الإجابة باختصار: حمايتها وإدارة مراحلها. 1 حمايتها من الثورة المضادة التي تبين تجارب التاريخ العالمي أنها دائما جاهزة للانقضاض عليها. 2 حمايتها من الانقسام والتشرذم بين قادتها ورموزها. 3 حماية قواعد الثورة داخل القوي الشعبية مما نستطيع أن نسميه الإنهاك الثوري ثم الانصراف عنها. لا تأتي هذه الحماية إلا بالانتقال بالثورة من مرحلتها الأولي, أي قيامها بنجاح فعلا, الي المرحلة الثانية, التي تتطلب التخطيط المحكم والعمل الدءوب, وهي مرحلة أطول وأصعب من المرحلة الأولي أو قيام الثورة. نحن الآن في حالة انتقالية بين المرحلتين, بعضنا لايزال في حالة ذهول نفسي بعد هذا النجاح الخارق للثورة في فترة قصيرة وتحول قطاعات أساسية من المجتمع في نظرتهم للشباب, من جيل ذي رعونة أو بسكويتة عديم الاهتمام إلا بشأنه الخاص, الي قبوله كفاعل أساسي ودعوة ممثليه للحوار في أروقة وزارة الخارجية أو قاعات جريدة الأهرام أو المصري اليوم أو صالونات بعض العائلات ذات التوجه الوطني, بما فيه نقاشهم مع أعضاء المجلس العسكري الأعلي. نجحت الثورة إذن بأسرع مما كان يتوقع قياداتها الشبابية, فلم يجعلوها فقط ثورة مجتمعية عارمة بل أضافوا الي مكانة مصر العالمية, انضم ميدان التحرير مثلا الي قائمة أشهر ميادين العالم العشر, من التايم سكوير في نيويورك الي تيانمن في بكين, يتصل الآن بي وبزملائي الكثير من رموز العالم من سياسيين الي محللين والذين كنا نرجوهم في الماضي لزيارتنا وحضور مؤتمراتنا علي نفقاتنا, ولكن يتوقون الآن للحضور لزيارة ميدان التحرير, أتوقع أن ينضم ميدان التحرير الآن الي الأهرامات كرمز من رموز الحضارة المصرية, ارتفعت إذن مكانة مصر العالمية بواسطة, نستطيع أن نسميه القوة الناعمة: الثورة الشبابية السلمية( سلمية... سلمية كما قال الشعار) التي نجحت في إنهاء نظام حكم سلطوي وأخذ مقاليد الأمور في يدها. أخذ مقاليد الأمور في يدها؟ هل حدث هذا فعلا؟ 1 قد يكون الاستحواذ علي مقاليد الأمور هو في بدايته فعلا بوجود رئيس وزراء جديد ذهب الي ميدان التحرير ليستمد شرعيته منه, كما قال, وليحمله بعض المتظاهرين علي أكتافهم في تلاحم رمزي جميل بين جماهير الثورة وأجهزة السلطة, ولكن هل يمكن اختزال أجهزة السلطة في رئيس الوزراء؟: ماذا عن المستويات الأقل داخل كل وزارة الذين يقومون بتشغيل دواليب العمل؟ وماذا عن المحافظين والمجالس المحلية؟ كيف نضمن أن تكون هذه الأجهزة جزءا من الثورة وليس من الثورة المضادة؟ كيف يتم تحقيق هذا الهدف الأساسي بمنأي عن البيانات الكيدية والمعلومات المغلوطة والحرب النفسية لحماية الفاسدين والمفسدين الذين يهدفون لنزع النبل والمصداقية عن الثورة والثوار ثم ربطهما بفوضي عارمة؟ 