لما مر العيد الأول للثورة دون جديد يذكر علي صعيد الأمنيات الجماهيرية، والتطلعات الشعبية لتصحيح المسار وتحقيق عدالة اجتماعية وتحسين أوضاع معيشية.. أجل الكثيرون أحلامهم إلي يناير 2013 مجرد مهلة زمنية لإنجاز الوعود والأحلام قبل أن تنشط فيهم الغدة الثورية مجددا وتبدأ في إفراز هرمونات السخط الشعبي علي الأوضاع، بعد أن عمد البعض إلي تزيين المستقبل لهم بنظارة وردية.. إلا أن قراءة مستقبل الأوطان تحتاج عدسة مكبرة تتعامل مع الأرقام والحقائق علي الأرض حتي لو كانت النظارة سوداء! وقتها من المفترض أن يكون مر عام كامل علي برلمان تغلب عليه السيطرة الإخوانية، وأن رئيسا قد انتخب وأن دستورا قد وضع، وأن حكومة قد تشكلت واستقرت.. وبين اللحظة الراهنة وصولا للحظة الحاسمة سوف تجري مياه كثيرة تحت جسور الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية في مصر تعيد تشكيل ملامح الوطن، وتترك عليه ندبات وعلامات قد لا تفلح معها أي محاولات تغيير إلا بثورة ثانية! أجواء 2012 ملبدة بالغيوم علي كل الأصعدة، خصوصا أن الشعب تم شحنه بجرعات زائدة من الآمال والأحلام.. فأصبحت لدي الجماهير طموحات بلا سقف، أما الواقع فهو سقف بلا طموحات! ∎ سياسيا لا يخفي علي أي متابع السيطرة الإخوانية، واللهجة الاستعلائية التي يتعاملون بها، وإن جاءت خطاباتهم مرحبة بمشاركة باقي القوي الليبرالية معها في إدارة شئون البلاد.. فهي مجرد مكرمة منهم لا ترقي إلي مرتبة القناعة بمشاركة الأحزاب السياسية معهم في الحكم إلا لرفع أي اتهامات توجه لهم بالانفراد بالقرار في البلاد وأيضا كتكتيك سياسي لتوريط الجميع معهم إذا فشلوا.. حيث يستعدون من اللحظة إلي تشكيل حكومة ائتلافية تكون لهم فيها السيطرة الكبري علي أركان الدولة الحيوية، وهو ما سوف يفجر صراعات عنيفة داخل مجلس الوزراء أو البرلمان، إضافة إلي صدامات متوقعة تخص تشكيل لجنة إعداد الدستور، وأخري حول هوية نظام الدولة، وصلاحيات رئيس الجمهورية، ووضع الجيش في الدستور الجديد، وكلها قنابل موقوتة قابلة للانفجار في وجه الجميع وتستهلك الكثير من الوقت والجهد وتستنزف الطاقات! الجيل الحالي من قيادات الجماعة - مازالت محظورة - يقف علي بوابة التاريخ.. لن يسمح للفرصة أن تتسرب من يديه.. بدأ في تنظيم صفوفه وتنفيذ مخططه وكل القوي تسير في الركاب بلا صوت.. سواء في شكل الجمهورية القادمة التي أعلنوا أنها سوف تتبع النظام السياسي المختلط الذي يجمع بين سلطات رئيس الدولة وسلطات البرلمان، وإن كانوا سيسعون جديا لتقليص صلاحيات الرئيس إلي أقصي مدي ممكن، فهو في نظرهم يسود وقد يحكم! السؤال الأهم الذي قد يغير من طبيعة التوقعات هو رغبة الإخوان في وجود رئيس بصلاحيات متوازنة يشاركهم الهم السياسي والاقتصادي المتردي لدرجة الانهيار أم يغامرون بمستقبلهم وحاضرهم ويتحملون «البلوة» وحدهم؟! ∎ اقتصاديا تفقد الدولة جزءا كبيرا من طاقتها في تصفية الحسابات بين القوي السياسية قديمها وحديثها، تحريرها وفلولها، النظام الجديد والبائد، وفات الجميع أن الشعوب لا تأكل عدالة أو ديمقراطية، لا تطيق صبرا علي أزمتها الاقتصادية وظروفها المعيشية.. وأن لغة الأرقام لا تعترف بما يروجه البعض لمقولة «تفاءلوا بالخير