ألقت حركة حماس كرة اللهب فى وجه رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، وردت على المقترح الإسرائيلى بقولها: نحن مستعدون فقط لصفقة شاملة تشمل إطلاق سراح جميع الأسرى ووقفا كاملا للحرب لمدة 5 سنوات وانسحابا كاملا من قطاع غزة بالإضافة إلى ضمانات بالانسحاب الإسرائيلى من القطاع وإعادة الإعمار ويستخدم نتنياهو الاتفاقات الجزئية هو وحكومته كغطاء لأچندته السياسية القائمة على استمرار حرب الإبادة والتجويع حتى لو كان الثمن التضحية بجميع أسراه. فى الكيان الإسرائيلى جاء رد حماس متوقعا، عادت التهديدات من وزراء نتنياهو المتطرفين بفتح أبواب الجحيم على غزة وكأن غزة أصلا ليست فى قلب الجحيم! من الواضح أن موقف حماس سيغضب نتنياهو بشدة، ويزيد من الضغط الداخلى عليه خاصة أن هذا الموقف يتماشى مع مطالب عائلات الأسرى والمعارضة الذين يطالبون بإعادة جميع الأسرى ووقف الحرب بالتزامن مع تصاعد الاحتجاجات داخل المؤسسة العسكرية والأمنية؛ وقالت إذاعة جيش الاحتلال تعليقا على رد حماس: فى الواقع، لا جديد تحت الشمس حماس تكرر للمرة الألف موقفها المعلن دائما: مستعدة فقط لصفقة شاملة تتضمن إطلاق سراح الأسرى مقابل وقف كامل للحرب وهو ما ترفضه إسرائيل؛ وهو نفس الحلقة المغلقة التى تدور منذ أكثر من عام: إسرائيل تريد صفقة جزئية تشمل إطلاق عدد محدود من الأسرى مقابل وقف إطلاق نار مؤقت وغير دائم. لكن عندما أسقطت فكرة الصفقات الجزئية عن الطاولة، رغم أن حماس وافقت سابقا على صفقات جزئية مرتين مرة فى نوڤمبر 2023 والثانية فى يناير 2025؛ عادت الآن الكرة إلى ملعب إسرائيل ومعها المعضلة ماذا ستفعل إسرائيل بعد الآن؟ إسرائيل انقلبت على اتفاق 17 يناير من مرحلته الأولى واستمرت فى المراوغة حتى استأنفت الحرب؛ ورغم التزام المقاومة بالمرحلة الأولى من الاتفاق والتى تضمنت إطلاق سراح 33 أسيرا 25 أحياء و8 جثامين فإن الاحتلال تنصل من عدة التزامات أبرزها تنفيذ البروتوكول الإنسانى الذى يشمل ترميم المستشفيات وإدخال البيوت المؤقتة والخيام وتوفير معدات إزالة الركام وانتشال الشهداء وفتح الطرق والانسحاب من محور فيلادلڤيا بين غزة ومصر والذى نص الاتفاق على البدء فى الانسحاب منه باليوم 42 والانتهاء فى اليوم 50. ووفقا للاتفاق، كان من المفترض أن تبدأ مفاوضات المرحلة الثانية فى اليوم 16 من دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ وهو ما عطله الاحتلال قبل أن يعود للحرب؛ كذلك تملص نتنياهو من الشق السياسى للاتفاق والذى نص على استكمال الانسحاب الإسرائيلى من القطاع وبدء عملية إعادة الإعمار وتثبيت وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب نهائيا. وإصرار حماس على الصفقة الشاملة هو لقطع الطريق على نتنياهو الذى يراوغ بالصفقات الجزئية ليكسب الوقت ثم ينقلب عليها ويعود للحرب ولتفويت الفرصة على نتنياهو بتحقيق مكاسب مؤقتة عبر استعادة بعض الأسرى، بهدف تخفيف الضغط الداخلى ثم استئناف الحرب لإرضاء شركائه فى اليمين وضمان بقاء