وزير المالية: 78 مليار جنيه لتحفيز القطاع الخاص على زيادة الإنتاج والتصدير    البتلو يبدأ من 320 جنيهًا، أسعار اللحوم اليوم في الأسواق    محافظ الغربية: حملات إزالة مكثفة للتعديات.. ولا تهاون مع أي مخالفة    أسعار البيض اليوم الأحد بالأسواق (موقع رسمي)    بعد بيان وزارة المالية.. موعد صرف مرتبات شهر يونيو 2025 رسميًا وتفاصيل الزيادة الجديدة    استشهاد 8 فلسطينيين في قصف إسرائيلي على جباليا    فيديو تقديم زيزو لاعباً فى الأهلى يتجاوز ال29 مليون مشاهدة    موعد بدء اختبارات الكرة النسائية في المقاولون    إخماد حريق شب داخل شقة سكنية في الجمالية    إصابة 3 أشخاص في حادث تصادم سيارتين بشمال سيناء    ثانى أيام التشريق.. الحجاج المتعجلون يغادرون "منى" قبل الغروب بعد الانتهاء من رمي الجمرات    انتشال جثمان غريق ترعة مشروع ناصر غربي الإسكندرية    تامر حسني يحقق رقما تاريخيا على اليوتيوب ب "ملكة جمال الكون"    أغاني طربية واستعراضات.. ثقافة جنوب سيناء تحتفل بعيد الأضحى    حكم وجود الممرضة مع الطبيب فى عيادة واحدة دون محْرم فى المدينة والقرى    الصحة: إجراء فحص سمعي ل 7.9 ملايين طفل حديث الولادة    الصحة: فحص 7 ملايين و909 آلاف طفل ضمن مبادرة الكشف المبكر وعلاج ضعف السمع لدى حديثي الولادة    صباحك أوروبي.. نوري يجتاز الفحوصات.. مصير شتيجن.. وعرض جديد لأوسيمين    السماوى يتوج بكأس الأميرة السمراء بيراميدز يخلع ثوب الطموح ويرتدى رداء الأبطال    أسعار الدولار اليوم الأحد 8 يونيو 2025    أسعار الأسماك اليوم الأحد 8 يونيو في سوق العبور للجملة    3 سنوات حبس وجوبي للزوج المعتدي على زوجته وفقًا لقانون العقوبات    استشهاد 11 شخصا وإصابة العشرات في قصف إسرائيلي قرب مركز توزيع مساعدات بغزة    وفاة شاب في مشاجرة بالأسلحة البيضاء بالمحلة الكبرى    وفاة طفل وإصابة آخر دهستهما سيارة نقل في قنا    وريثات عروش ملكية أوروبية غيرن الصورة النمطية عن حياتهن المخملية مقاتلات برتبة أميرات    آلاف الإسرائيليين يتظاهرون مطالبين باتفاق تبادل أسرى ووقف الحرب    أسما شريف منير تتصدر تريند "جوجل".. لهذا السبب    ريستارت «تامر حسنى»    إسدال ستار سميحة أيوب: وداعًا سيدة المسرح    عائلة نوار البحيرى تعلن موعد تشييع جنازته    بالقانون .. للعامل مثل أجر اليوم الذى عمله في الأعياد الرسمية أو يوم عوضا عنها    من قلب الحرم.. الحجاج يعايدون أحبتهم برسائل من أطهر بقاع الأرض    النسوية الإسلامية «خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى» السيدة هاجر.. ومناسك الحج "128"    عقوبات صارمة للموظف العام المتعدي على أراضي الدولة أو الأملاك العامة    المواجهة الأولي بين رونالدو ويامال .. تعرف علي موعد مباراة البرتغال وإسبانيا بنهائي الأمم الأوروبية    إصابة مرشح رئاسي برصاصة في رأسه في كولومبيا.. ومكافأة للكشف عن مرتكبيها    مسؤولون أمريكيون: واشنطن ترى أن رد موسكو على استهداف المطارات لم يأت بعدا    استمرار خروج مصر من القائمة السوداء يعكس التزامًا دوليًا بالإصلاحات    مواجهات بين الشرطة ومعارضين للمداهمات ضد المهاجرين في لوس أنجلوس    نشرة أخبار ال«توك شو» من المصري اليوم..