ب أماكن لكبار السن وذوى الهمم.. الإسكندرية ترفع درجة الاستعداد لاستقبال الناخبين للتصويت في انتخابات مجلس النواب    عاطف إمام عن شطبه من نقابة المهن الموسيقية: مصطفى كامل ظلمني    الثوم ب 100 جنيه.. أسعار الخضروات والفواكة في شمال سيناء    حكاية قرار أرعب إسرائيل 16 عامًا وقاتلت لإلغائه    الدفاع الجوي الروسية تسقط 71 طائرة أوكرانية مسيرة    بالرقم القومي.. 3 طرق للاستعلام عن لجنتك في انتخابات مجلس النواب 2025    ارتفاع أسعار النفط مدعومًا بتفاؤل بإعادة فتح الحكومة الأمريكية    مجلس الشيوخ الأمريكي يقر مشروع قانون تمويل الحكومة لإنهاء الإغلاق الحكومى    خبير أمريكي يتوقع التخلص من زيلينسكي قبل عيد الميلاد    أمريكا: اختبارات تكشف الجرثومة المسببة لتسمم حليب باي هارت    وزير الاستثمار: 16 مليار دولار حجم التجارة مع الصين.. ولدينا 46 شركة تعمل في مصر    واشنطن تضغط على إسرائيل لبدء المرحلة الثانية من خطة ترامب    الرئيس اللبنانى يؤكد ضرورة الضغط على إسرائيل لوقف اعتداءاتها المستمرة على البلاد    هاني رمزي: تجاهل زيزو لمصافحة نائب رئيس نادي الزمالك «لقطة ملهاش لازمة»    لجنة المرأة بنقابة الصحفيين تصدر دليلًا إرشاديًا لتغطية الانتخابات البرلمانية    «طلعوا الشتوى».. تحذير شديد بشأن حالة الطقس: استعدوا ل منخفض جوى بارد    نقل محمد صبحي للعناية المركزة بعد إغماء مفاجئ.. والفنان يستعيد وعيه تدريجيًا    وزير المالية: بعثة صندوق النقد تصل قريبًا ومؤشراتنا مطمئنة    الزراعة: تحصينات الحمي القلاعية تحقق نجاحًا بنسبة 100%    «محدش كان يعرفك وعملنالك سعر».. قناة الزمالك تفتح النار على زيزو بعد تصرفه مع هشام نصر    السوبرانو فاطمة سعيد: حفل افتتاح المتحف الكبير حدث تاريخي لن يتكرر.. وردود الفعل كانت إيجابية جدًا    «لاعب مهمل».. حازم إمام يشن هجومًا ناريًا على نجم الزمالك    شيري عادل: «بتكسف لما بتفرج على نفسي في أي مسلسل»    الأهلى بطلا لكأس السوبر المصرى للمرة ال16.. فى كاريكاتير اليوم السابع    عدسة نانوية ثورية ابتكار روسي بديل للأشعة السينية في الطب    السقا والرداد وأيتن عامر.. نجوم الفن في عزاء والد محمد رمضان | صور    اليوم.. العرض الخاص لفيلم «السلم والثعبان 2» بحضور أبطال العمل    «الكهرباء»: تركيب 2 مليون عداد كودي لمواجهة سرقة التيار وتحسين جودة الخدمة    مواجهات بين الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلى شمال القدس المحتلة    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الاثنين 10 نوفمبر    مساعد وزير الصحة: نستهدف توفير 3 أسرة لكل 1000 نسمة وفق المعايير العالمية    طوابير بالتنقيط وصور بالذكاء الاصطناعي.. المشهد الأبرز في تصويت المصريين بالخارج يكشف هزلية "انتخابات" النواب    ترامب يتهم "بي بي سي" بالتلاعب بخطابه ومحاولة التأثير على الانتخابات الأمريكية    رئيس لجنة كورونا يوضح أعراض الفيروس الجديد ويحذر الفئات الأكثر عرضة    الطالبان المتهمان في حادث دهس الشيخ زايد: «والدنا خبط الضحايا بالعربية وجرى»    وفاة العقيد عمرو حسن من قوات تأمين الانتخابات شمال المنيا    «مش بيلعب وبينضم».. شيكابالا ينتقد تواجد مصطفى شوبير مع منتخب مصر    معسكر منتخب مصر المشارك في كأس العرب ينطلق اليوم استعدادا لمواجهتي الجزائر    مي عمر أمام أحمد السقا في فيلم «هيروشيما»    باريس سان جيرمان يسترجع صدارة الدوري بفوز على ليون في ال +90    «لا تقاوم».. طريقة عمل الملوخية خطوة بخطوة    «لاعيبة لا تستحق قميص الزمالك».. ميدو يفتح النار على مسؤولي القلعة البيضاء    نشأت أبو الخير يكتب: القديس مارمرقس كاروز الديار المصرية    أمواج تسونامي خفيفة تصل شمال شرق اليابان بعد زلزال بقوة 6.9 درجة    محافظ قنا يشارك في احتفالات موسم الشهيد مارجرجس بدير المحروسة    مساعد وزير الصحة لنظم المعلومات: التحول الرقمي محور المؤتمر العالمي الثالث للسكان والصحة    3 أبراج «مستحيل يقولوا بحبك في الأول».. يخافون من الرفض ولا يعترفون بمشاعرهم بسهولة    ميشيل مساك لصاحبة السعادة: أغنية الحلوة تصدرت الترند مرتين    3 سيارات إطفاء تسيطر على حريق مخبز بالبدرشين    تطورات الحالة الصحية للمطرب إسماعيل الليثى بعد تعرضه لحادث أليم    كشف ملابسات فيديو صفع سيدة بالشرقية بسبب خلافات على تهوية الخبز    أداة «غير مضمونة» للتخلص من الشيب.. موضة حقن الشعر الرمادي تثير جدلا    ON SPORT تعرض ملخص لمسات زيزو فى السوبر المحلى أمام الزمالك    هل يجوز الحلف ب«وحياتك» أو «ورحمة أمك»؟.. أمين الفتوى يُجيب    هل يجوز أن تكتب الأم ذهبها كله لابنتها؟.. عضو مركز الأزهر تجيب    هل يذهب من مسه السحر للمعالجين بالقرآن؟.. أمين الفتوى يجيب    خالد الجندي: الاستخارة ليست منامًا ولا 3 أيام فقط بل تيسير أو صرف من الله    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فايزة سعد صوت الثورة الجزائرية وكنز أسرارها
لم تترك مكانا وقعت فيه معركة إلا وهرعت إليه
نشر في روزاليوسف الأسبوعية يوم 29 - 10 - 2025