تجدوه».. فهي تقف عند حدود الأمنيات والاتكال والتغييب خصوصا أن الحكومة القادمة مرشحة أن تكون إخوانية وأن تتولي ملفات الاقتصاد المنهار أصلا. تكلفة الحرية السياسية التي طلبها الشعب، ومن أجلها أسقط نظاما بائدا، وأتي بآخر علي النقيض وصلت فاتورتها حسب التقديرات داخليا وخارجيا إلي ما قد يزيد علي 150 مليار دولار عجزا في الموازنة، وفي السنة نفسها ارتفع الدين المحلي من 888 مليار جنيه ليصل إلي تريليون و172 مليار جنيه ليتجاوز الحدود الآمنة، إضافة إلي تآكل الاحتياطي النقدي من 38 مليار دولار إلي ما يقل عن 20 مليار دولار ذهبت أغلبها في تثبيت سعر الصرف للجنيه المصري أمام العملات الأجنبية والمتوقع انهيار قدرته الشرائية بعد أشهر قليلة! لاشك أن الإخوان متميزون في برامج الاقتصاد الاجتماعي وأفكار وسياسات العدالة الاجتماعية، فهم متخصصون فيما يسمي Micro ecomocim ووضع سياسات قصيرة الأجل التي قد تؤجل وتمتص غضبة الشعب في 2012 وحتي ,2013 لكنهم أفشل ما يكونون فيما يسمي Mocro economic أو اقتصاد الدولة الشامل وهو بيت القصيد الذي علي أساسه توضع الاستراتيجيات وتحسين الأحوال المعيشية، وهو ما قد يكون معه عيد الثورة الثاني بداية تحرك شعبي ضد الوضع الاقتصادي المتأزم والمتوقع اشتداد تأزمه مع عدم رغبة الغرب في تقديم مساعدات اقتصادية لنظام الدولة المصرية عندما يتولي قيادتها الإخوان وهو ما ينذر بثورة أعنف يقودها الجياع! ∎ اجتماعيا الواضح جليا أن مصر علي أعتاب ردة اجتماعية، وتغلغل الأفكار المتطرفة، وأن الهوية المصرية الوسطية علي المحك، وأن مدا دينيا في طريقه إلي الانتشار، وأن يضرب الوطن من أقصاه إلي أقصاه، وأن يعاني المجتمع من انقسامات حادة علي أسس أيديولوجية أو طائفية قد تعصف بوحدته! حتي الأفكار الليبرالية وحقوق المرأة والمواطنة والحريات قد تتراجع تحت وطأة التيارات المتطرفة، ولا يستبعد أن تجد لها أرضا خصبة ووهنا في مواجهتها! جماعة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» قد تصبح الفكرة واقعا وأن تغدو إلي أبعد من ذلك إلي ميليشيا مسلحة لتطبيق شرع الله - من وجهة نظرهم - بالقوة والعنف ومطاردة الأفكار والحريات الشخصية والتضييق علي الناس عيشتهم! صراعات تشتعل بين القوي التنويرية والمتطرفة، ومعارك فكرية متأججة، ويصبح وقتها ارتداء النقاب هو الأمر العادي وغير ذلك هو الاستثناء.. ولا يستبعد إثارة النعرات الطائفية والقومية يقابله انفلات إعلامي قد يسحقه الإخوان! خلاصة القول أن عيد الثورة الثاني قد يفقد بريقه وزهوته، وربما تصبح مناسبة للتباكي علي الأوضاع القائمة حينها، والأحلام التي تبخرت، والحريات التي أزهقت، والموارد التي استنزفت والأوقات التي أهدرت، في سبيل الانتقال من السيئ قبل 25 يناير 2011 إلي الأسوأ في 25 يناير 2013 وبين هذا وذاك لابد أن يوجد بصيص أمل في كيان قد يتشكل علي أسس مدنية وليبرالية ووسطية سليمة ومتوازنة وأن يمتلك رؤية اقتصادية شاملة وعلاقات خارجية قوية تجعل الغرب يفك خزانته لمصر ويواجه الإخوان والتيارات المتطرفة علي قدم المساواة، وأن يصبح ندا لها ويقود الحركة التنويرية في مواجهة الظلام الدامس قبل أن نسير جميعا ونحن نرتدي نفس النظارة السوداء!