استشاري تغذية يحذر من شوي اللحوم في عيد الأضحى.. أحمد موسى: فيديو تقديم زيزو حقق أرباحًا خيالية للأهلى خلال أقل من 24 ساعة    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية».. ثالث أيام العيد    زيزو بعد وصوله ميامي: متحمس جدا لخوض كأس العالم للأندية لأول مرة في حياتي    زيزو يكشف سر رقم قميصه مع النادي الأهلي.. ويختار اللاعب الأفضل في مصر    أوليه: ريفر بليت حاول ضم رونالدو لأجل كأس العالم للأندية    انقطاع التيار الكهربائي في ضواحي كييف وغارة روسية بصاروخ كروز على أوديسا    عقرهم كلب.. كواليس إصابة طالبين في مشاجرة داخل سايبر بالعجوزة    مدير عام "تأمين الغربية" يتفقد مستشفى المجمع الطبي بطنطا في جولة عيد الأضحى    بسبب بكتيريا السالمونيلا.. سحب 1.7 مليون بيضة من الأسواق الأمريكية    الوقت غير مناسب للاستعجال.. حظ برج الدلو اليوم 8 يونيو    البابا تواضروس يناقش أزمة دير سانت كاترين مع بابا الڤاتيكان    «صندوق المكافحة»: أنشطة بالمناطق «بديلة العشوائيات» للتوعية بأضرار المخدرات    إقبال كبير من المواطنين في الدقهلية على الحدائق ثاني أيام عيد الأضحى.. صور    في ذكرى وفاة المشير الجمسي، تعرف على آخر وزير حربية بمصر والمصنف ضمن أبرع 50 شخصية عسكرية بالعالم    في لفتة إنسانية.. الرئيس يطمئن على أحد الأئمة ويكلف بعلاجه فورًا    تعرف على برجك اليوم 2025/6/8.. «الثور»: تمل من العطلة.. و«العذراء»: تمر بحالة من الهدوء والتأني    ما حكم من صلى باتجاه القبلة خطا؟.. أسامة قابيل يجيب    عيد الأضحى 2025.. ما حكم اشتراك المضحي مع صاحب العقيقة في ذبيحة واحدة؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من التضخم والهجرة إلى الدفاع والأمن الأزمة التى قلبت موازين «أوروبا»
نشر في روزاليوسف الأسبوعية يوم 05 - 03 - 2023

بعد مرور عام على العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا»؛ لا تزال «أوروبا» فى حالة من عدم الاستقرار، إذ غيرت استجابة «أوروبا» لتلك الأزمة من وضع القارة.. فشهد العام الماضى، أحداثًا سريعة متتالية، تباينت فيها ردود أفعال الدول الأوروبية، منها على سبيل المثال سعى الدول ذات التاريخ الحيادى الطويل- فجأة- للانضمام إلى الحلف العسكرى لمنظمة حلف شمال الأطلسى (ناتو)؛ بينما أعلنت «ألمانيا» حقبة جديدة لوضعها، بعد أن استثمرت بشكل كبير فى الدفاع العسكرى، وإرسالها أسلحة إلى «أوكرانيا».
إلى جانب إنهاء اعتمادها القوى على الغاز الطبيعى الروسى، كما أظهر «الاتحاد الأوروبى» نفسه فاعلًا چيوسياسيًا؛ حيث طبّق عقوبات اقتصادية ضخمة على «روسيا»، وللمرّة الأولى، قدّم مليارات اليوروهات كمساعدات أمنية لدولة أجنبية وهى «أوكرانيا»، وكان لكل من الخطوتين تداعيات عنيفة أثرت على حالة «الاتحاد».