ارتبطت مصر خلال الخمسينيات والستينيات بثورة الجزائر، وكانت الدولة المصرية فى ذلك الوقت خير داعم ومساند للقضية الجزائرية ومعركة الجزائريين من أجل التحرر من الاستعمار الفرنسى. «روزاليوسف» لم تكن غائبة عن المشهد، بل كانت فى القلب منه لا ترصد الحدث فقط، بل تشارك فى صنعه وتعايشه لحظة بلحظة، فى جبال ومرتفعات الجزائر وساحات الحرب الطويلة القاسية من أقصى البلاد على أقصاها.
لم ترسل صحفيًا شابًا لديه القدرة على تسلق الجبال والعيش تحت وطأة قذائف مدفعية الاحتلال الفرنسي، بل أرسلت صحفية شابة بألف رجل، الفريدة فى مسيرتها الصحفية الراحلة فايزة سعد. لم يتح لصحفى أن يعايش ثورة الجزائر مثلما عاشتها فايزة سعد، ظلت لسنوات طويلة تتابع وترصد بل تتنفس روح هذه الثورة، تسلقت سيرًا على قدميها جبال الأوراس الوعرة، لتلتقى بالثوار، حرصت على تسجيل ما رواه شهود العيان لتعيش على أرض المعركة تفاصيل هذه الثورة لحظة بلحظة منذ شرارتها الأولى وحتى تحقيق النصر وحصول الجزائر على الاستقلال.