2 لا يستطيع أي مجتمع خاصة الثوري أن يعيش دون موارد وفي مقدمتها الموارد المعنوية مثل الإيمان بمباديء الثورة والتضحية من أجلها, وهو ما تحقق فعلا, ولكن الثورة تعيش أيضا بالموارد المادية التي تكفل المعيشة اليومية المنتظمة لقواعد الثورة بين جماهيرها, ففي حالة تدهور هذه الموارد المادية مثل الغذاء أو فرص العمل تتدهور الروح المعنوية بين القواعد الشعبية, بل قد تنقلب ضد قادة الثورة ورموزها, بأيد مدسوسة أو بحسن نية وفاقة الحاجة, فمثلا تقول التقديرات المبدئية إن مصر تخسر يوميا نحو013 ملايين دولار, وهو تقدير في رأي الكثيرين أقل من الواقع, ومع ذلك فهو يقترب من01 مليارات دولار في الشهر, ويتفاقم الوضع حيث تقترب الثورة الآن من منتصف شهرها الثاني, كيف إذن نضع الاقتصاد مرة أخري علي عجلة الإنتاج لوقف نزيف الخسائر أولا, ثم لتعويض ما تبدد ثانيا؟ كيف نواجه معدل الفقر المتزايد والذي يعاني منه حسب احصاءات الأممالمتحدة نحو53 مليون نسمة؟ ماذا نفعل مع زيادة أسعار الغذاء العالمية المتوقعة هذا العام والتي معها قد يتحول الفقر الي جوع؟ اذا كانت الثورة ثورة كرامة, هل من الممكن حماية الكرامة مع تزايد الفقر وهجوم الجوع؟ ثم ماذا عن البطالة, خاصة بين الشباب؟ مرة أخري تقول احصاءات الأممالمتحدة إن معدل البطالة في الدول العربية وليس مصر وحدها يزيد علي ضعف المعدل العالمي؟ وماذا نفعل مع أكثر من مليون من عمال مصر العائدين من ليبيا؟ مرة أخري هل تتحقق ثورة الكرامة مع زيادة عدد العاطلين؟ ألم ينتحر بوعزيزي حرقا في تونس بسبب البطالة وفقدان الأمل؟ سيتحسن الاقتصاد لو ركزت الثورة أولوياتها علي استرداد مليارات الفساد, كما أن تحسن الوضع الأمني سيضمن عودة السياحة والاستثمارات, وحتي بأعداد متزايدة بسبب تحسن سمعة مصر, ولكن يجب علي الثورة أن تضع الاقتصاد في أولوياتها ووضع خطة اصلاحه وتنميته. 3 أمن المواطن وأمانه: لا يحتاج أيا منا لأن يكون متخصصا في العلوم السياسية لكي يعرف ويري أن أساس شرعية الحكم ثوري أو غير ثوري هو أمن المواطن وأمانه, قالها الفيلسوف الانجليزي هوبز منذ أكثر من4 قرون, وتأكدت مقولته علي مر التاريخ, بل إن تجربة مصر قبل52 يناير تؤكد بوضوح أن الاهتمام بأمن الحاكم علي حساب أمان المواطن يقوض أساس الحكم. كيف نوقف الانفلات الأمني المتزايد في الشارع المصري, ليس فقط عمليات الغش ولهيب الأسعار, أو حماية السيارة والسكن ولكن حتي زيادة اختطاف حقائب السيدات؟ هل هذا عمل بعض الهاربين من السجون الذين يعيثون في الأرض فسادا؟ هل هذا صنيعة وحيل بعض الفئات والأجهزة من أجل أجندة محددة؟ ما هي المعلومة بالضبط وكيفية ضمان حد أدني من الأمان للمواطن لكي تستمر ثقته بالثورة, ولا يقول كفاية ثورة ويكون جاهزا ليتم تجنيده للانقلاب علي الثورة؟ هناك إذن حاجة لما يسمي وقفة محارب لشباب الثورة, وقفة لتقويم المرحلة الأولي أي قيام الثورة التي نجحت, والاستعداد للمرحلة الثانية: حماية الثورة وإدارتها, وأزعم أن هذه المرحلة الثانية أصعب وأخطر من المرحلة الأولي, لأنها يجب أن تواجه معضلة ترتيب الأولويات لكي تحافظ علي إنجازات المرحلة الأولي وتدعمها, وبالتالي تحدد النتيجة النهائية للثورة. فلنتحول الآن من شعار المرحلة الأولي ارحل... ارحل إلي شعار المرحلة الثانية الذي يقتضي التخطيط والعمل الدءوب من أجل إسقاط منظومة... وإنقاذ وطن.