على صعيد آخر، كشفت الأزمة «الروسية- الأوكرانية» أيضًا عن سوء حالة القوات الأوروبية أكثر مما كان متوقعًا، إذ يفتقر «الاتحاد الأوروبى» إلى القدرة المالية لمعالجة القضايا الرئيسية، من مشتريات الدفاع إلى توفير الأسلحة لأوكرانيا، ومن بناء بنية تحتية جديدة للطاقة إلى تأمين سلاسل التوريد.
وعليه؛ رجّح العديد من المحللين السياسيين أن عام 2023 سيشكل تحديات كبيرة، لخصّها مدير برنامج أوروبا ومركز ستيوارت للدراسات الأوروبية الأطلسية وشمال أوروبا فى مركز الدراسات الاستراتيچية والدولية الأمريكى (CSIS) «ماكس بيرجمان»، والباحث فى برنامج أوروبا وروسيا وأوراسيا التابع لنفس مركز الأبحاث «أوتو سفندسن».
أوضح الباحثان أن الوضع الحالى لأوروبا بعد عام واحد من بدء الأزمة، تم قياسة على أسُس: الاستجابة السياسية للقارة أمام العملية العسكرية، ونظام العقوبات، والاقتصاد، وأزمة الطاقة، والهجرة الأوكرانية، فضلًا عن تقييم التعاون الدفاعى، والتعاون بين «الاتحاد الأوروبى» وحلف (الناتو)؛ فى محاولة لاكتشاف المستقبل القريب.
رد «أوروبا» السياسى على الأزمة
منذ أن شنّت «روسيا» عمليتها العسكرية فى «أوكرانيا»، فاجأت الوحدة السياسية التى أظهرها «الاتحاد الأوروبى» العديد من الخبراء والمحللين السياسيين.. ولعل آخرهم، ما حدث فى منتصف الأسبوع الماضى، إذ أقرّت الدول الأوروبية حزمة العقوبات العاشرة ضد «روسيا». وذلك؛ بعد أكثر من شهرين من إطلاق «الولايات المتحدة»، وأعضاء آخرين فى مجموعة السبع (G7) لإطلاق سقف سعر دولى لشراء النفط الروسى، بالإضافة إلى حظر «الاتحاد الأوروبى» على الشحن البحرى للنفط الروسى.
وفى المقابل؛ أعلنت كل من دول: «فرنسا، وألمانيا، والولايات المتحدة، وبولندا»، وغيرها فى بداية عام 2023، أنها ستشحن مركبات قتالية مدرعة إلى «أوكرانيا»، كما التزمت «المملكة المتحدة» بإرسال 14 من دباباتها القتالية الرئيسية من طراز (تشالنجر 2) إلى «كييف».
ولكن؛ بين المساعدات الأوروبية لكييف، وفرض العقوبات على «موسكو»، حدث العديد من التطورات، التى قلبت الموازين الأوروبية رأسًا على عقب.. نذكرها تفصيلًا فى السطور التالية..
العقوبات الأوروبية ضد «روسيا»
ليس هناك شك فى وجود خلافات حادة بين الدول الأوروبية حول كيفية الرد فيما يتعلق بالمستوى المناسب للعقوبات، وتحديدًا فيما يخص اعتماد «أوروبا» على النفط والغاز الروسى، إذ ترغب بعض حكومات الدول الأوروبية فى فرض مزيد من العقوبات القاسية على «موسكو»، بينما تختلف معها حكومات أخرى؛ سعيًا لتهدئة الأوضاع الصعبة؛ تجنبًا لانعكاساتها.
على كلٍّ؛ استهدفت عَشر حزم عقوبات فرضتها «بروكسل» قطاعًا واسعًا من الاقتصاد الروسى، والقاعدة العسكرية، والصناعية؛ بهدف معاقبة «موسكو» على عمليتها العسكرية فى الأراضى الأوكرانية، وتقليص قدرتها على مواصلتها.