انتقلت مثل المقاتل المغوار بعزيمة لا تكل ولا تمل من بدايات الثورة فى الشرق الجزائري، حتى قوافل السلاح فى وهران وتلمسان فى الغرب، لم تترك مكانًا وقعت فيه معركة بين الثوار وقوات الاحتلال الفرنسى إلا وهرعت إليه، ولم تترك ثائرًا قابلته فى طريقها إلا وسجلت دوره فى هذه الثورة، فكانت بمثابة المؤرخ والداعم لهذه الثورة بل وصوت الثورة الجزائرية فى مصر والعالم العربي، جاهدت بقلمها وغامرت بحياتها لتقدم نموذجًا للصحفى المقاتل، تحمل فى جعبتها تفاصيل لا يعرفها أحد عن الثورة الجزائرية، تفاصيل لم تجمعها كمن سمع، بل كمن سمع وشاهد وشارك.

فى السطور التالية نتعرف على بعض من تفاصيل وأسرار انطلاق الثورة الجزائرية كما سطرتها فايزة سعد على صفحات روزاليوسف:

بيان فرنسي رقم (1)
جاء فى البيان الفرنسى رقم «1» بشأن الثورة الجزائرية «حدث أثناء الليل بمناطق مختلفة من الأراضى الجزائرية - وعلى الأخص شرق قسنطينة «بمنطقة الأوراس» عدة عمليات حربية مختلفة بلغ عددها ثلاثين عملية.. قامت بها فرق صغيرة من الإرهابيين.. ونتج عنها قتل ضابط وجنديين فى مدينة «باتنه».. و«خنشلنه».. وجنديين من حراس الليل بمنطقة القبائل.. وكذلك أطلق الرصاص على مركز الخنديقة، وألقيت القنابل المحرقة والمصنوعة محليا ولكنها لم تسبب أضرارا.. سوى فى مخازن شركات الحبوب فى «بوفاريك» وشركة «سيلفان» للحديد بمنطقة القبائل» والحاكم العام يؤكد أنه قد اتخذ فور هذا الحادث، والحوادث الأخيرة.. الإجراءات الحازمة والسريعة لمجابهة الحالة.. والتى هى بين يدى القائد العام حيث يجرى تنفيذها.

كذلك استدعينا بعض قوات الاحتياط.. لتدعيم قواتنا بمناطق الأحداث.
وإن الشعب الذى يثق فيما يتخذه القائد العام من إجراءات لتهدئة الحالة.. وضمان الأمن للقضاء على الأقلية «المجرمة».. قد ساده بجميع الأوساط الهدوء.. وضبط الأعصاب!

إمضاء - روجيه ليونار - حاكم الجزائر العام - أول نوفمبر 1954

هكذا وصف حاكم الجزائر العام.. ليلة الثورة.. بأنها حوادث فردية.. قامت بها أقلية مجرمة.. ولم يكن الحاكم الفرنسى يدرك وهو يصدر بيانه الأول.. أن وراء هذه الأقلية المجرمة تنظيم ثورى تحت الأرض.. وفى الجبل.. وقد أصدر بيانه الأول إلى الشعب يوم 31 أكتوبر عام 1954.. حدد فيه أهداف الثورة.. ومبادئها.. ووسائلها، واعتبر اللجوء إلى السلاح هو الحل الأخير.. للاستقلال.. بعد فشل الأحزاب السياسية.. ومراوغة فرنسا، على أنه من الظلم أن يبدأ تسجيل الثورة الجزائرية من أول نوفمبر 1954.. كان هذا التاريخ.. بداية الثورة المنظمة.. لكنها بداية سبقتها أكثر من بداية:

