مع وصول عدد مستخدمى «تيك توك» النشطين شهريًا إلى أكثر من 1.6 مليار مستخدم، تتسارع وتيرة الجدل حول المحتوى الرقمى وتأثيره، وبينما يمثل «تيك توك» وغيره من المنصات مصدر دخل رئيسيًا للملايين، تطرح تساؤلات ملحة حول الضوابط القانونية والأخلاقية التى تحكم هذا المحتوى، خاصة فى ظل ملكية شركات أجنبية لتلك المنصات، فما هى معايير صناعة المحتوى، وهل يمكن للدول تنظيم الفضاء الافتراضى المفتوح؟ قوانين صناعة المحتوى أكد الدكتور محمد حجازى، استشارى تشريعات التحول الرقمى والرئيس السابق للجنة التشريعات والقوانين بوزارة الاتصالات، أن معايير صناعة المحتوى يجب ألا تخالف القوانين المصرية، سواء كان قانون العقوبات أو غيره من التشريعات، وشدد على ضرورة خلو المحتوى من أى إساءة، وألا يكون مُخلًا أو يحتوى على صور أو ألفاظ إباحية. وأشار حجازى إلى أن المنصات الرقمية تمتلك آليات للإبلاغ عن المحتوى غير المرغوب فيه، ومن حق الدولة أن تطلب من هذه المنصات إزالة أو حجب المحتوى المخالف لقوانينها ونظامها العام. وأوضح أن كل منصة لها شروط وأحكام خاصة يتم التعامل معها فى إطار يتماشى معها ولا يخالف القانون المصري، وأن تطبيق قوانين الإعلام يختلف حسب المنصة والمؤثر وعدد متابعيه. وشدد حجازى على أن المنصات ملزمة بالامتثال للقوانين المصرية، وأن هناك تنسيقًا بين جهات إنفاذ القانون والعديد من المنصات لتنظيم وضبط المحتوى. وأكد حجازى أن البلوجر الذى يتربح من المنصات يخضع للضرائب، وأن مصلحة الضرائب قد أصدرت تعليمات وإرشادات خاصة لكل صانعى المحتوى الذين يكسبون من خلاله.. وباء معلوماتى من جانبه أوضح الدكتور محمد عزام، خبير أمن المعلومات، أن التحكم فى خوارزميات منصات مثل «تيك توك»، «فيسبوك»، و«إكس» هو أمر خارج عن إرادة المستخدمين، فالمنصات وحدها هى التى تتحكم فى ذلك. لديها تحليلات دقيقة لكل مستخدم، من حيث ما يشاهده، ويحبه، وما يتفاعل معه بالإعجاب أو التجاهل. وبناءً على هذه التفاعلات، تقوم بتحليل بياناته وتفضيلاته، ثم تعرض ما تراه مناسبًا وتحجب ما دون ذلك. وأشار إلى أنه فى ظل وجود حوالى 5 مليارات مستخدم وكم هائل من المعلومات، نعيش فى ما يمكن تسميته «وباء معلوماتي». وأكد أن المعلومات تُستخدم لتوجيه الرأى العام وتتبع الأشخاص، وأن الموضوع لم يعد يقتصر على مجرد «بلوجر» أو «مؤثر»، بل تطور إلى ما يُعرف ب«تسميم المعلومات» و«تفخيخ المعلومات»، واستخدامها كأداة فى الحروب، كما ظهر فى حروب غزة وإيران والصين وروسيا. وكشف أن هذا الصراع على المعلومات يُدرَس على مستوى الدول، خاصة تلك التى تمتلك هذه المنصات. واستشهد بطلب الكونجرس الأمريكى مرتين استدعاء رئيس «تيك توك» فى جلسات استماع للاستفسار عن علاقة الحكومة الصينية بالبيانات. ورغم نفى المتحدث باسم الحكومة الصينية، تم حظر «تيك توك» على الأجهزة الحكومية فى أمريكا وكندا وبعض الدول الأوروبية. وأكد عزام أن الصراع الحقيقى اليوم هو على المعلومات، فمن يمتلكها يمتلك كل شيء فى العالم، وأصبح لكل شخص منا امتداد فى العالم الافتراضي. تحدٍ عالمى يواجه المجتمعات الدكتور محمد عزام، أوضح أن انتشار المحتوى السيئ ليس ظاهرة فريدة فى مصر، بل هو تحدٍ عالمي. وأكد أن معايير المحتوى اللائق وغير اللائق تختلف من مجتمع لآخر، وتتحكم فيها الخلفية التعليمية والاقتصادية. وأضاف أنه على الرغم من ذلك، فمن المؤكد أن هناك بلاغات تُقدم ضد من يقدم محتوى غير لائق أو مخالفًا للأعراف والتقاليد. وأشار إلى أن الهوس بمنصات التواصل الاجتماعى أصبح مزدوجًا، حيث يسعى صانع المحتوى للشهرة السريعة والسهلة عبر تقديم محتوى شاذ وغير منطقي، لتحقيق مشاهدات أعلى. وفى المقابل تستفيد المنصات من الإعلانات وتمنح صانعى المحتوى أموالًا، ما يدفعهم إلى المزيد من الغرابة والشذوذ، وفى ظل هذا الانفجار