وكانت العقوبات الأولية استهدفت أفرادًا لهم صلات بالكرملين، وتقييد وصول «روسيا» إلى الأسواق المالية الأوروبية، فى حين تضمنت الإجراءات الأحدث حدًا أقصى لسعر النفط الروسى، وحظر تصدير السلع، والتكنولوچيا ذات الاستخدام المزدوج.
ومنذ فبراير 2022، أصبحت «موسكو» هدفًا لأكثر من 10 آلاف عقوبة جديدة مما يجعل «روسيا» الدولة الأكثر معاقبة فى العالم.
ومع ذلك، أثارت عقوبات «الاتحاد الأوروبى» ضد قطاع النفط والغاز الروسى مخاوف من أنها سترسل صدمة لأسواق الطاقة العالمية، فى الوقت الذى لم تساهم فيه العقوبات ضد «موسكو» بالقدر الكافى فى الانهيار الكامل للاقتصاد الروسى.
التضخم الأوروبى وارتفاع الأسعار
على الوجه الآخر للعملة؛ واجهت «أوروبا» صدمة فى عام 2022، خلقت تحديًا عنيفًا فى عام 2023.
ففى العام الماضى، سجلت الدول الأوروبية من جانب، وكتلتى «الاتحاد الأوروبى»، و«منطقة اليورو» على الجانب الآخر، ارتفاعًا غير مسبوق لنسب التضخم، ما جعلها الشغل الشاغل والحديث الدائم لخبراء الاقتصاد، ووسائل الإعلام الغربية؛ خصوصًا مع رفع البنوك الأوروبية أسعار الفائدة مرّات متتالية لاحتواء التضخم، الذى كان مدفوعًا بالأساس بالارتفاع الرهيب فى أسعار الغذاء والطاقة، الناجمة عن تداعيات الأزمة «الروسية - الأوكرانية»، والعقوبات المفروضة ضد «روسيا».
ومع دخول عام 2023؛ لا تزال التوقعات السلبية والمتشائمة مستمرة من قبل خبراء الاقتصاد الغربيين، بشأن تواصُل أزمة التضخم وارتفاع الأسعار طوال العام الجارى.
من جانبه؛ توقّع (صندوق النقد الدولى) أن يقترب النمو الاقتصادى من 1 % فقط فى كل من «الاتحاد الأوروبى»، و«منطقة اليورو» فى عام 2023؛ مؤكدًا استمرار بعض المخاطر الكبيرة التى يمكن أن تقوّض النمو الاقتصادى، ومنها:
أولًا: لا يزال هناك عدم يقين بشأن الكيفية التى ستلبى بها «أوروبا» احتياجاتها من الطاقة طوال العام الجارى، لأنه من دون إمدادات كافية من الطاقة؛ سيتعين على القارة العجوز خفض الطلب، أو ترشيده، مما قد يؤثر سلبًا على الصناعات الرئيسية، والنمو الاقتصادى.
ثانيًا: عدم اليقين الكبير حول الأداء الاقتصادى للصين. فمن ناحية؛ يمكن أن تؤدى نهاية سياسة (صفر كوفيد)، التى من المحتمل أن تؤدى إلى انتشار فيروس كورونا من جديد، إلى حدوث اضطرابات جديدة فى سلاسل التوريد العالمية فى النصف الأول من العام الجارى، ومن ناحية أخرى؛ إذا انتعش الاقتصاد الصينى فى النصف الثانى من العام؛ فسوف يرتفع الطلب على الطاقة، مما يجعل من الصعب على الاقتصادات الأوروبية الاستمرار فى استبدال الغاز الروسى بأسعار معقولة.