البداية الأولى
الزمان 8 مايو 1945..
المكان: مدينة سطيف.
اعترض مناضلو الثورة الجزائرية.. على بداية أحداث الثورة، عندما ذهبت إلى خلشله وخراطة.. لأبدأ تسجيل التاريخ.. قالوا لى: صحيح.. أن الشرارة الأولى بدأت من أرضنا لكن من الظلم أن نتجاهل الأحداث الكبيرة التى مهدت لقيام الثورة.. إن بداية الثورة الحقيقية تعود إلى سنوات طويلة، قبل أول نوفمبر 1954.. أنها تبدأ بأحداث مدينة سطيف.. لا بد أن تذهبى أولا إلى «سطيف»، وستجدين نفسك تسيرين فى الطريق الصحيح للثورة.. عدت أدراجى إلى مدينة سطيف.. بعد أن تناولنا طعام الغداء.. المكون من الطعام الجزائرى.. «الكسكسى».. ولحم الخراف.. وانطلقت بى السيارة إلى مدينة سطيف.. دخلنا المدينة ليلا، فلم نتعرف على معالمها.. الفندق الذى قضينا فيه ليلتنا عرفنا فى الصباح أنه كان مقرا للقيادة الفرنسية.. ومركزا للاستنطاق، ويطلق عليه الفندق الكبير أو أوتيل دى فرانس.

البناء قديم رطب.. مظلم.. متداخل الطرقات.. ذو أسقف عالية.. الكثير من غرفه كانت تستخدم لتعذيب المجاهدين الجزائريين.

كانت ليلة مخيفة تخيلنا فيها كيف كان الفرنسيون يعذبون الثوار وكيف كانت تختلط أصوات الجلادين بأصوات الضحايا، وطار النوم من عيوننا، وانتظرنا الصباح بفارغ الصبر.

فى الصباح الباكر جدا.. تركنا الفندق للتعرف على مدينة سطيف.. وهى مدينة صغيرة - فقيرة وعلى بعد أمتار قليلة من الفندق الكبير وجدنا لوحة رخامية، كتب عليها: «هنا سقط أول شهداء أحداث سطيف 8 مايو 1945».. وكان لا بد لى أن أعرف قصة أحداث سطيف ممن عاصروها.

المعتقلون يتحدثون
الاسم: محمد الوعلة.
العمر: 31 سنة وقت الحادث.
الرتبة السياسية: مناضل بسيط فى حزب الشعب.
التهمة: واحد من ألفى مقاتل دخلوا السجن بتهم باطلة.. بعد أحداث 8 مايو 1945.
مدة العقوبة: خرجت من السجن بعد الاستقلال عام 1962.
شهادتك للتاريخ؟
فى 7 مايو.. كنا فى سطيف.. وصدرت لنا الأوامر، من حزب الشعب فى العاصمة أن نقوم بمظاهرة سلمية.. احتفالا بانتهاء الحرب العالمية الثانية، وانتصار الحلفاء.. جاءت الأوامر بالمظاهرة وتساءلنا: هل نقوم بها وحدنا كجزائريين؟ أم نشترك مع الأوروبيين؟

وانتصر الرأى الأول.. على أن تكون المظاهرة سلمية.. ترفع فيها الأعلام.. ونوزع المنشورات وسعينا لاجتذاب الناس.. أكبر قدر ممكن من أهالى سطيف.. قمنا بالدعوة للمظاهرة فى المقاهي، والمنازل والحمامات.. ولم تكن المظاهرة سوى فرصة لتقديم مطالبنا بالاستقلال.. الذى وعدتنا به فرنسا.. مقابل اشتراك الجزائر فى الحرب بجانب فرنسا.

تجمعنا فى مسجد المحطة.. منذ السادسة صباحا.. وسارت المظاهرة سلمية.. ونحن ننشد الأغانى الوطنية، للشيخ عبدالحميد بن باديس.. وواصل الموكب مسيره إلى ساحة الجندى المجهول.. لتنتهى المظاهرة كما كان مقدرا لها.. لكن المعمرين، أرادوا استفزازنا حتى نحتك بهم، وكان الاحتكاك عنيفا معهم.

