هذا الرجل مازال يثير «الدهشة» ويحض على الأسئلة، ف «خيرى شلبى» الذى عاش نصف عمره سائرا حائرا بين المقابر يحادث الموتى والأشباح والجن يموت الآن، حيث تقضى روحه ما تبقى لها حتى قيام الساعة فى نفس المكان الذى عاش فيه «خيرى» حيا وميتا. هذا الذى اعتاد الموت والموتى وتخير مكانه جيدا فلا خوف ولا رهبة من الصمت والشواهد والأرواح وعصف الريح ببقايا العظام النخرة وأوراق الشجر.. ونزق الأشباح فى الليالى الحالكة. خيرى شلبى مازال يثير الدهشة ويحض على الأسئلة.. فهذا الذى قضى نصف عمره يرسم الوجوه بالكلمات وكأنه جمال كامل وعبدالعال.. هو لم يرسم الوجه المنحوت فى صخور جبال الروائيين العرب.. فخيرى الأديب والصحفى الرائع ترك آخر بورتريه لنا.. فمن يستطيع مثله أن ينحت بالكلمات هذا الوجه المصرى العربى الصميم؟ فقط سوف تصبح ناجحا لو استطعت رسم ابتسامته المدهشة فى لحظة تفاجئه فيها بما لا يعتقد. فى كتابه الرائع «فى صحبة العشاق» رواد الكلمة والنغم أحب خيرى أن يكتب أو يرسم بحبر حروفه صفحات عن أم كلثوم وعبدالوهاب وسيد درويش وتوفيق الحكيم ويوسف وهبى وفكرى أباظة وأمين الخولى والكابتن لطيف ومحمود حسن إسماعيل ورياض السنباطى وزكريا الحجاوى وسيد مكاوى وفؤاد حداد. سوف تسأل نفسك ذات السؤال: هل ذهب خيرى شلبى ليموت فى صحبة العشاق؟ أصحاب الدنيا هم أصحاب الآخرة؟! ابتدأ الراحل الحى «خيرى شلبى» كتابه «صحبة العشاق» بسيد درويش ووضع عنوانا للفصل الأول ب «عبقرية سيد درويش.. ثورة الوجدان ووجدان الثورة» وابتدأ خيرى الفصل بهذه الفقرة: «يزداد إيمانى بعبقرية فنان الشعب سيد درويش عاما بعد عام سواء استماعى لأحد ألحانه أو بدون استماع، فما ترسب فى النفس منه يكفى لأن يظل المرء يتأمله ويمعن فى تأمله ودراسته ما بقى له من عمر.. ويضع يديه على مزيد من القيم والمعايير والذرى العالية التى توصل إليها ذلك العبقرى الشاب فى بحر سنوات قليلة انطفأ سراج عمره بعدها مباشرة ليبقى اللهب من بعده مشتعلا يبعث النور والدفء فى أفئدة القوم إلى ما لا نهاية»! خيرى شلبى الذى كتب عن ثورة سيد درويش نستطيع نحن أن نكتب عن ثورة يناير التى عاشها خيرى ولم يلحق بها سيد درويش.. خيرى الذى أسعده زمانه برؤية الثوار فى التحرير وحول سفارة العدو الصهيونى رجالا عظاما ينزلون العلم المدنس ويهدمون جدارا كان قد تم بناؤه لحمايتهم! وخيرى الرائع الذى كان سعيدا فى صحبة العشاق أصحابه نحن أيضا سعيدون جدا لأننا كنا ومازلنا فى صحبة خيرى شلبى.