جاءت شهادات الشهود في قضية قتل المتظاهرين المتهم فيها الرئيس المخلوع حسني مبارك ونجلاه جمال وعلاء ووزير داخليته حبيب العادلي و6 من مساعديه لتطرح العديد من علامات الاستفهام .. أولها: هل نحن أمة بلا ذاكرة إلي هذه الدرجة؟ .. وهل جهاز أمني بكل هذه القوة والوحشية بلا ذاكرة ولا تفاصيل؟ .. وهل الجهاز الذي اخترق أدق خصوصيات المصريين وحولها لملفات لديه «ورقية وإلكترونية» لاستخدامها وقت الحاجة جهاز بلا ذاكرة وبلا أوراق تثبت تحركاته وتحركات أفراده ولو من باب معاقبة الناشز منهم ومن يصحو ضميره ؟ ... وهل الجهاز الذي رصد تحركات حتي الرئيس المخلوع لم تكن لديه أوراق لرصد وتدوين تحركات أفراده ولو من باب الثواب والعقاب حتي نتوه في غابة من تضارب الأقوال؟ .. وهل نظام بكل هذا القدر من الاستبداد كان غافلا عن صنع قوانين ومستندات ولو حتي بمنطق استخدامها لردع من يوجعه ضميره أو يحاول تهديد أمنه من أفراده؟.. وهل من سبيل لحل هذا التناقض في شهادات الشهود خاصة بعد تغيير عدد كبير منهم لشهاداتهم أمام المحكمة إما خوفا أو طمعا أو حتي صحوة ضمير؟ ... وهل بقي الطريق الوحيد للتعامل مع جهاز بكل هذا البطش والقوة هو اللجوء لأقوال ثبت بالعقل والمنطق والممارسة ورؤية العين ودماء الشهداء والمصابين كذبها وكذب من يحمونها ؟ تقول أوراق الوزارة وشهادات شهود من داخلها ونصوص القانون أننا لم نكن بحاجة لكل هذا التضارب في أقوال الشهود.. وأن كل شيء في الوزارة وله ورقة.. وأن النيابة كان بإمكانها حسم القضية من واقع أوراق الوزارة نفسها.. وأن كل القضايا الخلافية من إيقاف الضباط حتي وجود القناصة وانتهاء بتسليح القوات تحسمها أوراق الوزارة. فتش عن أوامر العمليات - هكذا بادرني مصدر أمني طلب عدم ذكر اسمه - في رده علي سؤال عن التضارب في أقوال الشهود وهل يمكن الوقوف علي حقيقة أقوال شهود الإثبات الذين تحولوا بقدرة قادر لشهود نفي وكيف نستطيع حسم ما إذا كانت القوات التي نزلت للتحرير كانت مسلحة بأسلحة نارية «رصاص وخرطوش أم لا»؟ خاصة في ظل نفي الوزارة التام للأمر؟! المصدر قال: إن النفي يجافي تماما المنطق والحقيقة، بل أوامر وقرارات الوزارة نفسها ... مشيرا إلي أن أي تحركات لفض الشغب لابد أن تصاحبها بنادق آلية لحماية القوات بخلاف الأسلحة الشخصية لقيادات السرايا .. وإن عدم وجود هذه الأسلحة يشكل مخالفة لتعليمات الوزارة وكتبها الدورية تستوجب لفت النظر .. وأشار إلي أن النيابة لم تكن بحاجة لشهود، لإثبات حمل القوات لأسلحة أم لا وكانت تكفيها مراجعة أوامر العمليات في قطاعات الأمن المركزي بالوزارة. وأوضح المصدر أن أي تحرك داخل الوزارة لابد أن يكون مسجلا داخل أوراقها، بل علي أكثر من مستوي وأن اختفاء هذه الأوراق هو تأكيد للجريمة في حد ذاته. وإن نزول أي سيارة أمن مركزي لا يتم إلا بأمر عمليات وأن أوامر العمليات في الوزارة ظلت منتظمة حتي صباح يوم 28 يناير، لافتا إلي أن كل تحركات الوزارة مسجلة في أوامر العمليات ودفاتر الأحوال .. وأن هذه الأوامر تسجل نزول الوحدات وتدون بها معلومات عن عدد الأفراد وطبيعة التسليح وعدد البنادق والعصي والخوذات وأنواع الأسلحة التي خرجت بها ويسجل دفتر العمليات عودة هذه القوات وما تم استخدامه من أسلحة لخصمه من العهدة. وكشف المصدر أن هذه الدفاتر يصعب التلاعب بها لأنها تدون الحركة بشكل يومي داخل الوزارة، كما يتم تسجيلها علي أكثر من مستوي