أخطر سيناريوهات الثورة المضادة هى التى يتم فيها استخدام طرفى الثورة ضد بعضهما بعضا وأخطر ما يمكن أن يقع فيه الثوار هو أن يتركوا العدو الأساسى للثورة (فلول النظام البائد)، وأن يتفرغوا للهجوم على المجلس العسكرى الذى شاءت أقداره وإرادته أيضا أن يكون شريكا للثورة وحاميا لها ويدا قوية تحاول تنفيذ إرادتها حتى وإن اختلفت التقديرات وتفاوتت السرعات، الوقيعة بين الجيش والشعب هى أغلى أحلام الثورة المضادة التى مارست على مدى الشهور الماضية منذ قيام الثورة العديد من الخطط والحيل لاستنزاف الثورة وحكومتها ولتشتيت انتباه المجلس العسكرى واستنفاد صبره وتفريغ طاقته. فى الأسابيع الأولى كان الثوار والشعب نفسه هم الهدف الرئيسى للثورة المضادة من خلال تشويه صورة الثوار وإظهارهم كعملاء أو كموتورين لا يقدرون قيمة ما يقدمون عليه أو كمراهقين فى طريقهم ل(تضييع البلد) ثم كان أن نال الشعب نصيبه من خلال إطلاق البلطجية وترويع الآمنين وإيقاف عجلة الاقتصاد وبث الشائعات حول الأزمة الاقتصادية وكان الهدف أن يصل الناس إلى مرحلة يترحمون فيها على عصر مبارك بفساده واستقرار أوضاعه معا. ولكن الأكيد أن الأسبوعين الأخيرين شهدا تطوير الثورة المضادة لخطتها من خلال محاولة الوقيعة بين الجيش والشعب وكان الهدف هو تحويل الجيش المصرى من محل إجماع وتقدير لجميع عناصر الأمة المصرية إلى طرف فى صراع أظنه وهميا مع الثورة المصرية استنادا لوقائع قليلة ومحددة تجاوزت فيها عناصر الشرطة العسكرية تجاه بعض عناصر الثورة المصرية وهما واقعتان محددتان تكفل أعضاء المجلس العسكرى بالوعد فى التحقيق فيهما والإيضاح الذى يصل إلى درجة الاعتذار عنهما. فى هذا الاتجاه يبدو أيضا أن الثورة المضادة ستكون فى قمة سعادتها حين يترسخ فى ذهن الأقباط أو مجموعة منهم أن المجلس العسكرى يناصبهم العداء استنادا إلى حوادث متفرقة لا تختلف إطلاقا عن الحوادث التى وقعت مع مصريين آخرين من المسلمين مثل حادث دير الأنبا أنطونيوس الذى وقع مثله العشرات فى عهد ما قبل الثورة، أو حادث المقطم الذى كان انفلاتا طائفيا مزعجا تضمن اشتباكات بين مسلمين ومسيحيين ويبدو من المزعج تفسير هذه الحوادث على أنها موقف من المجلس العسكرى تجاه الأقباط، ورغم أن المجلس نفسه هو الذى اتخذ موقفا إيجابيا للغاية فى حادث كنيسة صول، ولا يعنى هذا أن الأخطاء غير واردة، أو أن المجلس العسكرى منزه عن الخطأ.. هو بالتأكيد غير منزه عن الخطأ، لكن ما يجاوز الخطأ إلى الخطيئة هو أن تنجح الثورة المضادة فى خلق مثل هذا الاعتقاد الذى يهدف إلى أن يصرخ الأقباط مترحمين على أيام مبارك.. رغم أن 90 لكن الأسبوع الماضى شهد تطورا نوعيا فى استهداف عناصر الثورة المضادة وربما الجهات الخارجية المعادية للعلاقة بين الجيش والشعب ليس فقط من خلال استغلال حماس بعض أفراد الشعب ورغبتهم فى الإسراع بخطى الثورة لأقصى درجة ممكنة ولكن أيضا من خلال فيديوهات مدسوسة ومخابراتية