لفت المظاهرة المدينة.. حتى اصطدمت بالشرطة العسكرية.. أمام الفندق الكبير.. وهو نفس الفندق الذى بت فيه ليلتى.. وأمام الفندق الكبير رفعت الجماهير علم الجزائر، وحاول أحد الجنود السريين أن ينزع العلم، من حامله «سعال بوزيد» وعندما قاوم سعال أطلقوا عليه الرصاص.. وقتلوه.. فتفرقت المظاهرة، إلا أنها عادت وتجمعت خارج المدينة على بعد 27 كيلومترًا من الفندق الكبير.. فى ناحية نسميها «العين الكبيرة» تجمع الأهالى.. وقرروا الانتقام.. واشتعلت الثورة.. وانفجرت المدينة الصغيرة.. وقتل الأهالى.. والحاكم العسكرى والحاكم المدنى.. ونائبه ومعمر آخر.. يعمل فى مصلحة البريد، فى سطيف، وانتقلت المظاهرة إلى عموشه.. وخرافة واستولى المتظاهرون على دار البلدية، وقاموا بالاستيلاء على جميع الأسلحة التى وزعت على المتظاهرين الذين حاولوا السيطرة على المدينة واحتلالها.

فى صباح اليوم التالى استدعت السلطات الفرنسية قوات كبيرة من جيش الاحتياط، جاءت المدرعات والدبابات، وحاصرت المدينة وجمعوا الأهالى.. كل من يقابلهم أخذوه وفرضوا عليهم أن يحفروا خندقا كبيرا.. وأمروهم بالنزول فيه.. وأطلقوا عليهم الرصاص.

أكثر من 45 ألف شهيد.. قتلوا بهذه الطريقة الوحشية.. وسجن باقى الأهالي، مدى الحياة ويوم استقلت الجزائر.. خرج من السجون 500 رجل كانوا محبوسين منذ أحداث سطيف.

وانطلقت حركة اعتقالات كبيرة شملت العين الكبيرة، وعين عباسة، وقسنطينة أما الذين نجوا من الذبح الجماعى.. فقد حكم عليهم بالإعدام.. ووجهت إليهم تهم جنائية.. وبلغ عدد المسجونين الذين قبض عليهم بعد أحداث سطيف أكثر من عشرة آلاف جزائري، منهم 600 حكم عليهم بالإعدام.. وبالفعل نفذ الحكم فى 45 شخصا.

مذبحة 20 أغسطس

لم تكن مذبحة 8 مايو - عام 1945 فى سطيف هى المذبحة الوحيدة - التى قام بها الفرنسيون.. كان أسلوب الذبح الجماعى هو الأسلوب الوحيد الذى يواجه به الفرنسيون أى مقاومة من الجزائريين.. إلا أن المذبحة التى نافست مذبحة سطيف فى بشاعتها وقعت فى 20 أغسطس.. فى منطقة الملعب.. بمدينة سكيكدة - التى تقع فى الشرق الجزائرى على شاطئ البحر الأبيض المتوسط.

وصلنا سكيكدة.. مدينة فى جمال «الإسماعيلية» يصيد أهلها السمك ويعيشون على الزراعة.. وبعد الاستقلال أقامت الحكومة الفنادق الحديثة، وأحدث مركب صناعى فى العالم لتجميع الغاز الطبيعى.. إنها مدينة صناعية.. وميناء بترولى.. مهم.. شاطئ سياحى.. جميل.

على الأرض الواسعة.. لقد ولد هؤلاء الصغار، منذ سنوات قليلة.. لم يعاصروا الأحداث القاسية، التى جرت فوق الأرض التى يمرحون فوقها.. لكن حارس الملعب العجوز «الجرو حسين» يعرف ما حدث ويحفظه عن ظهر قلب.. إن عمره - الآن - تجاوز الخامسة والستين.. وكان عمره وقت تلك الأحداث 37 عامًا.. هو.. إذن - شاهد عيان من قلائل يعدون على أصابع اليد الواحدة مازالوا على قيد الحياة.

