فى مقال سابق، أشرنا إلى تعدد ملاك وسائل الإعلام، وأشرنا إلى أهمية أن تكون الدولة مالكة أيضًا لإعلامها إلى جواز ملاك آخرين، والتجارب أثبتت فى بلدان عديدة أهمية أن تكون الملكية لجمعيات أو مؤسسات دون أفراد، كما أثبتت التجارب ضرورة الفصل بين الإدارة والتمويل والتحرير، حتى نضمن الحيادية والموضوعية، مع التزام الوسائل الإعلامية بالمسئولية القانونية والمجتمعية ومراعاة قيم الدولة والمجتمع والدين فى تحريرها وعملها بشكل عام. للإعلام مكونات عديدة: المكون الخبرى والمكون البرامجى والمكون الدرامى، هذه الأضلاع الثلاثة للإعلام لا بد من وجودها فى إعلام الدولة، المنتج الدرامى عمل فردى له معلمه وصانعه، لكن بشروط المجتمع ومعه قيمه وتقاليده وسلوكه. وهنا يبرز دور ما يسمى بلجان النصوص الدرامية واختيار ما ينتج وما لا ينتج وفق اللحظات التى نعيشها وبما لا يضير الأسرة أو الدين أو الأمن القومى والمجتمعى. ودون الجرى وراء الإعلان أو النجم الذى جرى تسويقه وفرضه وكتابة أدوار له خاصة دون الاهتمام بالمحتوى المقدم ومدى تعبيره عن قيم المجتمع وقضاياه. أتذكر الآن مقولة أحد الإعلاميين الكبار الذين رحلوا، قال لى: لا بد أن ننتقل من إعلام يحادث نفسه إلى إعلام يحادث نفسه والآخرين، إعلام يفيد من التكنولوجيا شكلًا ويحتوى مضمونًا يحمل اسم مصر تاريخًا واقعًا، ولا يتحقق هذا إلا عندما يكف بعض الإعلاميين عن تصور أنفسهم سياسيين وصانعى قرار.. الإعلامى يحمل رسالة أو منتجًا بموضوعية دون «زعيق» ليثبت لمن يموّله أنه أدى الرسالة كما يجب!! هو يفعل ذلك تصورًا أن الرسالة وصلت وفى الواقع هى لم تغادره ولم تغادر مساحته الضيقة للغاية. لماذا لا نعقد مؤتمرًا؟ أقول مؤتمرًا وليس مظاهرة لمناقشة هذه القضية؟ مؤتمر يضم خبراء الإعلام وليس هواة المظاهرات، خبراء يقدمون رؤى علمية تراعى الموضوعية والتجرد ولا تقدم توصيات ترضى كل الأطراف. رؤى تدرس الحاضر الإعلامى والخريطة الإعلامية والقوى البشرية الإعلامية ومهاراتها، وتقدم حلولاً ورؤية للمستقبل.. أقول: مؤتمرًا يشارك فيه كل أصحاب الشأن الإعلامى - أكاديميون وخبراء- بعيدًا عن الضجيج أو الضوضاء وبعيدًا عن هواة الظهور الإعلامى الذين تراهم فى كل محفل إعلامى يقدمون أنفسهم فقط بلا أية إضافات أو حلول. لأن تأثير الإعلام، واستمرار تأثير الإعلام لا يعنى كم الضجيج ولا الغبار، وإنما يعنى الحرية والمسئولية القانونية والمسئولية الأخلاقية تجاه قيم مجتمعه وهذا لا يتنافى مطلقًا مع النجاح ومع الحرية. وتأثير الإعلام لا يعنى الكم الهائل من الدراما فى موعد محدد هو رمضان وإنما يظل الإنتاج الدرامى فى حالة إنتاج وتدفق طوال العام وهذا يستلزم البحث عن مؤلفين والبحث عن نجوم جدد لا يعملون بلغة الإعلان بل بإبداع الفنان.. الدراما ليست فرع التسلية أو مكون الحكى فقط فى الإعلام بل رسالتها أعمق بكثير وهذا حديث آخر.