ظل الأزهر الشريف، منذ نشأته قبل أكثر من ألف عام، منارة علم وضمير يقظ يدافع عن حقوق الأمة الإسلامية ومقدساتها.. وخلال السنوات الأخيرة، بَرَزَ دوره المقاوم لخطط الكيان الصهيونى لتصفية القضية الفلسطينية؛ إذ تحول إلى منبر رئيسى فى المعركة الإعلامية والمعنوية ضد الاحتلال. منذ اندلاع العدوان على غزة فى أكتوبر 2023، حملت بيانات وتصريحات الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب لهجة شديدة وصريحة تدين جرائم الاحتلال وتدعو العالم للتحرك لوقف هذه المجازر. لم تكن رسائل الأزهر مجرد خطب دينية، بل كانت بمثابة رسائل سياسية وأخلاقية أثارت قلق صناع القرار فى تل أبيب. نظرًا للمكانة الرفيعة التى يحتلها الأزهر الشريف فى قلوب المسلمين فى مشارق الأرض ومغاربها. بيانات نارية فى تصعيد غير مسبوق فى لهجة الخطاب، هزت سلسلة من البيانات والتصريحات الصادرة عن الأزهر الشريف وشيخه الصمت الذى طالما لف العديد من المؤسسات الدينية، لتثير قلقًا كبيرًا فى أروقة الكيان الصهيونى، الذى اعتبر هذه التصريحات بمثابة تحريض مباشر ضد وجوده وسياساته. بدأت البيانات فى أكتوبر 2023، حينما وصف الإمام الأكبر ما يجرى فى غزة ب«الإرهاب الأعمى» و«الانتهاك السافر لكل القوانين الدولية»، مطالبًا بمحاسبة إسرائيل على ما وصفها «جرائم حرب». ثم تصاعدت اللهجة فى يناير 2024، حينما ندد الأزهر بالمجازر فى رفح، واصفًا الحصار الغذائى والطبى بأنه «سياسة تجويع ممنهجة» ترقى إلى «جريمة إبادة». وصمة عار لكن البيان الأشد وقعًا كان فى الثانى والعشرين من يوليو 2025، حيث نشر الأزهر بيانًا ناريًا وصف فيه ما يحدث بأنه «إبادة جماعية» و«وصمة عار على جبين الإنسانية». ولم يكتفِ البيان بذلك، بل هاجم ازدواجية المعايير الدولية بشكل مباشر، متهمًا المجتمع الدولى بالتواطؤ والصمت على جرائم الاحتلال. لم تمر سوى ساعات قليلة على نشر بيان يوليو 2025 حتى تصدرت ردود الفعل الإسرائيلية الإعلام العبرى. ففى تحليل لها، اعتبرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن «الأزهر، أكبر مؤسسة سنية فى العالم، يشعل خطاب الكراهية ضد إسرائيل ويحرّض العالم الإسلامى»، محذرةً من تأثير ذلك على الرأى العام الإسلامى. وفى سياق متصل، حذرت صحيفة «معاريف» من أن لهجة الأزهر قد «تؤثر على صورة إسرائيل عالميًا وتغذى حملات المقاطعة»، مما يعكس قلقًا حقيقيًا من أن تتحول هذه التصريحات إلى حراك شعبى واقتصادى ضد الكيان. مرصد الأزهر لم تعد مواجهة الأزهر الشريف لجرائم الاحتلال فى غزة مقتصرة على البيانات والتصريحات، بل امتدت لتشمل العمل التوثيقى الممنهج عبر مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، الذى أصدر مؤخرًا أحد أخطر التقارير التى تفضح ممارسات جيش الاحتلال الإسرائيلى. اعترافات صادمة كشف تقرير صادر عن وحدة رصد اللغة العبرية فى المرصد، اعترافات صادمة أدلى بها جنود وضباط فى جيش الاحتلال، نقلها موقع «سيحاه مكوميت» العبرى. تكشف هذه الاعترافات فصولًا جديدة من حرب الإبادة الممنهجة على قطاع غزة، وتوثق شهادات سبعة من جنود الاحتلال تؤكد استخدام طائرات مسيَّرة صينية الصنع، تم تعديلها بشكل بدائى، لإلقاء قنابل يدوية عن بُعد. هذه الممارسات أدت إلى قتل متعمد للمدنيين، وخاصة النساء والأطفال. استهداف المدنيين يوضح التقرير أن هذه الطائرات كانت تُستخدم دون إذن من القيادات العليا، وأن أى تحرك بشرى فى المناطق المصنفة «محظورة» كان يُستهدف مباشرة. وروى الجنود مشاهد مروعة عن قتل عشرات المدنيين وترك جثثهم فى العراء لتلتهمها