قال الجرو حسين أو «الزفزاف»: حاصر الفرنسيون المدينة.. وأرادوا الانتقام من أهلها، بعد أن هاجم بعض المجاهدين بعض نقاطهم العسكرية، حاصروا المدينة وجمعوا الأهالى فى مجموعات وساقوهم إلى أرض الملعب.. وأطلقوا الرصاص عليهم.. وقد كنا فى البداية ندفن الأموات وسط المدينة، وعندما لم نجد مكانا جئنا إلى هنا.. ولحق بنا الفرنسيون.. جاءوا باللوريات تحمل الأهالى وأمروهم بأن يحفروا خندقا كبيرا، وألزموهم بالنزول بأقدامهم فيه.. وانهالوا عليهم الرصاص.. ثم يأتى البلدوزر ليساويهم بالأرض.. واختلط الدم.. والتراب والعرق.. والصراخ.. وأشلاء البشر.

ولايزال البلدوزر موجودا بمتحف الثورة فى العاصمة الجزائرية.. تاريخ لا يعرفه سواى.. أكثر من سبعة آلاف شهيد.. تحت هذه الأرض التى ندوس عليها.. ويجرى فوقها الأطفال يمرحون.. دون أن يعرفوا أنهم يلعبون فوق «مقبرة جماعية» صنعها الفرنسيون يوم 20 أغسطس.

هناك مكان آخر يطلقون عليه مجارى الرومان.. ومذبحة ثالثة وقعت فى منطقة الزنزانة.
انتهى كلام الجرو العجوز...!

التفاهم المستحيل

كانت أحداث 8 مايو عام 1945 بمثابة عودة الوعى.. للشعب الجزائرى.. فقد ولدت الوطنية الجزائرية فى ذلك اليوم.

الحدث الثاني: هو إنشاء المنظمة السرية «لوس»
تطعم حزب الشعب الجزائرى.. خلال الحرب العالمية الثانية.. بعناصر شابة جديدة ومثقفة.. تتمتع بحيوية فائقة.. وطموح جبار.. وهى التى صدمت فى حوادث 8 مايو 1945 وتفاءلت هذه العناصر.. على عكس أكثرية الجزائريين بحوادث 8 مايو.

ورأت فيها تجربة مهمة، وحافزا لدفع الشعب الجزائري، إلى اتخاذ موقف أصلب وأنشاء تنظيم أحكم.. وإذا بحزب الشعب يعلن عن اسم جديد لحزبه.. هو حركة الانتصار للحريات الديمقراطية، ليتمكن بهذا الاسم من ترشيح أعضائه فى الانتخابات.. والانتخابات فى نظر العناصر الشابة تراجع - وتفتيت للجهود.

وامتد سخطهم إلى كثير من مناضلى الحزب المخلصين.. وكادت أن تحدث أزمة داخل الحزب، لولا أن معالى الحاج.. زعيم الحزب.. تدارك الوضع بالدعوة إلى عقد مؤتمر وطنى.. وفعلا انعقد المؤتمر الذى استمر ثلاثة أيام.. وظهر فى أفق الحزب ثلاثة تيارات.

التيار الأول: يتمثل فى حزب الشعب الجزائرى. ويرى أن الحزب يرهن على قدرته فى الكفاح ومن الأفضل الإبقاء عليه كما كان.. خاصة أن الجماهير متعلقة به..

التيار الثاني: تيار الشرعية ويرى أن الظروف تغيرت ولا بد للحزب أن يتغير ويتطور ليكون فى مستوى الأحداث الوطنية والعالمية.. ومن المتغيرات - ظهور المجالس النيابية. ولا يليق بالحزب أن يبقى بمعزل عنها.. إذ لا بد له أن يخوض المعارك الانتخابية، ليرفع كلمة الاستقلال من أعلى المنابر الرسمية..



