حتي الآن لم ينل الفن دوره في الثورة وفي الميدان وفي جسارة الملايين التي واجهت عصابات مبارك علي مدي 18 يوما ما يستحق من كتابة عنه وعن دوره. بالتحديد العظيمان بليغ حمدي وشادية اللذان كانت أغنيتهما عن مصر وقودا أساسيا في إلهاب حماس الثوار وتذكيرهم بأن 30 عاما من تخريب الروح والوجدان لم تنجح في إبعاد المصريين عن محبتهم لوطنهم علي طريقتهم الخاصة. وإذا كانت ثورة يناير هي الثورة «الضاحكة» الأولي في تاريخ الإنسانية فقد كانت أيضا الثورة الأولي التي لعب الغناء والشعر دورا هائلا في تحريكها بالغناء كانت الحشود تواجه صناعة الموت بطاقة هائلة من محبة الحياة. ورد المصريون علي كل أنصار الظلام والفساد والاستبداد بضربة واحدة ساحقة حين فاجأوا العالم بأن الشهيد يودع بأغنية وأن ميلاد يوم جديد في الميدان كان يبدأ علي إيقاع قصيدة جديدة. في قلب الميدان ومنذ يوم 25 يناير كان الشاعر المصري أحمد بخيت حاضرا بقوة ولم يكتب شعرا طيلة الثورة فقد كان مشغولا بالثورة نفسها وبالسؤال المهم.. لماذا صمت المصريون 30 عاما؟! ولماذا يثورون الآن بهذه الجسارة المذهلة. وأحمد بخيت واحد من القصص الدالة بقوة عن فساد عصر مبارك. فمنذ نحو خمسة عشر عاما كتب عنه الناقد صلاح فضل «أحمد بخيت هو متنبي الشعر الحديث» ومنذ تخرجه في كلية دار العلوم ولديه الآلاف من عشاق شعره، ومع هذا فلم يتناسب أبدا حجم موهبته مع جماهيريته أو تواجده في وسائل الإعلام وفي حين كان يحصد كل جوائز الشعر الكبري في العالم العربي «من البابطين إلي أصيلة ومن جائزة شاعر المليون الي غيرها من الجوائز «كانت منظومة ثقافة فاروق حسني وإعلام صفوت الشريف تتجاهله بقسوة ضمن من تجاهلت من مواهب مصر الحقيقية والكبيرة. ورغم أن المطربة الكبيرة وردة قد غنت من تأليفه ورغم أنه قد أصدر عشرات الدواوين التي تلاقي إقبالا كبيرا في العالم العربي فإن هذا هو الحوار الأول له في الصحافة المصرية منذ 10 سنوات كاملة!.. • هل تري أن حجم موهبتك أو إنتاجك يتناسب مع حجم جماهيريتك داخل مصر؟ - في عصر مبارك كان المناخ كله يوحي ويؤكد أن مصر «آخر بلد يمكن أن يعتني بأبنائه» ولهذا كان يعنيني أن آخذ طريقي كصوت حر منفرد بعيدا عن أي انتماءات حزبية أو أي تيارات سياسية وأن أعصم صوتي أن يكون مجرد بوق دعائي لأي طرف. ومنذ تخرجي في الجامعة كنت حريصا علي أن تكون قصائدي رفضا شعريا للواقع المتردي ومازلت أذكر جيدا كيف أن قصائدي التي كنت أهاجم فيها «الديكتاتور» و أبشر فيها بالحب والجمال يقرأها الناصريون والوفديون والإخوان والشباب الذين لا يعرفون شيئا عن أي شيء. وعندما وجدت الواقع الثقافي مترديا للغاية قررت أن أتخذ طريقا خاصا بي وهو أن أحاول أن أكون جانبا مضيئا لبلدي في العالم العربي. وأعتقد أن قراء شعري في العالم العربي وما ألاقيه من حفاوة وتكريم يجعلني أشعر بأني قدمت وأقدم تجربة يعتد بها في مسيرة الشعر. ولا يمكنك أن تنسي أن شاعرا مثل نزار قباني صنع نجوميته الطاغية في ظرف صعود قومي عارم وأن محمود درويش حملته القضية الفلسطينية ومنظمة التحرير إلي مكانة يستحقها كشاعر كبير، أما في مصر مبارك فقد كنا في عصر الحيل والألاعيب. كان نظامه يريد التسلية ويغذي التفاهة وكل ما هو لا إنساني وإذا نظرت لنجوم هذا العصر ستعرف حجم الجريمة التي كانت ترتكب فقد كان الأكثر شيوعا هو الأكثر تفاهة والأقل إبداعا.. في كل المجالات • تحقق قصائدك تواصلا مع القارئ ومع ذلك لم تكتب عن ثورة يناير ولا قصيدة حتي الآن؟ - تواجدت في الميدان منذ اليوم الأول و الحقيقة أنني لم أندهش من الثورة ولكني اندهشت من تأخرها طيلة هذه السنوات وقد كان اهتمامي إلي جانب المشاركة في الثورة برصد تفاصيلها ولم أشك لحظة في قدرة الشعب المصري علي تحقيق المعجزة وإسقاط نظام مبارك، وحينما ظهر عمر سليمان علي الشاشة كتبت علي صفحتي الشخصية علي الفيس بوك «لا تعايرونا بالصنم.. نحن من صنعناه ونحن من سنسقطه». لقد كنت متواجدا في الميدان وكانت أمامي صورة خالد سعيد وفي المقابل صور وجوه صفوت الشريف وزكريا عزمي وفتحي سرور وجمال مبارك. البراءة في مواجهة أقبح وجوه الشر وإلي جانب هؤلاء السياسيين الأوغاد كانت تتراءي أمامي صور جيوش الممثلين المصنوعين منبتي الصلة بالفن ولاعبي الكرة الذين تحولوا إلي أبطال مجتمع لا يعرف أنه مهزوم... ولم يكن هذا وقت كتابة شعر فقد كتبت قبل الثورة بسنوات داعيا لها ومحرضا علي الإطاحة الكاملة بالعصر كله ورجاله وقيمه المنحطة ولهذا أري أن ما كتب كله بلا استثناء لا يرقي لأن يكون في حجم الثورة. قصيدة الأبنودي عن الميدان لم تضف جديدا لإبداعه العظيم، أما ما كتبه هشام الجخ وتم تداوله إعلاميا فلا يمت للشعر بصلة. • بعيدا عن تحليلات السياسيين.. بإحساس الشاعر كيف رأيت مبارك حاكما؟ - لم يكن يملك عقلا.. كان يملك إحساسا أمنيا.. ولهذا اختار رجالا في كل المواقع لديهم عداء فطري لكل من يملكون وعيا أو مقدرة إبداعية ونتيجة لهذا ساد الفراغ وتغلبت نظرية سد الخانة، فهناك وزراة إعلام تعادي الثقافة ووزارة ثقافة بعيدة عن الوصول للناس وكلاهما فاسد تماما وأذكر أن فاروق حسني طلب أن يقابلني ذات مرة وفوجئت به يطلب بإلحاح أن أشرف علي «بيت الشعر المصري» وبعد أيام من اللقاء بدا لي أن الرجل لا يتحدث بجدية في أي شيء.. إنه ممثل في عرض لا أكثر. مبارك كان حاكما «صغيرا» ومنعدم الطموح ومعاديا للتاريخ.. وقيمة مصر والقيمة الكبري لثورة يناير أنها جعلته آخر حاكم «تافه» يحكم مصر. • أنت من الشعراء القلائل الذين يكتبون شعرا «عموديا» وتبدو مهتما بالتاريخ والتراث العربي والإسلامي كيف تري ظاهرة صعود الإسلاميين بعد الثورة؟ - ما يحدث يذكرني بمقولة إيزابيل الليندي «الديمقراطية قد تجبرك علي سماع أصوات الغوغاء» فهناك نزعات فوضوية تستيقظ وهي نتاج لجريمة ارتكبها نظام مبارك حيث أشاع مناخا من تغليب «الجهل والاستثمار «علي حساب» العلم والعقل»، ولهذا شاهدنا أسوأ النماذج من حفظة بعض الكتب ممن لا يدركون جوهر النزوع إلي الروح والدين في مجتمعنا وضرورة ربط ذلك بالقيم العليا وفي مقدمتها العدل والحرية وقد ظهر واضحا في الميدان الحجم الحقيقي لمن يطلق عليهم الدعاة فمواقفهم كانت متخاذلة أو انتهازية أو مترددة أو في انتظار الطرف الغالب. • ما نقطة الضعف الأبرز في مسيرة الثورة في رأيك حتي الآن؟ - البشر حينما اخترعوا سفينة جعلوا لها قبطانا والجيوش لا تعمل إلا من خلال «سيستم» والمشكلة أن الغالبية العظمي من الناس لا تعرف ومن هنا تأتي أهمية وجود طبقة مثقفة ومخلصة من النخبة تقود الرأي العام في ظل الفوضي الحادثة، خاصة إذا أدركنا جميعا أن إعلام ما قبل الثورة هو نفسه إعلام ما بعد الثورة اللهم إلا استثناءات قليلة. هذه النخبة لابد أن تدرك مسئوليتها، كما أن الشباب لابد أن يدركوا أن الحماسة لا تكفي لإدارة البلاد. ثانيا أعتقد أنه علي الجميع أن يدركوا أن الديمقراطية لا يمكن أن تتحقق في ظل وجود بقايا فساد هائل وانعدام للعدالة الاجتماعية. • من بين مرشحي الرئاسة من تراه الأكثر جدية ؟ - البرادعي فهو رجل راق ولديه طرح موضوعي ويتمتع بموضوعية وذكاء ولا ينتمي لأي تكتلات من الممكن أن يعمل لحسابها علي حساب الشعب المصري.