كتب: أحمد بهاء الدين إنه موقف غريب حقا.. هذا الذى نحن فيه: العسكريون يتمسكون بالدستور ويريدون العودة إلى الحياة النيابية من أقصر الطرق.. و«المدنيون» هم الذين يهاجمون الدستور، ويجرحون الحكم النيابى، كأن الثورة قامت ضد الدستور.. لا من أجل الدستور! ولو راجعنا تاريخ هؤلاء الذين يحاولون صرف البلاد عن الحياة النيابية، متعلقين ب«فقه الثورة» لوجدنا أنهم هم أنفسهم الذين كانوا يزينون للملك السابق، والأسبق، تعطيل الدستور والحكم المطلق! فالخصومة ليست فى الواقع بينهم وبين الملك، أو الاستبداد، ولكنها بينهم وبين الدستور. وانظر بعد ذلك إلى التعللات التى يتعلل بها «المدنيون».. إنها التطهير وتعديل الدستور والتطهير شىء بديع حقا.. ولازم، ولكن الظاهر أن الحكومة تدعو إليه بغير إيمان! فبينما الحكومة تفزع الأحزاب بصيحة التطهير، نراها لا تصنع شيئا لتطهير الأداة الحكومية ذاتها.. فهى تتحايل على مطالبة الجيش بإلغاء البوليس السياسى، فتبقيه وتغير اسمه! وهى لا تزال تحتفظ بالموظفين الكبار الذين كانت لهم فى العهد البائد صفحات وصفحات.. كأحمد طلعت رجل البوليس السياسى الشهير، وحسنين مخلوف صاحب الفتاوى الذائعة الصيت وأمثالهما فى كل مرفق من مرافق الدولة. وسوف يكون الإبطاء فى التطهير، حجة للبطء فى إعادة الدستور! ثم تعديل الدستور، إنها دعوى أطلقت بغير بيان، فلا هم قالوا لنا كيف يعدل؟ ومتى؟ ومن يعد له؟ وكيف نعرف رأى الشعب فيه؟ وتعديل الدستور لمصلحة الشعب لا يكون إلا بإعطائه المزيد من الحريات، وإذا كان الرئيس على ماهر يريد أن يعدل الدستور حقا على هذا الأساس، فلماذا لا يقدم للناس عربونا على حسن نيته.. بأن يلغى الأحكام العرفية التى مازالت سلاحا فى يده - وإن كان متواريا - وأن يلغى بجلسة واحدة لمجلس الوزراء كل القوانين المقيدة للحرية التى عرقلت تطور الشعب. إن الشعب يريد - بإخلاص - التطهير والدستور، ولكنه يتوجس ويزيد فى توجسه ومخاوفه الإحساس الذى بدأ يتزايد بأن ثمة بعض الأيدى الكبيرة تحاول أن تضغط على «فرامل» الثورة وتوقف انطلاقها.. كما يحدث لمشروع تحديد الملكية الزراعية الذى يتأخر صدوره كل يوم بحجة جديدة.. والشعب معذور فى مخاوفه.. فقد كان الهلالى نفسه يملأ الدنيا صياحا بالتطهير وتقويم الحياة النيابية.. وفى قلبه غاية واحدة هى: تعطيل الديمقراطية وإطالة عمر الاستبداد ولا يريح الشعب من هواجسه إلا ما يبدو له من تصميم الجيش على موقفه إلى جانب الشعب، ذلك التصميم الذى جعل القيادة العامة تصدر - بعد منتصف ليلة بهيمة - بيانا من النور، تعلن فيه أن نظام الأحزاب باق. وأن الملكية الزراعية ستحدد، وأن البرلمان سينعقد حتما فى تاريخ معلوم وهو بيان يتمسك به الشعب.. ويرفعه فوق الرءوس كاللافتة، ليهتدى بها «المدنيون».