باختيار البابا ليو الرابع عشر بابا للفاتيكان تدخل الكنيسة الكاثوليكية مرحلة جديدة، فهو أول أمريكى يتولى هذا المنصب، ويعد البابا رقم 267 فى تاريخ الفاتيكان. تكمن أهمية اختيار البابا الجديد ليس فقط فى جنسيته الأمريكية لأن دور الوطن الأم ليس له تأثير يذكر لكون إدارة الفاتيكان تعتمد على إطار مؤسسى لا يمكن أن تتداخل فيه مثل هذه الأمور، كما أنه بقدر انتمائه حيث النشأة إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية بقدر انتمائه من حيث عمله الميدانى وارتباطه الوثيق بأمريكا اللاتينية.
وعلى عكس ما يتصوره البعض من أن كونه أمريكيًا سيجعل العلاقات بين الفاتيكانوالولاياتالمتحدة أفضل، فإنه من المرجح أن يكون هناك تصادم أو لنقل اختلاف فى المواقف بين البابا الجديد والرئيس الأمريكى دونالد ترامب خصوصًا فيما يتعلق بالهجرة، وذلك لكون البابا ليون عمل لنحو عشرين عامًا فى أمريكا اللاتينية وبالتحديد فى دولة البيرو، وبدأ عمله هناك ككاهن مرسل لخدمة رعايا الكنيسة الكاثوليكية، وهو ما يعنى دفاعه عن حقوق المهاجرين وكذلك حقوق شعوب الجنوب فى أمريكا اللاتينية، ولا يمكن ربط انتخابه بأى تأثير أمريكى فهو كان من بين المرشحين البارزين ويعد من المنتمين إلى التيار الوسطى وإن كان أقرب للتيار المحافظ. وينتمى البابا ليون الرابع عشر إلى الرهبنة الأغسطينية، نسبة إلى القديس أوغسطينوس، وهى رهبنة تهتم كثيرًا بالجانب الروحى وكذلك بالانفتاح على المجتمع والقيام بدور خدمى فيه، كما أنه حاصل على الدكتوراه فى القانون الكنسى وهذا يعنى أن اهتمامه سوف ينصب أيضًا على تنظيم «الكوريا» الرومانية (أى ديوان الفاتيكان) وفق أطر مؤسسية صارمة. أما على مستوى الكنيسة الكاثوليكية فى أوروبا فمن المرجح أن يواجه البابا الجديد نفس الصعوبات التى واجهها البابا الراحل خصوصًا فى الكنيسة الألمانية التى تعانى من شطط وجنوح جماعة «مريم 2.0» التى تمثل توجهاتها تجاوزًا للخطوط الحمراء للكنيسة الكاثوليكية، إذ لا تطالب هذه الجماعة برسامة قسيسات بل وتدعو لتولى المرأة منصب البابا. وقضى البابا ليون الرابع عشر (الكاردينال روبرت فرانسيس بريفوست) معظم حياته الكهنوتية فى أمريكا اللاتينية، حيث أُرسل عام 1985 إلى بعثة أوغسطينية فى بيرو، وخدم ككاهن ومعلم وأسقف لأكثر من عقدين من الزمان، وفى عام 2014، عيّنه البابا فرنسيس كمدير رسولى لإبراشية تشيكلايو فى بيرو، ورُسم أسقفًا فى ديسمبر من نفس العام، وفى عام 2020، عيّنه البابا فرنسيس عضوًا فى مجمع الأساقفة، وفى يناير 2023، تم تعيينه رئيسًا لدائرة الأساقفة، وهى الجهة المسئولة عن تعيين الأساقفة حول العالم. وفى 30 سبتمبر 2023، عيّنه البابا فرنسيس كاردينالًا، ومنحه لقب كنيسة سانتا مونيكا، بفضل خبرته الواسعة فى أمريكا اللاتينية وعلاقاته المتوازنة مع مختلف التيارات داخل الكنيسة. ويُعرف البابا ليون الرابع عشر بشخصيته الهادئة والمتواضعة، وقدرته على بناء جسور بين التيارات المختلفة داخل الكنيسة، ويُعتبر معتدلًا فى مواقفه، حيث يدعو إلى الحوار والانفتاح، ويُعرف بدعمه لقضايا العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان. لذلك فإنه سيمثل صوت أمريكا اللاتينية أكثر من كونه أمريكى النشأة، إذ قضى نحو ثلاثة عقود خارج الولاياتالمتحدة منها 20 عامًا فى البيرو، ونحو العشر سنوات فى الفاتيكان. 2