في الوقت الذي أكد فيه د. عبدالعزيز حجازي رئيس جلسات الحوار الوطني، أن وقائع الحوار الذي امتد إلي 3 أيام مضت، سوف تكون بداية لعدة حوارات تتوالي تباعا، إلا أن الصورة التي بدا عليها «الحوار» في مجمله أثارت العديد من علامات الاستفهام، حول مستقبله نفسه؟! إذ يمكن القول إن هذا الحوار كان بمثابة تجربة حوارية «موسعة» لم تصل إلي درجة النضج، وأنه معادلة الاختيار لدي اللجنة المنسقة لجلساته.. يجب أن تشهد تغييرات بعينها تطور من شكل الأداء ومضمونه. فقد كان المشهد الأول والأهم، هو أن الوجوه المحسوبة علي النظام السابق والحزب الوطني المنحل كان أن أعطت لنفسها الحق في تصدر الصفوف الأولي ولم يتنازلوا عن هذا الأمر عندما حضرت نائب رئيس النيابة الإدارية «نجوي صادق» ولم تجد مكانا لها في الصفوف الأمامية فأبت الجلوس في الصفوف الأخري مما اضطر القائمون علي تنظيم المؤتمر لإحضار «كرسي» مخالف في الشكل، ووضعه بمنتصف الطريق بالصف الأول مما أثار حفيظة الموجودين! أما المشهد الثاني الذي كان له نفس المدلول.. فقد تمثل في حضور عدد كبير من الوزراء السابقين والشخصيات العامة ممن تزيد أعمارهم علي الثمانين عاما، إلا أن البعض أرجع هذا إلي انتمائهم لنفس جيل د.عبدالعزيز حجازي.. لكن أيام الحوار أثبتت أن د.عبدالعزيز كان أكثر إيجابية وحديثا مع الشباب والفئات العمرية الأخري، فلماذا - إذا - تمت دعوة هؤلاء خاصة بعد أن قال حجازي نفسه إنه لم يتدخل في الدعوات وأن اللجنة المنسقة هي التي قامت بذلك، والتي كانت تضم عمرو حمزاوي وصفوت حجازي وأحمد عبدالجواد وأحمد مهران وآخرين؟! والمشهد الثالث.. فقد كان «منصة الجلسة الافتتاحية» التي أثارت شباب الثورة عندما تصدرها كل من عمرو حمزاوي وصفوت حجازي وشباب الإخوان علاوة علي محمد علي بشر أحد قيادات الجماعة.. مقابل انعدام تمثيل الائتلافات المختلفة للثورة، فضلا عن عدم وجود أي عنصر نسائي وهو ما جعل حمزاوي بعد فترة وجيزة من اعتراض الثوريين أن يتنازل لغادة موسي عن مكانه بالمنصة لتقوم بدورها بالتنازل عن مكانها بعد إلقاء كلمتها لإحدي الفتيات الأخريات. وفي نفس المشهد رأي الشباب أن حمزاوي وصفوت صارا وجهين مشتاقين طوال الوقت للشو الإعلامي أكثر من أي شيء آخر.. وأنهم يتاجران بالثورة ويتجاهلان الثوار. ففي الوقت الذي يعشق فيه حمزاوي الكاميرا إذ صار محترفا في تصدر الصورة فإن صفوت حجازي مثل من وجهة نظرهم الانتهازية الدينية بكل صورها. فهو يقدم نفسه علي أنه سني معتدل وفي أوقات أخري سلفي محض وفي ثالث إخواني! وأنه هو الذي أجج موقف اعتراض الشباب علي عدم تمثيلهم في الحوار. كما هاجم الشباب رئيس الوزراء عصام شرف وقالوا إن حكومته غير فاعلة ولا قادرة علي اتخاذ القرارات السياسية.. وأنهم يريدون حكومة إنقاذ وطني. - الوظيفة «مرشح رئاسة» إذا ما انتقلنا بالمشهد داخل القاعات التي خصصت لمناقشة المحاور وعددها خمسة تحت عناوين: «الديمقراطية وحقوق الإنسان - التنمية البشرية والاجتماعية - التنمية الاقتصادية والمالية - الثقافة وحوار الأديان والإعلام - مصر والسياسة الخارجية بعد ثورة 25 يناير» فإننا نلاحظ أن عرض الأوراق وإدارة الحوار لم تكن محددة بشكل كاف.. ورغم أنه تم تقسيم المحاور إلي «أ»، أي مصر في الوقت الحالي، و«ب» وهي المرحلة التالية إلا أن هذا التحديد ضل طريقه أثناء المناقشة هو الآخر! وكان أكثر المشاهد غرابة، قيام بعض «المغمورين» بتوزيع كروت تحمل صفة «مرشح رئاسة».. وأيضا هؤلاء كسابقيهم في الادعاءات والتي كان أخطر محتوي لها ما قاله أحدهم بأنه يريد تنمية سيناء بأي شكل خاصة بعد أن حفيت قدماه علي أرباب النظام السابق الذين لم يعيروا أفكاره أهمية! علي الجانب الآخر تواجد بعض الوزراء السابقين بكثرة في قاعات المحاور وكان لديهم تساؤل محوري: هل ما يحدث في مصر مؤامرة أم إنه خوف ويد مرتعشة من المسئولين؟! وكان هناك - أيضا - وزير التنمية الإدارية «أحمد درويش» الذي لم يلفت حضوره أحد، رغم إشادة د.