بدءا من الوحدات الصغيرة وحتي القطاعات مرورا بقيادة القطاع .. فكل قطاع يتم طلب خدمة منه يقوم بتسجيل بيانات الخدمة التي خرجت ويوقع عليه قائد القطاع والذي يقوم بدوره بإبلاغ القطاع الأكبر وصولا إلي رئيس العمليات، وفي كل مرحلة يتم تدوين عدد الخدمات وعدد الجنود وطبيعة الأسلحة المستخدمة فيها ثم يتم إرساله لإدارة العمليات التي تقوم بتسجيله في ملفات لكل قطاع ملف بحيث تتوافر لدي قيادة الأمن المركزي معلومات كاملة عن القوات وطبيعتها حتي يتسني لها تحريكها .. ومع العودة يتم تسجيل الفاقد والمستخدم من الأسلحة التي خرجت وعادت. وهذه الأوامر ظلت منتظمة حتي صباح يوم 28 يناير بما يعني أن نوعية وطبيعة تسليح القوات الرسمية مثبتة في هذه الأوراق وكان يجب علي النيابة التحفظ عليها دون الحاجة لشهود لإثبات طبيعة التسليح وقبل التلاعب بها دون الحاجة لشهود نفي أو إثبات. وأكد المصدر الأمني أن العودة لهذه الأوامر ربما لا يزال مهما حتي الآن فعدم وجودها هو دليل علي حدوث الجريمة .. وحتي التلاعب بها يمكن إثباته من خلال مقارنة هذه الأوراق علي المستويات المختلفة ومقارنة الأوامر المثبتة ليوم 28 بالأوامر السابقة في العمليات المماثلة. مشيرا إلي أن طبيعة التسليح في هذا الوقت لا يمكن أن تقل بحال من الأحوال عن العمليات السابقة في ظل الاستعدادات التي اتخذتها الوزارة له. وأكد أن الحديث عن عدم وجود أسلحة نارية هو حديث مجافٍ للواقع وأوامر الوزارة نفسها وربما للضرورات الأمنية، لافتا إلي أن أي حاملة جنود للأمن المركزي لابد أن يصحبها مجندا أمن ببنادق الرصاص لحمايتها وعدم خروجهما معها هو مخالفة لتعليمات الوزارة .. وأنه لا يستبعد بحال من الأحوال استخدام هذه الأسلحة ضد المتظاهرين يوم 28 يناير. كلام المصدر الأمني تنفيه تصريحات قيادات الوزارة والتي كانت حريصة علي التأكيد علي سحب بنادق الذخيرة من المجندين حتي لا يفتح ذلك الباب لاستخدامها ضد المتظاهرين .. لكن المصدر يؤكد أن هذا كلام مجافٍ للواقع وما حدث علي الأرض، وأن أوامر العمليات هي العنصر الحاسم. تصريحات المصدر الأمني تدعمها الأوامر والكتب الدورية الصادرة عن الوزارة والتي دأبت علي التأكيد علي ضرورة تسليح القوات بالشكل المناسب معتبرة أي نقص في هذا التسليح خروجا عن التعليمات .. وهو ما ظهر في الكتاب الدوري رقم 11 لسنة 2005 الصادر عن مكتب مساعد الوزير لقوات الأمن المركزي والذي صدر مواكبا لمظاهرات «كفاية» الرافضة للتمديد والتوريث في محاولة لضبط التسليح خاصة فيما يتعلق بوحدات فض الشغب التي تستخدم لمواجهة المظاهرات .. ووجه الكتاب - الذي حصلت «روزاليوسف» علي نسخة منه - انتقادات حادة بسبب عدم اكتمال تسليح بعض الوحدات وأكد علي ضرورة تخصيص مجندين لكل فصيلة «سيارة أمن مركزي ناقلة للجنود» مسلحين ببنادق الرصاص كحراسة لصيقة لقائد وقائد ثان التشكيل. ويقول القرار الذي صدر ممهورا بتوقيع اللواء ضياء الدين محمود البيومي مساعد الوزير لقطاع قوات الأمن وقتها أن الأجهزة الرقابية بالوزارة رصدت بعض السلبيات بأقسام احتياطي الطوارئ بإدارات قوات الأمن بمديريات الأمن من أهمها عدم اكتمال تسليح الضباط والمجندين ببعض إدارات قوات الأمن، ويرجع سبب ذلك إما لعدم معرفة الضباط بالتسليح الواجب التسلح به عند القيام بالمأموريات أو لوجود عجز في عناصر تسليح وتجهيزات تشكيلات فض الشغب والجماعات الخاصة والمسلحة. وطبقا لنص القرار