ثالثًا: يمكن أن يظل التضخم مرتفعًا؛ بسبب السياسة المالية التوسعية، وارتفاع أسعار الطاقة، مما يجبر البنك المركزى الأوروبى على زيادة أسعار الفائدة بشكل أكبر، ويؤدى إلى تباطؤ اقتصادى أكثر وضوحًا.. هذا بالإضافة إلى أن استمرار ارتفاع معدلات الفائدة، قد يزيد من تكاليف التمويل لبلدان جنوب «أوروبا»؛ ما يؤدى إلى عدم الاستقرار المالى.
أخيرًا: من شأن تسريع تراجُع العولمة الناتج عن التوترات السياسية، أو انهيار مؤسّسات الحوكمة الاقتصادية؛ خصوصًا منظمة التجارة العالمية (WTO)، أن يُلحق أضرارًا جسيمة بآفاق النمو فى البلدان الأوروبية، التى تكون أكثر توجهًا نحو التصدير، وأكثر اعتمادًا على النظام متعدد الأطراف.
أزمة الطاقة
كما أشرنا سابقًا؛ شهدت «أوروبا» أزمة طاقة دراماتيكية فى عام 2022؛ بسبب تسليح «روسيا» للغاز الطبيعى، دفعت «الاتحاد الأوروبى» لفعل كل ما يلزم للتغلب على الشتاء، وإبقاء الأضواء مضاءة، بما فى ذلك توسيع استخدامه لمحطات الطاقة التى تعمل بالفحم، وزيادة استخدامه للغاز الطبيعى المسال، وتوسيع المحطات النووية.
ومع ذلك؛ شعر الأوروبيون بتأثير ارتفاع أسعار الطاقة. وذلك؛ بعد أن تجاوزت أسعار الغاز 300 يورو لكل ميجاوات فى الساعة فى أغسطس الماضى، مقارنة بنحو 20 يورو لكل ميجاوات ساعة فى عام 2020.
وعليه؛ تسببت الارتفاعات القياسية فى أسعار الطاقة، فى تحميل الدول الأوروبية فاتورة تبلغ قيمتها تريليون دولار.
حاول «الاتحاد الأوروبى» الاستجابة بإطلاق خطة (REPowerEU)، كما وافق على فرض حد أقصى لسعر صادرات النفط الروسية، إلى جانب محاولاته لتنويع مَصادر الطاقة بعيدًا عن الطاقة الروسية.
ومع ذلك؛ أشارت توقعات خبراء الاقتصاد إلى أن تظل السوق ضيقة حتى عام 2026، بينما رجحت وكالة الطاقة الدولية أن تواجه «أوروبا» فجوة فى العرض والطلب تبلغ 30 مليار متر مكعب، أى ما يعادل نصف الغاز اللازم للحصول على مخزون بنسبة 95 % ممتلئًا بحلول بداية الشتاء المقبل.
الهجرة من الشمال
شعرت الدول الأوروبية بالتأثيرات الثانوية للأزمة «الروسية- الأوكرانية». فأدى قربها الجغرافى من الأزمة؛ لمواجهتها أسوأ نزوح شهدته القارة منذ الحرب العالمية الثانية؛ حيث فَرّ ملايين الأوكرانيين من العملية العسكرية الروسية.
واستجاب «الاتحاد الأوروبى» للأزمة بأدوات مختلفة، بما فى ذلك المساعدات الإنسانية، والحماية المدنية الطارئة، ومنح الحماية الفورية فى أراضيه، فلأول مرّة فى تاريخه، قام الاتحاد الأوروبى بتنشيط توجيه الحماية المؤقتة للأوكرانيين الفارّين من المواجهات، إذ دخل ما يقدر بنحو 5 ملايين و300 ألف أوكرانى إلى الاتحاد الأوروبى منذ بداية الأزمة، فيما يقدر إجمالى عدد الوافدين- بما فى ذلك غير الأوكرانيين- بنحو 7 ملايين فرد.
