مر عامان على الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وخلفت هذه الفترة فاتورة باهظة لإسرائيل، لم تقتصر على الخسائر البشرية فحسب، بل امتدت لتشمل العتاد العسكرى وتضرب العمق الاقتصادى. على الرغم من التكتم والرقابة العسكرية المشددة التى يفرضها جيش الاحتلال على الأرقام، تواصل الصحف الإسرائيلية نشر بيانات تُقدر الخسائر الفعلية التى تحاول الحكومة إخفاءها. تضليل واسع أشار موقع «هاماكوم» الإسرائيلى إلى وجود تضليل واسع تخفيه وزارة الدفاع حول الثمن البشرى الحقيقى للحرب. تضاف إلى ذلك تداعيات غير مباشرة خطيرة، مثل ارتفاع حالات الانتحار بين الجنود، والإصابات النفسية، وحالات الهروب والهجرة من إسرائيل، إلى جانب الخسائر الاقتصادية التى تُقدر بنحو 400 مليار دولار على مدى العشر سنوات المقبلة. الخسائر البشرية 1. تُشير التقديرات إلى أن إجمالى عدد القتلى فى صفوف الجنود والضباط الإسرائيليين بلغ نحو 1953 قتيلًا، من بينهم 395 جنديًا من جيش الاحتلال، و10 من جهاز الأمن، و59 ضابط شرطة. ويشمل عدد الضحايا أيضًا ما يقرب من 70 قتيلًا أو مفقودًا من المواطنين العرب الإسرائيليين، غالبيتهم من بدو النقب. أما الإصابات، فقد وصلت إلى حوالى 19,485 من المجندين والاحتياط، بدرجات متفاوتة. وكشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن نحو 18,500 عنصر من الجيش وقوات الأمن (دون المدنيين) أصيبوا منذ بداية الحرب، ودخلوا أقسام إعادة التأهيل التابعة لوزارة الدفاع. ويعكس هذا التباين الكبير فى البيانات سياسة التكتم الإسرائيلية التى واجهت انتقادات داخلية واسعة لإخفائها الحصيلة الحقيقية. شهد الجيش الإسرائيلى ارتفاعًا ملحوظًا فى المصابين بالأمراض النفسية والعصبية، حيث سُجلت عشرات الآلاف من حالات الصدمات النفسية والضغط بين الجنود والضباط. كما سجلت وسائل الإعلام الإسرائيلية ارتفاعًا حادًا فى حالات الانتحار بين الجنود والضباط، بلغت 42 حالة منذ بدء معركة طوفان الأقصى. الخسائر العسكرية 2. على الصعيد العسكري، تكبد جيش الاحتلال خسائر كبيرة فى الآليات والمعدات. بلغت التكلفة الإجمالية حتى الآن حوالى 305 مليارات شيكل (ما يقارب 87 مليار دولار)، مع توقعات بوصول تكلفة القتال فى القطاع وحده إلى 200 مليار شيكل (حوالى 57 مليار دولار) بنهاية عام 2025، مما سيشكل ثقلًا كبيرًا على الموازنة العامة للدولة. اعترفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» بأن الجيش أبلغ المحكمة العليا بتضرر العديد من دباباته خلال حرب غزة، وأن إمداداته من الذخيرة آخذة فى النفاد. ونقلت الصحيفة عن ملف المحكمة أن عدد الدبابات العاملة غير كافٍ. رغم تضارب البيانات حول العدد المحدد للآليات المدمرة، إلا أن التقارير الإعلامية الإسرائيلية أكدت ضخامة الخسائر، مشيرة إلى أن الجيش الإسرائيلى استعان لأول مرة فى تاريخه بشركات خاصة لإصلاح مركباته العسكرية المدرعة التى تضررت على يد المقاومة الفلسطينية. الخسائر الاقتصادية أتم الاقتصاد الإسرائيلى العام الثانى من الحرب بتكبده خسائر طائلة وبتزايد سوء السمعة الدولية لتل أبيب، رغم الدعم الأمريكى المعلن. يُعانى الإسرائيليون من ارتفاع تكاليف المعيشة وتباطؤ النمو الاقتصادى. وتضمنت الخسائر إجلاء ما يقارب 250 ألف إسرائيلى من منازلهم من الجنوب والشمال، لم يعد حوالى 40% منهم حتى اليوم. وقد كلف إيواؤهم 438 فندقًا ومنشأة إخلاء، حوالى 6.4 مليارات شيكل (1.8 مليار دولار). يتوقع خبراء الاقتصاد أن تشكل الخسائر الاقتصادية على مدى العقد المقبل حوالى 400 مليار دولار من إجمالى النشاط الاقتصادي، وتمثل 90 % منها آثارًا غير مباشرة مثل انخفاض الاستثمار وتعطّل الأسواق. وتحدثت صحيفة «فايننشال تايمز» عن فداحة الخسائر، مؤكدة أن الحرب أحدثت موجة من الصدمات فى الاقتصاد، خاصة بعد استدعاء حوالى 350 ألف جندى احتياطي، أى نحو 8 % من القوة العاملة، مما أدى إلى إغلاق الشركات. كما ذكرت «فايننشال تايمز» أن إسرائيل اضطرت إلى اقتراض 6 مليارات دولار فى الأسابيع الأخيرة من خلال صفقات تم التفاوض عليها بشكل خاص لتمويل حربها، ودفعت تكاليف اقتراض مرتفعة بشكل غير عادى لإنجاز تلك الصفقات. الخسائر الفلسطينية على الجانب الفلسطيني، تجاوزت الخسائر البشرية 65,000 شهيد، غالبيتهم العظمى من النساء والأطفال، بالإضافة إلى أكثر من 450 شهيدًا بسبب الجوع وسوء التغذية، والمفقودين تحت الأنقاض الذين قد يصل عددهم إلى 5,000. ورغم هذه الكارثة الإنسانية، اكتسبت القضية الفلسطينية زخمًا دوليًا تمثل فى الاعتراف المتزايد بالدولة الفلسطينية فى الأممالمتحدة مؤخرًا. أوضح تقرير صادر عن المكتب الإعلامى الحكومى فى قطاع غزة أن نحو 90 % من البنية التحتية فى القطاع دُمّرت بعد مرور 700 يوم على الحرب المستمرة. ولحق الدمار بمختلف القطاعات الاقتصادية. ووفقا للمكتب الإعلامي، فقد ألقت القوات الإسرائيلية نحو 125 ألف طن من المتفجرات على القطاع، مما أسفر عن تدمير شبه كامل للمبانى والمنشآت الحيوية. وبحسب البيان، فإن آلة الحرب الإسرائيلية تدمر يوميًا قرابة 300 مبنى فى قطاع غزة، وقد دمرت بالفعل أكثر من 90 % من المبانى تقريبًا. وأشار المكتب إلى أن الحرب استهدفت 15 قطاعًا حيويًا، مبينًا أن إجمالى الخسائر الأولية المباشرة لهذه القطاعات يتجاوز 68 مليار دولار. فى النهاية، وسواء استمرت الحرب أو انتهت، فإنها توصف بأنها حرب صفرية خرج منها الجميع خاسرًا، سواء كانت إسرائيل أوالفلسطينيين.