لم تعد تطبيقات الفيديو مجرّد منصات للتعارف أو الدردشة الاجتماعية؛ بل تحولت فى السنوات الأخيرة إلى فضاء متعدد الأغراض، يتداخل فيه المشروع مع الممنوع.. فمن محادثات بريئة بين الأصدقاء، إلى محتوى مدفوع الطابع الجنسى، باتت تطبيقات مثل Tinder، Bumble، خصوصًا منصات البث الحى مثل Chaturbate وOnlyFans Live، مرادفًا لصناعة رقمية تتجاوز قيمتها عشرات المليارات من الدولارات عالميًا.. هذه التطبيقات تقدم خدمات مرئية مباشرة (Video Chat أو Live Streaming)، تسمح بتواصل لحظى بين المستخدمين، وتفتح الباب واسعًا أمام ممارسات ذات طابع جنسى، غالبًا بعيدًا عن الرقابة الفعالة. حجم السوق وإغراء الربحية تشير تقديرات شركات الأبحاث الدولية إلى أن سوق الترفيه الجنسى عبر الإنترنت تجاوزت 76 مليار دولار فى 2024، مع توقعات بأن تقفز إلى ما يفوق 118 مليار دولار بحلول 2030 بمعدل نمو سنوى يقارب 7.5 ٪. ولا تقتصر هذه السوق على المواقع المخصصة؛ بل تمتد لتشمل تطبيقات «التواصل المرئى» التى تستفيد من قابلية البث الحى والاشتراكات المدفوعة داخل التطبيقات. نموذج مثل OnlyFans، على سبيل المثال، حقق فى 2023 إيرادات بلغت 1.3 مليار دولار، فيما وصلت أرباح الشركة قبل الضرائب إلى نحو 658 مليون دولار، بينما دفع المستخدمون أكثر من 6.6 مليار دولار مباشرة للمؤثرين والمحتوى الجنسى المعروض عبر الفيديو. هذه الأرقام تفسّر لماذا تتحول تطبيقات التواصل إلى منصات للدعارة الإلكترونية، حتى إن لم تُعلن ذلك صراحة. فخدمة الفيديو التفاعلى لا توفر فقط قناة سريعة للتعارف؛ بل أيضًا وسيلة لتبادل محتوى جنسى مباشر تحت غطاء «الحرية الشخصية». الواقع مختلف ورغم أن السوق العالمية تعيش طفرة؛ فإن الصورة فى الشرق الأوسط ومصر مختلفة تمامًا. هنا تُعتبر القوانين صارمة تجاه أى شكل من أشكال «تسليع الجنس». فى مصر مثلاً، ينظم قانون مكافحة الدعارة رقم 10 لسنة 1961، إلى جانب قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات رقم 175 لسنة 2018، أى نشاط إلكترونى يمكن أن يُفسّر على أنه تحريض على الدعارة أو الفجور. وهذا يضع تطبيقات الفيديو ذات الطابع الجنسى مجرَّمة، ويجعل أى استخدام تجارى لها محفوفًا بمخاطر قانونية حقيقية. مع ذلك؛ يظل الطلب قائمًا. تقارير شركات تحليل السوق تشير إلى أن سوق تطبيقات المواعدة فى الشرق الأوسط وإفريقيا تساوى نحو 170 مليون دولار سنويًا (2024)، مع توقعات بالنمو بنحو 7 - 8 ٪ سنويًا. وهذا الرقم يتضمن استخدامات متنوعة، لكنّ جانبًا منها يرتبط مباشرة بالمحتوى الجنسى عبر الفيديو. الرقابة بين القانون والتقنية على المستوى الرقابى، تعمل الحكومات فى المنطقة عبر آليتين رئيسيتين: (1) الحََجب والملاحقة كثير من المنصات التى تتوسع فى المحتوى الجنسى (مثل Chaturbate أو Cam4) محجوبة فى مصر والسعودية والإمارات، وتقوم الأجهزة الأمنية بملاحقة أى وساطة رقمية لها. فى مصر؛ وثّقت تقارير صحفية وحقوقية حالات استدراج عبر تطبيقات مواعدة مثل Grindr؛ حيث يُستخدم التطبيق لاصطياد المستخدمين الذين يمارسون سلوكًا يجرمه القانون. (2) الرقابة الذاتية للشركات بعض التطبيقات العالمية تطبق سياسات خاصة فى الشرق الأوسط. على سبيل المثال، لا تسمح نسخ Tinder أو Bumble الموجهة لأسواق الشرق الأوسط بالإعلانات ذات الطابع الجنسى الصريح، وتفرض قيودًا على المحتوى المرئى الذى يمكن تداوله عبر خاصية الفيديو. لكن هذا لا يمنع المستخدمين من الالتفاف على القيود بطرق مختلفة (VPN، حسابات