فإن تسليح وتجهيزات تشكيلات فض الشغب يكون كالآتي - : الضباط -: قائد التشكيل وقائد ثاني التشكيل يكون التسليح: السلاح الشخصي والذخيرة المقررة. ورادع الغاز والخوذة الفيبر وجهاز اتصال مناسب - ميجافون. أما تسليح القوات فيكون علي النحو التالي لكل الفصيلة علما بأن الفصيلة يكون بها 30 جنديا وهي حمولة سيارة الأمن المركزي: عدد (21) مجندا مسلحين بالعصا ودرع وخوذة فيبر. عدد (3) مجندين مسلحين بالبندقية بكأس الإطلاق بعبوات الغاز والطلقات الدافعة الواردة بقرار التسليح . عدد (3) مجندين مسلحين بالبندقية الخرطوش (رش خفيف - طلقات بلاستيكية) حسب قرار التسليح والخوذة الفيبر .. ويؤكد القرار أنه عند التعامل يلحق اثنان من هؤلاء تحت القيادة المباشرة للضابط قائد ثان التشكيل والثالث يعين حرس لناقلة الجنود. عدد (1) مجند مسلح بالبندقية الغاز عيار 5,1 بوصة وطلقاتها المقررة والخوذة الفيبر. وهكذا فإن العدد الإجمالي للفصيلة هو (30) مجندا، ويؤكد الكتاب الدوري علي ضرورة تخصيص عدد (2) مجند مسلحين ببنادق الرصاص من احتياطي السرية للعمل كحراسة لصيقة لقائد وقائد ثاني التشكيل، مؤكد علي أن «أفراد التشكيل المسلحون بالبنادق الرصاص والخرطوش (الرش) لا يعملون إلا تحت الإشراف العميق لقائد أو قائد ثان التشكيل، ويجمعون تحت قيادته لهذا الغرض». وطبقا للكتاب الدوري فإن نزول القوات بدون اكتمال تسليحها ومنها المجندان المسلحان ببنادق الرصاص هو مخالفة للتعليمات، كان القرار حريصا علي التنبيه علي تجاوزها وهو ما يناقض تماما تصريحات قيادات الوزارة بسحب أسلحة الرصاص من المجندين. ويؤكد المصدر الأمني أن اللجوء للخطة 100 يعني مضاعفة التسليح لا سحب السلاح من المجندين وربما يصل الأمر إلي استخدام وحدات الجماعات الخاصة المسلحة، وفي هذه الحالة يتم تسليح الضباط والجنود بالرشاشات. وطبقا لنص القرار الدوري - الذي حصلت «روزاليوسف» علي نسخة منه - فإن تسليح وحدات الجماعات الخاصة المسلحة يكون علي النحو التالي: تتكون الجماعة الخاصة المسلحة من عدد (10) مجندين بقيادة ضابط مسلح بالسلاح الشخصي ورشاش قصير بالذخيرة المقررة وتضم عدد(2) مجموعة قوام المجموعة (5) مجندين تسليحهم كالآتي: تسليح القائد.. السلاح الشخصي، رشاش قصير والذخيرة المقررة، رادع شخصي صديري واق وخوذة صلب. عدد (3) مجندين مسلحين بالبندقية الآلية بالذخيرة المقررة - الخوذة الصلب - الصديري الواقي. عدد (2) مجند مسلحين بالبندقية الخرطوش والذخيرة المقررة - الصديري الواقي . تزود المجموعة بعدد (5) قيد حديدي. وعند توقع احتياج المجموعة إلي استخدام الغاز يصير تسليح المجموعة كالآتي: عدد (2) مجند مسلحين بالبندقية الآلية والذخيرة المقررة. عدد (2) مجند مسلحين بالبندقية الخرطوش والذخيرة المقررة. عدد (1) مجند مسلح ببندقية الغاز 5,1 بوصة وطلقاته أو البندقية المركب عليها كأس الإطلاق وعبوات الغاز والطلقات الدافعة المقررة. ولم يتسن ل«روزاليوسف» التأكد من استخدام هذه الوحدات، لكن المصدر يؤكد علي أن استخدام وحدات فض الشغب هو أمر مفروغ منه ولا مجال للبث فيه. الأمر لا يقف عند هذا الحد، بل يمتد إلي نفي الوزير وجود قناصة بالداخلية. وتشير مصادر بالداخلية ل«روزاليوسف» إلي أن كلام الوزير مجافٍ للحقيقة تماما وأن هذا الكلام يسهل إثباته من خلال وثائق ومستندات تسليح الوزارة والتي تكشف عن شراء الوزارة لبنادق وأسلحة للقناصة . وأكد