ائتلافه الحكومى حتى انتخابات أكتوبر 2026 ؛ وكذلك لمنع نتنياهو من الهروب من لجان التحقيق وتحمل مسئولية هزيمة 7 أكتوبر، عبر تشتيت الأنظار بصفقات جزئية لإحباط محاولاته بتغيير النظام السياسى داخل الكيان لصالح السلطة التنفيذية والكنيست ضد القضاء، والتخلص من محاكم الفساد التى تلاحقه. ولإفشال مخططه فى تنفيذ خطة ترامب وحكومته بتهجير سكان غزة تحت غطاء الحرب المستمرة وجرائم الإبادة. وأغلقت حركة حماس الباب خلال الفترة الأخيرة أمام أى صفقة جزئية محدودة يرغب رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو فى إبرامها، مقابل وقف إطلاق نار محدود لفترة لا تتجاوز خمسة أسابيع نظير الحصول على عدد كبير من أسراه الأحياء. وجاء الإعلان الذى تحدث به رئيس الحركة فى غزة ورئيس وفدها التفاوضى خليل الحية بمثابة حصر للخيارات فى الصفقة الشاملة لإنهاء حرب غزة أو اتفاق الرزمة الذى ينص على تسليم كافة المحتجزين الإسرائيليين مقابل انسحاب إسرائيلى شامل من غزة ووقف فورى للحرب وتبادل الأسرى والمحتجزين. وقدمت الحكومة الإسرائيلية مؤخرا عرضا لحركة حماس والمقاومة الفلسطينية يقوم على تبادل الأسرى جميعهم خلال فترة 45 يوما على أن يتم البحث فى إنهاء الحرب إلى جانب نزع السلاح وبحث شكل اليوم التالى وهو ما ترفضه المقاومة؛ وسبق أن عرض الوسطاء على حماس الإفراج عن الجندى الإسرائيلى من أصول أمريكية عيدان ألكسندر الذى فقد الاتصال به وبمجموعته الآسرة له أخيرا وفقًا لإعلان كتائب القسام، الجناح العسكرى لحماس فى 15 إبريل بعد قصف إسرائيلى طالهم. وعلى جانب آخر فإن هناك اتصالات جرت بين أطراف أمريكية معنية بملف التبادل والوسطاء القطريين والمصريين، طلبت معلومات عن المحتجز عيدان بعد إعلان القسام الأول بشأن فقدان الاتصال بالمجموعة التى يوجد معها. ولاحقا أعلن المتحدث العسكرى باسم القسام أبو عبيدة أنهم تمكنوا من انتشال شهيد كان مكلفا بتأمين الأسير عيدان ألكسندر، فيما لا يزال مصير الأسير وبقية المقاتلين الآسرين مجهولا متهِما الاحتلال بتعمد قصف أسراه وقتلهم. ويتزامن الأمر مع تصعيد ميدانى يشهده القطاع فى ظل استئناف الحرب على غزة منذ 18 مارس الماضى وإغلاق المعابر تماما منذ 2 مارس ضمن الإجراءات التى اتخذتها حكومة نتنياهو للضغط على حركة حماس لا صفقات جزئية لإنهاء حرب غزة؛ وتؤكد حماس أن الحركة ترفض بالقطع الصفقات الجزئية إذ إنها تستخدم من الاحتلال الإسرائيلى كأداة لتفكيك الملف الفلسطينى وكسب المزيد من الوقت دون إنهاء حرب غزة أو تقديم أى تنازلات حقيقية وأن هذا النوع من الصفقات لا يتناسب مع حجم التضحيات التى قدمها الشعب الفلسطينى ولا يضمن استمرارية وقف العدوان إذ إن الحركة تخشى من تكرار تجارب سابقة أخل فيها الاحتلال بالتزاماته رغم أنه استعاد خلالها نسبة عالية من محتجزيه؛ والحل من وجهة نظر حركة حماس يتمثل فى التوصل إلى الصفقة الشاملة التى تتضمن عدة عناصر مترابطة لا يمكن فصلها أو التعامل معها بصفتها ملفات مستقلة، فالصفقة الشاملة