مموهة، أو استضافة المحتوى عبر منصات أخرى). الخصوصية والأمان من أبرز المخاطر التى تواجه مستخدمى هذه التطبيقات هو ضعف الأمان الرقمى. وفقًا لمراجعة أجرتها مؤسّسة موزيلا (2024)، فإن نصف تطبيقات المواعدة التى تعتمد على الفيديو تعرضت لاختراق أو تسريب بيانات خلال ثلاث سنوات، فيما أظهرت 80 ٪ من التطبيقات استعدادًا لمشاركة أو بيع بيانات المستخدمين مع أطراف إعلانية. هذه الممارسات ترفع مخاطر ابتزاز المستخدمين. الواقع يقول إن هناك طلبًا حقيقيًا ومتزايدًا على هذه الخدمات؛ خصوصًا بين الشباب الذين يستخدمون الفيديو كوسيلة للتعبير الشخصى. لكن فى المقابل، الإطار القانونى والاجتماعى فى الشرق الأوسط يجعل أى نشاط جنسى عبر الفيديو محفوفًا بالمخاطر. لهذا السبب؛ تظل السوق الإقليمية صغيرة مقارنة بالأسواق الغربية، لكنها لا تتوقف عن النمو؛ حيث تعد تلك أحد أسباب خروج أرقام كبيرة من العملة الصعبة للخارج عبر الاشتراكات المدفوعة لتلك التطبيقات. المعادلة التى تواجهها هذه التطبيقات معقدة؛ حيث تسعى لتحقيق أرباح من خدمات فيديو ذات طابع جنسى فى بيئة تعتبر ذلك جريمة.. لذلك تلجأ لما يعرف ب«الإعلانات المموهة»، من خلال تسويق التطبيق على أنه منصة تعارف أو تواصل، مع ترك الباب مفتوحًا للمستخدمين لتطوير استخداماتهم الخاصة، فى حين تتبرأ الشركة رسميًا من أى محتوى مخالف. مؤتمر دولى فى هذا السياق؛ حيث تخرج تلك التطبيقات من شركات متعددة الجنسيات وعابرة للحدود كان من المهم أن نسأل: كيف يتعامل القانون الدولى معها؟ توجّهنا بالسؤال للدكتور أحمد فوزى، أستاذ القانون الدولى وعميد «حقوق بنى سويف» السابق.. الذى قال لنا: «اعتبرت الأممالمتحدة من خلال قرارات الجمعية العامة، أن استخدام النساء والأطفال فى مجال الدعارة والاتجار بهم فيما كان يتم عبر الأطلسى نوعًا من «الرق الأبيض» الذى يعارض حق الإنسان فى الحياة الكريمة، وعدم جواز خضاعه لنظام عبودية وعدم امتهان كرامته وحرياته الأساسية، بل اعتبرت يوم 25 مارس من كل عام يومًا دوليًا لإحياء ذكرى ضحايا تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسى يتم الاحتفال به سنويًا.. ودعت إلى وضع برامج توعوية لتوضيح مخاطر تجارة الرقيق وآثارها السيئة على الإنسان والصحة والحريات؛ حيث أشارت الإحصائيات فى عام 2016 إلى أن أكثر من 40 مليون شخص كانوا ضحايا للرق الأبيض والاستغلال الجنسى، 71 % منهم من النساء والفتيات». ولمواجهة هذا الخطر العالمى، قال «فوزى» إن «العالم اليوم فى حاجة لتنظيم مؤتمر دولى يسفر عنه بروتوكول أو اتفاقية عالمية جديدة لمحاربة الدعارة بكل أشكالها؛ وبخاصة الإلكترونية». تطبيقات الفيديو «الجنسية» تمثل اليوم أحد أسرع قطاعات التكنولوجيا نموًا عالميًا، بفضل نماذج الاشتراكات والبث المباشر. لكن فى مصر والمنطقة العربية، تظل هذه التطبيقات خاضعة لرقابة قانونية مشددة، ما يجعلها تتحرك بين الطلب المرتفع والقيود الصارمة. وبينما تحقق المنصات العالمية أرباحًا بمليارات الدولارات، يعيش المستخدم المحلى فى مساحة رمادية، قد تنتهى بالملاحقة أو الابتزاز. هكذا تبقى هذه التطبيقات مرآة لمعادلة العصر الرقمى الذى نعيشه؛ إذ تفتح التكنولوجيا كل الأبواب أمام المفيد والمجرّم فى نفس الوقت، على القانون والمجتمع تطوير أدواته للحفاظ على «أمنه الرقمى» وسياقه من القيم.. وهذا لا يتطلب مواجهة أمنية فقط؛ لكن كل الوزارات والهيئات المعنية بالثقافة والهوية والشباب والرياضة عليها دور كبير لمواجهة تلك المخاطر.