جاءت زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى المملكة العربية السعودية بدعوة من ولىِّ العهد الأمير محمد بن سلمان، الخميس الماضى؛ لتؤكد أن العلاقات «المصرية- السعودية» ليست مجرد علاقات ثنائية بين بلدين شقيقين؛ بل هى ركيزة أساسية يقوم عليها استقرار المنطقة بأسْرها. فما يجمع القاهرة والرياض أكبر من المَصالح العابرة؛ تاريخ طويل من المواقف المشتركة، وهوية واحدة، ومصير لا ينفصل. المشتركات بين مصر والسعودية تبدأ من البُعد الدينى والحضارى؛ حيث تلتقى القاهرة بمكانتها الثقافية والتاريخية، مع المملكة التى تحمل شرف الحرمين الشريفين ومكانة قِبلة المسلمين، لتشكلا معًا المرجعية الروحية والثقافية للعالم العربى والإسلامى. وعلى المستوى السياسى، أثبتت التجارب أنه كلما اتحدت الرؤية المصرية والسعودية استقرت المنطقة، وكلما تباعدت تعقّدت الأزمات، لذلك فإن التنسيق بين البلدين لم يكن يومًا رفاهية دبلوماسية؛ بل هو ضرورة حتمية يفرضها الواقع، ومصلحة الاستقرار الإقليمى. أمّا على الصعيد الأمنى؛ فإن أمن مصر من أمن السعودية، وأمن الخليج من أمن القاهرة، ولعل التاريخ خير شاهد على أن البلدين وقفا جنبًا إلى جنب فى كل المَراحل الحرجة، هذه الحقيقة جعلت من التنسيق الأمنى بينهما قاعدة راسخة تتجدّد مع كل تحدٍّ جديد. وفى الجانب الاقتصادى؛ يفتح التكامل بين «رؤية مصر 2030» و«رؤية السعودية 2030» آفاقًا واسعة للتنمية المشتركة؛ حيث تتلاقى الفرص الاستثمارية الضخمة مع السوق المصرية الواسعة والموارد البشرية الهائلة، والقوة المالية والاستثمارية للمملكة، مشروع تكاملى لا يخدم الشعبين فقط؛ بل يرسم ملامح مستقبل عربى مختلف، ينقل المنطقة من أجواء الأزمات إلى فرص النمو والازدهار. أمّا المشترك الإنسانى والقومى؛ فهو القضية الفلسطينية التى تلتقى عندها القاهرة والرياض دومًا باعتبارها جوهر الصراع فى الشرق الأوسط. وقد جدّدت القاهرة والرياض خلال القمة الأخيرة تأكيدهما على رفض أى حلول منقوصة، وتمسكهما بالثوابت العربية، وفى مقدمتها إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدسالشرقية. هذا الموقف يعكس قناعة راسخة بأن السلام لن يتحقق إلا بوجود دولة فلسطينية. إن زيارة الرئيس السيسي للرياض لم تكن مجرد حدث دبلوماسى بروتوكولى؛ بل رسالة قوية للعالم بأن قوة العرب تُبنَى على جناحىِّ مصر والسعودية معًا، وأن أى حسابات تتجاهل هذا الواقع محكوم عليها بالفشل. فالبلدان يدركان أن الأزمات التى تعصف بالمنطقة لا يمكن تجاوزها إلا بتوحيد الموقف، وأن المستقبل العربى لا يُصنَع إلا بالتكامل والتضامُن. ولهذا؛ فإن «لن ترونا إلا معًا»، يُعبر عن خلاصة تجربة تاريخية طويلة، وإعلان عن إرادة سياسية واعية، ورسالة واضحة للعالم بأن القاهرة والرياض تمضيان فى طريق واحد، من أجل استقرار المنطقة وحماية مصالح شعوبها.