عبدالعزيز حجازي بكوادر الوزارة الذين استعان بهم في تنظيم الحوار والإعداد له. - الإعلام أخطر من الثورة كان الهجوم شديدا أثناء أيام الحوار الثلاثة عن الإعلام المكتوب والمرئي والمسموع.. وفي كل مرة تتكرر عبارة «الإعلام أصبح أخطر من الثورة» في تأجيج المشاعر والإثارة، وذلك في الوقت الذي رأي فيه البعض أن الإعلام خاصة الصحف والفضائيات صارت محفزة لإثارة المظاهرات والاعتصامات ووقف حال البلاد علي حد تعبيرهم. في حين رأي شباب الثورة أن الإعلام لا يهتم بآرائهم ويحذف كلامهم، في كل قاعات المناقشات حسب قولهم، وإذ رأي البعض أنه يروج للشائعات بالكتابة عن قضايا الفساد دون تحري الدقة والمعلومات اللازمة.. ورغم أن المشاركة الإعلامية كانت ملحوظة فإن الردود لم تكن حاضرة لنفي تلك الاتهامات، مما جعل النقاش يأخذ منحي المطالبة بتحرير وسائل الإعلام من ملكية الدولة.. وضمان نزاهتها بإقرار قانون لتداول المعلومات والمطالبة بقنوات إخبارية متخصصة تليق بمصر والثورة. وعرض اللواء سامح سيف اليزل تقريرا خاصا عن حالة الأمن القومي للبلاد وتعرض فيه لمعلومة قال إنها موثقة ومؤكدة وهي أنه هناك 28 ألف حالة قتل خلال الثلاثة شهور الأخيرة، مما دعا أحد الوزراء السابقين للقول: «القاعة بها إعلام.. وهذا الرقم سوف يتم تناقله بشكل كبير، وربما يأتي بالسلب علي مصر»، عند ذلك ثار الصحفيون وقالوا: هل تريدون قول الحقيقة لمعرفة الأزمة التي تمر بها البلاد أم تريدوننا لا نذكر شيئا ويستمر تزايد عدد القتلي؟! - ديكتاتورية الثورة حذر المشاركون في الحوار مما أطلقوا عليه «ديكتاتورية الثورة» بعد أن قام بعض شباب ائتلاف الثورة بتوزيع أنفسهم علي القاعات المختلفة.. وفي أثناء المناقشات وقبل أن يأتي عليهم الدور في المداخلة يقوم أحدهم بالاتصال بمن هو في باقي القاعات للتجمع.. وهو ما أثار نقاشات حادة في كثير من الأحيان. وطالب بعضهم بمطالب استغربها نفر من القائمين علي الحوار مثل أنهم يريدون الحصول علي مقار الحزب الوطني المنحل لتصير مقارا لأحزابهم، أو أنهم يريدون قنوات فضائية خاصة بالشباب أو يفرضون رأيهم علي قضية ما ويقومون باستهجان ما يقوله الآخرون، وعندما يحدث اعتراض من الحضور يقوم أحدهم ليعتذر عما بدر من زميله.. وهكذا. وفي نهاية الحوار رفض المشاركون بالجلسة الختامية بالاجتماع ما حاول صفوت حجازي تمريره بما أطلق عليه «شيوخ الشارع» - وبالطبع هو منهم - في حل القضايا التي تنشب بين المسلمين والمسيحيين، محاولا إبراز أن بيت العائلة الذي أنشأه الأزهر غير ذي جدوي.. وما كان من المشاركين إلا الاعتراض إذ تعالت أصواتهم بأهمية الأزهر، وبيت العائلة.. وأنه ليس من حق «صفوت» إشاعة مثل هذه المصطلحات من أجل ظهوره فيها خاصة أنه ليس من أعضاء بيت العائلة الذي يريد استبداله ب «شيوخ الشارع» لكي يتزعمهم منددين بأن يكون شيوخ السلفية ومن علي شاكلتهم هم القائمون علي حل مشاكل الاحتقان، الذي كانوا أحد أهم ركائزه في الفترة المنقضية.