المصدر أن جهتين بالوزارة لديها أسلحة قناصة هما الأمن المركزي ومباحث أمن الدولة وهما الجهتان اللتان وجهت لهما اتهامات بالتعامل مع المتظاهرين وقتلهم .. وتشير المصادر إلي أن العودة لمستندات البيع والشراء ستثبت وجود هذه الأسلحة بالوزارة .. فضلا عن أن كل طلقة سلاح للقناصة سواء يتم دخولها أو خروجها واستخدامها يتم إثباتها فيما يعرف بدفاتر الشطب داخل الجهات الموجود بها قناصة وكذلك في إدارة الأسلحة بالكيلو 24 والتي تقوم بإثبات عدد القطع والطلقات التي تم توريدها لكل جهة. وكشفت المصادر أن الداخلية لديها 3 أنواع من بنادق القناصة يتم استخدامها أحدها قديم وهي بنادق باركلرهيل وهي إنجليزية يتم استخدامها منذ فترة طويلة ونوعان حديثان: ألماني وهي بنادق هيكلر وآخر أمريكي لم تحدد المصادر نوعه .. وأكدت المصادر أن هذه البنادق ونوعياتها مثبتة في أوامر شراء الذخيرة، كما يتم إثبات ما يتم استخدامه منها بالتواريخ والعدد في دفاتر الشطب وأي نقص في هذه الأسلحة خلال فترة المظاهرات يعني أنه تم استخدامه ضد المتظاهرين خاصة أنه لم يتم الإبلاغ عن ضياع أو سرقة هذه الأسلحة، بل ووصل الأمر بالوزير لنفي وجودها لدي الوزارة من الأساس. وكشفت المصادر عن أن بنادق القناصة كان يتم توريدها إلي جميع المديريات حتي عام 2005 ونتيجة لزيادة الطلب عليها وتكلفتها العالية فقد تم رفع الأمر للوزارة فصدر قرار بقصر صرف هذه الأسلحة علي أمن الدولة و الأمن المركزي. ادعاءات الوزارة وقياداتها لا تقف عند هذا الحد، بل تمتد إلي الأكذوبة الكبري والتي تشير إلي أن الوزارة لا يمكنها وقف الضباط المتهمين بقتل المتظاهرين وأن القانون يمنعها من ذلك، وهو ما أكده ل «روزاليوسف» الدكتور ومقدم الشرطة السابق محمد محفوظ والذي أحيل للتقاعد بسبب مطالبته بإصلاح الداخلية مشيرا إلي وجود 3 طرق وحلول قانونية تتيح لوزير الداخلية إيقاف الضباط المتهمين عن العمل. وقال الدكتور محمد محفوظ: إن تصريحات وزير الداخلية منصور العيسوي التي رفض فيها إيقاف الضباط المتهمين بقتل الشهداء عن العمل بحجة مخالفة ذلك للقانون غير صحيحة وتخالف القانون، مشيرا إلي أن المادة 53 من قانون الشرطة تتيح لوزير الداخلية إيقاف الضباط المتهمين عن العمل، ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن المادة 67 من القانون نفسه تتيح له إحالة الضابط للصلاحية لفترة معينة قد تمتد لعامين للصالح العام، بعدها ينظر في أمره فإما أن يحال للمعاش أو تتم إعادته للخدمة مشيرا إلي أن هذه هي المادة التي استخدمت معه. كما يتيح القانون للوزير - طبقا لما يقوله دكتور محفوظ - إحالة الضباط المتهمين للجان التأديبية بالوزارة والتي تسمح بإيقافهم عن العمل لفترات أطول. واعتبر محفوظ أن عدم قيام العيسوي باستخدام أي من هذه الحلول الثلاثة لمعاقبة الضباط المتهمين هو دليل علي عدم قيام الوزارة بأي خطوات للإصلاح والتطهير، مشيرا إلي أنه ينبغي علي الداخلية إذا كانت تريد فعلا التجاوب مع مطالب التطهير الاعتراف بالأخطاء السابقة والاعتذار عنها حتي لو كان بإيقاف الضباط المتهمين بقتل الشهداء. وأكد محفوظ أنه توجد لدي الداخلية أوراق ومستندات وأوامر تحرك كافية لكشف المسئولين عن قتل الشهداء دون الحاجة إلي شهود إثبات يمكن التأثير علي شهاداتهم بالترغيب أو الترهيب، مضيفا أن عدم تقديم الوزارة هذه الأوراق للمحكمة يثير تساؤلات حول جديتها في الإصلاح.