المعلوماتي، فإن السلاح الوحيد هو الوعي. ولفت إلى أن محاولات منع «تيك توك» فى الولاياتالمتحدة وأوروبا تنبع من مخاوف أمنية، حيث تُعتبر المنصة الصينية التى لديها نحو مليارى مستخدم خطرًا على الأمن القومى الأمريكي، خاصةً وأن لديها 150 مليون مستخدم فى أمريكا، ما يتيح للصين معرفة ما يفكر فيه هؤلاء الأشخاص. سياسة المنع مستحيلة أكد عزام أن سياسة المنع غير مجدية ومستحيلة، فإذا مُنعت منصة ما، سيبحث المستخدمون عن طرق بديلة مثل الشبكات الافتراضية الخاصة (VPN) للتحايل على الحظر، كما أن الرقابة الأبوية وحدها لا تكفي، فهى تتطلب حوارًا مفتوحًا مع الأبناء، خاصة فى الفئة العمرية من 7 إلى 17 عامًا. وشدد على أن مواجهة هذه التحديات تتطلب إعادة بناء ثقافة ووعى شاملين، وهذه مسئولية تضامنية تقع على عاتق الدولة والمجتمع المدنى والأسرة والمدرسة والجامع والكنيسة. وأوضح أن هذه الأدوات الرقمية ليست كلها سيئة، بل تحتوى أيضًا على محتوى مفيد، فجميع القنوات المصرية على سبيل المثال لديها وجود على «تيك توك»، وتستطيع الوصول إلى جمهورها عبر المنصة. وتابع: هناك حاجة لتنظيم المحتوى، بحيث يتم تحديد معايير لمن يظهر على المنصة، واشتراط حصول صانع المحتوى على رخصة عند تجاوز عدد معين من المتابعين. لكنه أقرّ بصعوبة التحكم الكامل فى عالم الإنترنت المفتوح، وأكد أن المواجهة الحقيقية تكون بالفكر والثقافة والوعي. وأن غياب القدوة الإيجابية أدى إلى تحول التافه إلى قدوة، وأن المشكلة تتجاوز مجرد المحتوى السطحى لتصل إلى استخدام المعلومات فى نشر الشائعات وإثارة البلبلة، مما يؤثر على أمن الدول. وشدد على أن حائط الصد هو الوعى والحوار، ودعا المجتمع الدولى إلى وضع أكواد أخلاقية وقوانين وضوابط لخلق بيئة رقمية أكثر أمانًا. رقابة المحتوى أكد الدكتور أسامة مصطفى، خبير تكنولوجيا المعلومات، أنه من الضرورى أن تضع الدولة تشريعات لحماية حقوق المواطنين، خاصةً فيما يتعلق بقضايا التشهير والسب والقذف. وأشار إلى أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعى كقنوات إعلامية يفرض عليها تطبيق قوانين الإعلام المصرية، وأن المحتوى الذى يصل إلى الجمهور العام يجب أن يخضع للرقابة، تمامًا مثل القنوات المرئية والمسموعة. وأوضح مصطفى أن الرقابة على المحتوى أصبحت مُميكنة، حيث تضع الدولة أنظمة تكنولوجية تهدف إلى رصد أى ألفاظ أو كلمات أو مشاهد معينة، وكذلك المحتوى الإرهابي، لمنع أى تجاوزات. وأشار إلى أن الدولة تتعامل مع المحتوى المخالف من خلال شقين: أنظمة تكنولوجية للكشف عن المحتوى، وبلاغات شخصية يتم بناءً عليها المتابعة من قبل مباحث الإنترنت. وأضاف مصطفى أنه فى حال غياب الرقابة، فقد يتمادى ال«بلوجر» فى أفعاله، ويستغل متابعيه لإثارة الرأى العام. لذلك يرى أن تدخل الدولة ضروري، فإذا كان المحتوى هادفًا ويتبع القوانين، فلن تكون هناك مشكلة، لكن التجاوزات يجب أن تُقابل برقابة صارمة. وأكد أن كل دولة تضع معاييرها الخاصة، ففى الدول المحافظة، يُمنع إثارة الفتن المتعلقة بالعادات الاجتماعية والقيم الدينية والأمور السياسية. حاجة ملحة للتنظيم وناشد مصطفى بضرورة توجيه المواطنين نحو المعايير المحددة والواضحة للمحتوى، لكى تتم المحاسبة بناءً عليها. وأشار إلى أن الشركات الكبرى لا تهتم إلا بالأرباح، إلا فى حالة فرض غرامات عليها، مثلما يحدث فى الاتحاد الأوروبي. وأكد أن هناك دولًا ترعى ال«بلوجر» وتُنظم لهم مسابقات لأفضل محتوى فى مجالات مختلفة، ما يسهل أيضًا عملية رقابته. واختتم بقوله: إن مصرتعد من أكبر الدول التى تُخرج صانعى محتوى، لذا من الأفضل أن تكون هناك إرشادات واضحة فى التخصصات المختلفة، خاصة وأن بعض هؤلاء المؤثرين لديهم متابعون يصل عددهم إلى 30 مليونًا، ما يجعلهم ينافسون المؤسسات الإعلامية التقليدية.