التيار الثالث: تيار العمل الثورى.. وأغلب عناصره من الشباب المتحمس، ويرى أن التجارب أثبتت فشل الوسائل السلمية، وأن أحداث 8 مايو خير دليل، ومن غير المعقول ألا يتجه الحزب وجهة جديدة لتأمين وجوده ولفرض مطالبه بإعداد عسكري، عن طريق منظمة عسكرية سرية.. حتى لا يؤخذ المناضلون على غرة.. كما أخذوا فى الثامن من مايو 1945.

هذه هى التيارات الثلاثة التى ظهرت فى المؤتمر.. غير أن معالى الحاج.. أنقذ الموقف بالإبقاء على حزب الشعب الجزائرى.. ليواصل مهمته السياسية فى إطار السرية كما كان.. والإبقاء على حركة الانتصار للحريات الديمقراطية.. كحزب شرعى يبلغ صوتنا للجماهير.. والرأى العام الفرنسى والعالمى.. ووافق على إنشاء جناح عسكرى يتولى تدريب المناضلين عسكريا.. وتكوينهم سياسيا ولذلك نكون قد هيأنا أنفسنا واستخدمنا جميع الوسائل من أجل تحرير البلاد.

وأسندت مهمة إنشاء المنظمة السرية للشهيد محمد بلوزداد.. الذى لم يمهله القدر ومات وبرزت المنظمة السرية «لوس» إلى الوجود.. وفيها تكونت الإطارات الثورية ومنها الثورة التى أسندت إليها، تأسيس جبهة التحرير الوطنى والتى أصدرت بيان أول نوفمبر.

وفى 10 أكتوبر عام 1954.. وفى منزل الأخ.. بوكشورة مراد.. صانع الأحذية والأدوات الجلدية.. بحى «لابوانت» غرب مدينة الجزائر.. اجتمع الأعضاء الستة للجنة تحضير الثورة.. واستعرضوا برنامجهم.. وقرروا أن تتحول اللجنة الثورية للوحدة والعمل.. إلى جبهة التحرير.. الوطنى.. سياسيا.. وإلى جيش التحرير الوطنى عسكريا.. وبعد عشرة أيام أخرى. عقدوا اجتماعا آخر فى محل الأحذية.. الذى يمتلكه الإخوان بوكشورة مراد وبوكشورة مجيد وشكلوا القيادة التى ستبدأ بالمعركة، مصطفى بن بولعيد.. وديدوش مراد.. والعربى بن مهيدى.. ورابح بيطاط وكريم بلقاسم.. محمد بوضياف.

وقسموا البلاد إلى ست مناطق.. فى الداخل.. وعينوا مسئولين فى الخارج.. مهمتهم إبلاغ العالم بما يحدث فى الداخل.. وتقديم المساعدات إذا كان ذلك فى استطاعتهم.. ولم يتفهم أن يكونوا احتياطيا لكل قائد، وتركوا ما فى هياكل التنظيم للتجربة والزمن يحددها بواقعية.

وقبل أن يفترقوا.. اتفقوا على أن يلتقوا مع بداية 1955.. لدراسة الأوضاع وردود الفعل بعد تفجرهم الثورة فى أول نوفمبر.. لكن الظروف لم تسنح لهم لذلك اللقاء إلا فى عام 1956.. عند انعقاد مؤتمر الصومام!

ساعة الصفر

فى تمام الساعة الواحدة بعد منتصف ليلة الاثنين من أول نوفمبر - انطلقت أول رصاصة فى الثورة.. بعدما قامت القيامة وانطلق أكثر من ثلاثة آلاف رجل.. خرجوا من معاقلهم فى جبال الأوراس، وجبال جدجدة.. وفاجأوا القوات الفرنسية وبلغ عدد العمليات فى ذلك اليوم ثلاثين عملية عسكرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.