الطابع انتشرت بسرعة كبيرة على مواقع الإنترنت المختلفة تتضمن هجوما سافرا وسافلا على الجيش المصرى وعلى المجلس العسكرى فى هذين (الكليبين) يظهر شخصان مختلفان يتحدثان حديثا متشابها ووراء كل منهما خلفية بيضاء أو سوداء لا تدل على شىء ويحمل كلاهما اسما متشابها وهو (بطل فى الجيش المصرى يكشف المشير طنطاوى) وهو ما لا يدل عليه مضمون الكليبين حيث يظهر فى أحدهما شخص متوتر يمتلئ حديثه بالشتائم.. وهو ما يتشابه فيه مع بطل الكليب الثانى.. وكلاهما كما كشف الأستاذ أسامة سلامة رئيس التحرير فى افتتاحية «روزاليوسف» للمرة الأولى ضابطان هاربان مطرودان من الخدمة، لكن اللافت للنظر أن الحديثين الموتورين يبدوان متطابقين من ناحية المضمون ومن حيث الأكاذيب بدرجة تشى بأن مصدرهما واحد، ويبدو أن الرسالة التى تريد فلول الثورة المضادة إرسالها هى كالتالى: - إقناع جموع الشعب بأن الجيش ليس أمينا على ثورته وبالتالى فإن على الشعب أن يستبدل عداءه لمبارك وفلول دولته بالعداء للجيش المصرى وللمجلس العسكرى. - محاولة ضرب المجلس العسكرى والتشكيك فى ما قدمه للثورة بكلام تافه ومرسل وشتائم منحطة كمن أطلقوها. - احتوى كلا التسجيليين على أكذوبة واحدة تخص الضابط المصرى أحمد شومان الذى تحدث لقناة الجزيرة فى نفس يوم تنحى مبارك عن الحكم حيث أطلقت الثورة المضادة شائعة مبكرة بأنه حكم عليه بالسجن خمسة عشر عاما بتهمة التمرد فى حين أعلن المجلس العسكرى أنه حصل على عفو عام من المشير طنطاوى وفى التسجيلين تم بث أكذوبة تقول إنه محبوس فى مصحة فى حين قال أصدقاء له إنه فى أتم صحة ويمارس عمله وحياته بطريقة عادية وكان من اللافت أن يستخدم كلا التسجيلين أكذوبة أحمد شومان لمعرفتهم باهتمام جموع شباب الثورة به. الرسالة التى يحاول التسجيلان المشبوهان بثها هى تحريض كل من ضباط القوات المسلحة والشعب ضد بعضهما بعضاً وضد المجلس العسكرى الأخطر من هذا هو محاولة خلط الأوارق والتظاهرات بين الجيش والشعب من خلال طلب مشاركة الضباط فى مظاهرات الجمع المتتالية وهو ما من شأنه أن يؤدى فى حالة حدوثه إلى كارثة على الجميع. ولعل الأهم من المضمون التافه لهذين التسجيلين هو دلالة ظهورهما والتى تقول بأن قوى الثورة المضادة مازال فى جعبتها الكثير والكثير وأن لديها الطاقة على الفعل والتحرك فى اتجاهات مختلفة لعل أخطرها هو محاولة الوقيعة بين الثورة والجيش مستغلة فى ذلك الفارق الطبيعى بين عنفوان الثورة وبين تؤدة وبطء المجلس العسكرى كمؤسسة تتعامل مع أمور لم تكن من بين اختصاصاتها وأولويات عملها الطبيعية ولعل فى صراحة المجلس العسكرى وحرصه الدائم على الرد على الشائعات وتوضيح الأمور الملتبسة أمام الرأى العام ما يكفى لتهدئة الخواطر تجاهه ولعل الثورة تجمع إلى جانب الحماس والإخلاص تلك الحنكة السياسية التى تجعلها ترى أنه ليس من المصلحة أبدا الوقيعة بين الجيش - الشعب لأن ذلك سيكون أغلى أمنية يحققها أعداء الثورة.