الكلاب الضالة، إلى جانب الاستهداف المتكرر لمراكز الإغاثة والناجين من القصف. وبيّنت الشهادات أن %75 من الضحايا كانوا مدنيين عُزل، ما يدحض المزاعم الإسرائيلية المتكررة باستهداف «المقاومين» فقط. عقيدة متطرفة شدد مرصد الأزهر فى تقريره على أن هذه الجرائم ليست مجرد «أخطاء فردية»، بل هى نتاج «عقيدة صهيونية متطرفة تشرعن قتل غير اليهود». وخلص التقرير إلى أن ما يحدث فى غزة لا يمثل تهديدًا للسلم والأمن الدوليين فحسب، بل هو تهديد للقيم الإنسانية جمعاء. ستارمخادع فى إطار متابعته الدقيقة لجرائم الاحتلال ومخططاته، كشف مرصد الأزهر لمكافحة التطرف عن مشروع بالغ الخطورة يسعى الاحتلال الصهيونى لتنفيذه فى رفح، تحت لافتة «المدينة الإنسانية». وحذّر المرصد من أن هذا المشروع ليس سوى ستار مخادع لإقامة سجن جماعى كبير يُحتجز فيه مئات الآلاف من أبناء غزة، فى خطوة تمثل المرحلة الأولى من مخطط تهجيرى ممنهج يهدف إلى تفريغ القطاع من سكانه الأصليين وفرض واقع ديموغرافى جديد يخدم الأطماع الاستيطانية. مخططات عنصرية وفى ختام تقريره، شدَّد مرصد الأزهر على أن هذه المخططات العنصرية، إذا لم تُواجه بضغط دولى حازم، فإنها تمثل نذير نكبة جديدة تستهدف اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم التاريخية، وتهدد بإحداث تحولات ديموغرافية خطيرة فى المنطقة، بما ينذر بموجات فوضى واضطرابات تتجاوز حدود غزة. ودعا المجتمع الدولى إلى التحرك العاجل لوقف هذا المخطط الاستيطانى التطهيرى وفضح الأوهام التى يحاول الاحتلال تسويقها تحت شعارات «الإنسانية» و«الإغاثة». ردود فعل لم تكتفِ تل أبيب بالتعليق عبر صحفها ضد الأزهر الشريف، بل شنَّت حملة انتقاد مباشرة شملت: القناة 14 الإسرائيلية، والتى وصفت الإمام الأكبر بأنه «روح العداء تجاه إسرائيل فى العالم الإسلامى»، واتهمت الأزهر ب«التحريض وإثارة الحنق فى الشارع العربى». السفيرة الإسرائيلية السابقة فى القاهرة، أميرة أورون، صرَّحت أن «عداء الأزهر غير المسبوق تجاه إسرائيل يلامس حد معاداة السامية». مراكز أبحاث إسرائيلية، مثل معهد دراسات الأمن القومى (INSS): حذرت من تأثير مواقف الأزهر على الرأى العام العربى، واعتبرت خطابه تهديدًا لمشاريع التطبيع. شرعية دينية ويبقى سؤال مهم وهو: لماذا تخشى إسرائيل الأزهر الشريف؟ الحقيقة أن الأزهر لا يملك جيوشًا، لكنه يمتلك شرعية دينية وتأثيرًا معنويًا على مئات الملايين من المسلمين. وصف شيخ الأزهر للاحتلال بأنه «كيان غاصب» و«مجرم حرب» يمنح القضية الفلسطينية غطاءً شرعيًا يحرج الحكومات المترددة ويحرك الشارع. بيانات الأزهر تُستخدم كوثائق ضغط فى المحافل الدولية، وتدعم حملات المقاطعة وملفات المحاسبة القانونية. الإعلام الإسرائيلى يعترف بأن الأزهر قادر على صياغة المزاج العام فى الشرق الأوسط تجاه إسرائيل، وهو ما يجعله هدفًا للهجوم والتشويه. مادة للنقاش إسرائيليًا: بيانات الأزهر تتحول إلى مادة للنقاش فى الكنيست، وتثير موجات انتقاد فى الإعلام العبرى، حيث تُتَّهم بأنها «تحريضية» و»معادية للسلام». دوليًا: منظمات حقوق الإنسان تعتبر تصريحات الأزهر مرجعًا أخلاقيًا فى إدانة الاحتلال. باختصار يبقى الأزهر صوتًا قويًا فى الدفاع عن فلسطين، لكنه يتحرك فى مساحة حساسة. فالأزهر اليوم ليس مجرد مؤسسة تعليمية، بل جبهة معنوية فى مواجهة الاحتلال، وصوت إذا ارتفع يصل صداه إلى قلب تل أبيب. وإذا كانت إسرائيل تخشى من بيانات الأزهر، فذلك لأنها تدرك أن الكلمة - حين تصدر من منبر يمتد تأثيره لأكثر من ألف عام - قد تكون أبلغ من أى سلاح.