بموجب توجيه الحماية المؤقتة؛ يحق للاجئين الأوكرانيين الإقامة، والرعاية الصحية، والتعليم، والعمل فى أى دولة عضو فى «الاتحاد الأوروبى» حتى مارس 2024.
الناتو والدفاع الأوروبى
تعد العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا» أحد أهم الاختبارات التى واجهها حلف «الناتو» منذ تشكيله فى عام 1949.
فبَعد الأزمة «الروسية- الأوكرانية» تبلور النهج الجديد للتحالف فى مفهومه الاستراتيچى، الذى يصف «روسيا» بأنها (التهديد الأكثر خطورة والمباشر لأمن الحلفاء).
وعليه؛ حاول (الناتو)- من منطلق الدفاع عن أعضائه- نشر المزيد من القوات الأمريكية والأوروبية فى الجناح الشرقى لدول الحلف، كما كانت هناك تعهدات- أيضًا- من قبل أعضائه بزيادة الالتزامات فى الإنفاق على تحديث قوات (الناتو)؛ حيث وصل معظم الحلفاء- الآن- إلى هدف الإنفاق الدفاعى البالغ 2%. ونتيجة لذلك؛ ارتفع الاستثمار الدفاعى للدول الأعضاء فى «الاتحاد الأوروبى» إلى 214 مليار يورو فى 2021.
ومع ذلك؛ فقد شهدت هذه الفترة الكثير من التحديات لسلامة (الناتو)، بما فى ذلك ارتفاع أسعار الطاقة، وهجوم مجهول على خط أنابيب الغاز «نورد ستريم»، وصاروخ طائش قتل اثنين من المزارعين البولنديين، وعدم تصديق «المجر، وتركيا» على عضوية «فنلندا، والسويد».
دفعت تلك الأحداث الباحثين «بيرجمان، وسفندسن» إلى الترجيح أن التحالف سيتعرض لضغوط شديدة فى عام 2023، وتحديدًا قبل قمة «فيلنيوس» فى يوليو المقبل؛ متوقعين تتفاقم هذه التحديات فى الأشهُر المقبلة مع سيطرة «روسيا» على مزيد من الأراضى داخل «أوكرانيا»، وخارجها، ناهيك عن أن فكرة انضمام «فنلندا»، و«السويد» للناتو)، ستضع الحلف إلى أعتاب «روسيا» على أكثر من الضعف الحدود بينهما.
وبعيدًا عن حلف (الناتو)؛ فإن الدفاع الأوروبى- بشكل عام- يتعرض لتحديات أخرى، ظهرت بعد أن قدم «الاتحاد الأوروبى»- لأول مرّة فى تاريخه- مساعدة أمنية عسكرية لشريك أجنبى بهذا القدر، ومنها: أكثر من 3 مليارات و100 مليون يورو لأوكرانيا من خلال مرفق السلام الأوروبى، إلى جانب تخصيص أعضاء الكتلة- حسب أحدث بيانات رصدها معهد «كيل» للاقتصاد العالمى بألمانيا- 8 مليارات و610 ملايين يورو للالتزامات العسكرية لأوكرانيا، اعتبارًا من نوفمبر 2022، بينما التزمت «المملكة المتحدة» بمبلغ 4 مليارات و130 مليون يورو إضافى لمساعدة «كييف»، ما يجعل إجمالى الالتزامات العسكرية الأوروبية لأوكرانيا تصل إلى 15 مليارًا و840 مليون يورو.
إن سخاء «أوروبا» فى مساعدة «أوكرانيا» كشف عن فجوة القاعدة الصناعية الدفاعية فى القارة، وافتقارها للقدرات العسكرية المطلوبة للصراعات العنيفة، فى وقت بدأ الشك يلوح فى الأفق بشأن قدرة دول القارة العجوز على حل هذه المشكلات فى الوقت المناسب.
