القرار.. من يعتلِ الكرسى لا يتصور نفسه فى لحظة منزوع الكرسى.. الأمر ليس متعلقا فقط بشخص أسامة هيكل ولكن بفكرة الولاء، وتستطيع أن تجد داخل منظومة البلد تنويعات لهذا الخضوع، وبالطبع الحياة الإعلامية والشاشة تفضح كل ذلك. التعليمات المكلف بها أسامة هيكل تقضى بعودة الشاشة الرسمية إلى البيت المصرى بعد أن صارت مصداقيتها مثل عود الكبريت تشتعل مرة واحدة، وهكذا باءت كل محاولات وزير الإعلام بالإخفاق ولهذا انتقل إلى الخطة رقم 2 وهى خنق الإعلام المصرى الخاص بنشر حالة من الذعر تصيب الفضائيات بعد اقتحام قناتى «25 يناير» و«الحرة» وقبلها إغلاق «الجزيرة مباشر»، والأمر لا يمكن أن يتوقف عند هذا الحد، فسوف تتواصل القبضة الحديدية أكثر وأكثر.. وزير الإعلام هو رأس الحربة والمجلس العسكرى منذ 25 يناير يسعى للسيطرة على الإعلام، ولهذا مثلا لو تأملت الذى حدث بعد الثورة ستكتشف أن آخر من غادر موقعه القيادى فى الإعلام هو عبد اللطيف المناوى رئيس قطاع الأخبار، المجلس تمسك به لأن ولاءه كان للجيش وذلك فى تلك اللحظات الحرجة التى سبقت تنحى مبارك، فى عز الصراع بين بيت الرئيس والمجلس الأعلى كان عبد اللطيف قد راهن على أن الكفة الراجحة هى كفة المجلس الأعلى بينما أنس الفقى ظل على موقفه مع بيت مبارك. أراد المجلس الحفاظ على عبد اللطيف وغضوا الطرف عن أنه المتهم رقم 2 بتضليل الرأى العام على اعتبار أن أنس هو المتهم رقم 1.. كان ولاء عبد اللطيف للمجلس هو ما يعنيهم ولكن غضب الرأى العامّ كان أقوى ولهذا أرسلوا إلى الإعلام الرجل العسكرى اللواء طارق المهدى، والرجل ليس له علاقة بالإعلام، إنه فقط لا يعرف إلا الولاء، وطريقة المهدى فى الإعلام تشبه بائعى الطماطم، المذيعون والفنانون بالنسبة إليه مجرد حبات طماطم يفاضل بين واحدة وأخرى ويحصل على الأرخص، شعاره هو «ليه تدفع أكثر لما ممكن تدفع أقل؟»، وكان يردد «جحا أولى بلحم طوره»، فتم إلغاء كل التعاقدات مع أى مذيع من خارج المبنى أو أى فنان عربى سواء أكان ممثلا أو مخرجا.. لاقت هذه القرارات التى تخاصم الفكر الإعلامى والسياسى ترحيبا حارا من العاملين فى ماسبيرو، الكل كان يهلل مبتهجا ثم كان لا بد من إقصاء المهدى حتى لا يبدو أن ماسبيرو يرتدى من الخارج «الكاكى»، وتم البحث عن حاكم مدنى بداخله «كاكى»، ووقع اختيارهم على أستاذ فى كلية الإعلام، سامى الشريف، ولم يفعل شيئا سوى أنه كان حريصا على أن يثبت للمجلس العسكرى أنه «كاكى ونص»، وجاؤوا فى المحطة الأخيرة بأسامة هيكل ووجد فيه المجلس العسكرى حالة صارخة من الكاكى لأن عقيدته هى تنفيذ الأوامر، وفى نفس الوقت لا يملك خيالا.. الخيال هو العدو اللدود للمجلس الأعلى لأنه يحرض على اختيار طريق آخر غير تنفيذ الأمر المباشر. أرجو أن تترك جانبا حكاية إغلاق القنوات وترويع قنوات أخرى، وادخل إلى عقل أسامة سوف تجده يفتقر إلى أى ملامح إبداع، عندما شرع فى إنعاش الأغنية الوطنية لجأ إلى الإذاعى القدير وجدى الحكيم، وليس لى اعتراض على عطاء وفكر وجدى، ولكن الرجل لا يزال يقف عاطفيا وفكريا عند محطة عبد الحليم حافظ، ولهذا لم يستطع الاستعانة إلا بمطربين ممن كانوا قريبين من تلك المرحلة الزمنية مثل عفاف راضى ونادية مصطفى، ورغم أننى ضد إقصاء الأجيال فإن العصر له أيضا نبضه، لم يقدم وجدى مزجا بين القديم والحديث، أتصور مثلا أن يأخذ من الجيل الذى أطلقنا عليه «الفن الجميل» عنوانه، مثل وردة، وبعد ذلك يتطلع إلى الأصوات التى انطلقت مع الثورة مثل حمزة نمرة وعزيز الشافعى، ولكن الموظف المربوط على درجة «وزير كاكى» رأسماله الخضوع المطلق، ولهذا بدلا من أن ينقذ وجه مصر، كاد يُغرِق مصر!