يجب أن تقوم على وقف العدوان، وانسحاب قوات الاحتلال من غزة، ورفع الحصار، وإعادة الإعمار، بالإضافة إلى صفقة تبادل أسرى مشرفة تحفظ كرامة الأسرى؛ وهذه الملفات مترابطة، ولا تقبل التجزئة بأى شكل من الأشكال، فى ظل تمسك رئيس حكومة الاحتلال نتنياهو بالصفقات المحدودة والذى لا يهدف إلا لإنقاذ حكومته المتداعية، فى ظل الضغوط الداخلية المتصاعدة والتراجع الحاد فى شعبيته فضلا عن تصاعد الضغوط الدولية. من جهته، يقول المتحدث باسم حركة الجهاد الإسلامى محمد الحاج موسى أن الحركة ترفض الصفقات الجزئية مع الاحتلال الإسرائيلى إذ إن التجربة أثبتت أن الاحتلال لا يتعامل مع هذه الصفقات باعتبارها خطوات نحو التهدئة أو التسوية بل فرصا مؤقتة لكسب الوقت وتنفيذ مزيد من العدوان؛ ويضيف أنه فى مقاربة أى صفقة، ما يعنينا بالدرجة الأولى هو النتائج الفعلية على الأرض، إذ إن الهدف الأساسى لحركة الجهاد الإسلامى يتمثل فى وقف العدوان نهائيا وضمان تحقيق الأمن فى قطاع غزة من خلال انسحاب كامل لقوات الاحتلال. وبرأيه، فإن العدو لا يزال يرفض إنهاء الحرب، وتعلن حكومة الاحتلال ذلك بوضوح على لسان رئيسها ووزرائها. لذلك، فإن أى صفقة يجب أن تشمل وقفا دائما لإطلاق النار، وانسحابا كاملا من القطاع، وفتح المعابر، وخروج الاحتلال من محورى صلاح الدين ونتساريم، ورفع الحصار، والسماح بإدخال المستلزمات الأساسية إلى جانب إعادة إعمار ما دمره العدوان. ولكن لم تطرح حماس أى ضمانات لتنفيذ الصفقة الشاملة وأبسطها بعد أن يتم تبادل الأسرى فما هو الضامن لكى يستمر الهدوء فى قطاع غزة وتتوقف الحرب وتستمر المساعدات فى الدخول؛ والضمان الوحيد لذلك هو أن تسلم حماس سلاحها من ناحية وأن تبتعد عن حكم غزة من ناحية أخرى وهذا ما ترفضه حماس جملة وتفصيلا؛ ومن الواضح أن حماس وإسرائيل كل منهما يلعب لعبة جديدة على الآخر لمجرد كسب الوقت فقط؛ وإسرائيل تعلم جيدا أن حماس لن تلقى سلاحها وتترك حكم غزة؛ وحماس تعلم جيدا أن إسرائيل لن تقبل بصفقة شاملة لأن ذلك سيعجل بسقوط بنيامين نتنياهو وحكومته سياسيا بالإضافة إلى عقوبة السجن التى تنتظره فى العديد من القضايا التى يتم سؤاله فيها حاليا؛ ومن يدفع الثمن هو الشعب الفلسطينى الأعزل فقط وليست حماس ولا إسرائيل. وعن أسباب رفض فصائل المقاومة للصفقات الجزئية، فإن الموافقة السابقة على بعض البنود لم تكن موافقة على صفقة مجتزأة بل على صفقة شاملة مقسمة على مراحل وحكومة نتنياهو تنكرت للاتفاق وخرقته وتحاول بدعم أمريكى أن توهم العالم بأن ما جرى كان صفقة جزئية بينما الحقيقة هى أن المقاومة كانت تنتظر الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق أما اليوم الاحتلال يحاول مجددا فرض هدنة مؤقتة تمتد لأيام أو أسابيع، بهدف استعادة أكبر عدد ممكن من أسراه دون التزام حقيقى بوقف العدوان، وهذه مجرد مناورات هدفها استمرار حرب الإبادة؛ وفيما يتعلق بموقف فصائل المقاومة، هناك تشاور وتنسيق كاملان بين كل القوى وعلى رأسها حماس التى تدير المفاوضات.