ورُغْمَ تعهُّد الدول الأوروبية بزيادة الإنفاق الدفاعى؛ فإن ثلاثة أشياء لم تتضح بعد، وهى: الدرجة التى ستتحول عندها تعهدات الإنفاق الدفاعى إلى مشتريات فعلية، وما إذا كانت الدول الأعضاء ستخصص التمويل الكافى لمبادرات «الاتحاد الأوروبى»، وما إذا كانت الأموال التى تتحقق سيتم إنفاقها بكفاءة وتعاون، وبطريقة يتم تنشيط صناعة الدفاع الأوروبية.
المستقبل الغامض
رُغْمَ الاستجابة الموحدة لأوروبا أمام العملية العسكرية الروسية فى «أوكرانيا»؛ فإن العديد من الأسئلة لا تزال دون إجابة، فى وقت يمكن فيه للأحداث غير المتوقعة تغير النتائج بشكل كبير، مثلما أظهر فيروس (كوفيد- 19)، والتوترات بين «الولايات المتحدة»، و«الصين».
فعلى المستوى الأمنى؛ أوضح الباحثان «بيرجمان، وسفندسن» أن الالتزامات الدفاعية المتزايدة قد تؤدى إلى إجهاد الميزانيات الوطنية لدول «أوروبا» خلال الفترة المقبلة، متسائلين ما إذا كان «الاتحاد الأوروبى» سيوسع قدرته المالية ويتجه نحو فكرة (اتحاد مالى).. على الرّغم من أنه (الاتحاد) قد أنشأ- بالفعل- اتحادًا نقديًا مع إنشاء البنك المركزى الأوروبى واليورو، إلا أنه تردد- حتى الآن- فى التحرك نحو تكامل مالى أوثق ودائم.
وعليه؛ توقع الباحثان تزايُد الضغط، من أجل المزيد من الاستثمار، أو الإنفاق من قِبَل «الاتحاد الأوروبى» لمعالجة القضايا الأوروبية المشتركة. بالإضافة إلى ذلك؛ فإن مستقبل الدفاع الأوروبى غير مؤكد- وفقًا للباحثين- إذ كشفت الأزمة «الروسية- الأوكرانية»- أيضًا- عن نقاط ضعف هائلة بين جيوش القارة.
على المستوى السياسى الداخلى؛ رجّح الباحثان أن عام 2023 سيكون عامًا كبيرًا بالنسبة للدول الأوروبية، التى تواجه انتخابات رئاسية وبرلمانية.
فمن المقرر إجراء انتخابات فى كل من دول: «إستونيا، والجبل الأسود، وبلغاريا، وفنلندا، واليونان»، وغيرها فى النصف الأول من العام الجارى.. ثم فى كل من: «سلوفاكيا، وسويسرا، ولوكسمبورج، وبولندا، وإسبانيا» فى النصف الثانى، إذ تعتبر الانتخابات ذات أهمية چيوسياسية؛ حيث ستحدد حكوماتها المستقبلية نغمة علاقاتها مع الغرب.
كما سيكون العام المقبل- وهو الأخير قبل الانتخابات البرلمانية فى الاتحاد الأوروبى- عاملًا حاسمًا فى اتجاه أوروبا فى المستقبل، فى وقت لا تزال نتيجة العملية العسكرية الروسية غير مؤكدة.
فى النهاية؛ لا تزال هناك العديد من التحديات الاقتصادية، والسياسية، والعسكرية، التى ستواجه أوروبا خلال العام الجارى، وربما الأعوام المقبلة- أيضًا- والتى ستتطلب صُنع قرار حاسم، ورؤية واسعة، بالإضافة إلى رأس مال قوى.
ومع ذلك؛ يبقى التساؤل الأخير: هل العامان (2022 - 2023)، هما عامان محوريان يمثلان نهاية حقبة، وبداية مرحلة تاريخية جديدة بالنسبة للقارة الأوروبية؟!
على كلٍّ؛ يبقى عامل الوقت هو الحاسم الأخير.
2
3
4
5


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.