تحية إجلال وتقدير لكل امرأة مصرية رفعت رايات الثورة عَبْر العصور، تحية لكل سيدة وفتاة نزلت إلى الميادين الثائرة بلا تردد ولا خوف؛ لترسم مستقبلاً أفضل لهذا الوطن، وتقضى على الاستبداد والقَهر، غير مبالية بشىء سوى رفعة بلدها؛ لتُكتَب أسماؤهن بحروف من نور فى ذاكرة مصر، منذ عهد الاستعمار الإنجليزى فى القرن الماضى، حتى الاحتلال الإخوانى الذى رحل بلا رجعة مع اندلاع ثورة 30 يونيو. رحلة كفاح المرأة المصرية ضد المعتدين؛ تزيد عمرها عن قرن من الزمان، ظلت تُروَى من أجيال لأجيال، منذ ثورة 1919؛ حين قادت «صفية زغلول وهدى شعراوى» المظاهرات ضد الاحتلال الإنجليزى؛ لتشارك مئات السيدات فى الحركة الاحتجاجية، متحديات الرصاص، فى مَشهد لم ولن ينساه المصريون ما حيوا، وهو ما تكرّر فى ميادين مصر عام 2013، عندما خرجت النساء من كل حدب وصوب هاتفات ضد جماعة الإخوان؛ ليكتبن تاريخًا جديدًا من النضال النسوى. فى الاتحادية كنا نهتف، ارحل ارحل.. لم نفكر مرة فيمن يقود التظاهر، تارة نجد رجلاً يرفع صوته بالهتاف ليردد الآلاف كلماته، ثم يأتى صوت من الجانب الآخر لامرأة تهتف بشجاعة، فيزداد الهتاف حماسًا.. كان الجميع على قلب واحد، وهدف واحد؛ هو خروج الرئيس الإخوانى «محمد مرسى» من القصر الرئاسى، لتنتهى حقبة حُكم الجماعة الإرهابية لمصر، وينتهى معها عام من التخبط السياسى، والأزمات الطاحنة، ومحاولات المتشددين لفرض أنفسهم على الساحة، وشق صف المصريين، بلا توقف ولا هوادة. تحقق الحلم، ورحل الإخوان، وبدأت مرحلة جديدة من معارك المرأة لإثبات جدارتها على جميع المستويات، بدعم غير مسبوق من القيادة السياسية، تجلى فى أول خطاب للرئيس «عبدالفتاح السيسى» بَعد فوزه بالانتخابات، عندما وعد بالعمل الجاد على أن يكون للمرأة دور فى الحياة السياسية، ونصيب عادل فى مجلس النواب، وتذليل العَقبات أمامها فى الوظائف النيابية والمناصب القيادية؛ ليبدأ عصر تمكين المرأة، ويتضاعف الإيمان بقدراتها ورسالتها. وجاء دستور 2014؛ ليؤكد أن المرأة ليست فئة من فئات المجتمع فقط؛ بل هى نصف المجتمع وأساس الأسرة، ومن هذا المنطلق فقد منحها الدستور الحماية والرعاية؛ بتخصيص نحو 20 مادة للتأكيد على أهمية دورها فى الدولة والمجتمع دون تمييز أو إقصاء، وسرعان ما استوعبت المرأة المصرية لدورها الجديد، وزادت من تحركاتها السياسية، لتبلغ نسبة تصويتهن 55 % فى الاستفتاء على الدستور، وتزيد أصواتهن على نسبة 54 % من إجمالى أصوات الناخبين فى الانتخابات الرئاسية لعام 2014. وانعكس الاهتمام بالمرأة على الانتخابات البرلمانية الأولى بعد ثورة 30 يونيو، مع زيادة نسبة النساء اللاتى رغبن فى خوض المعركة الانتخابية، ووصل عددهن إلى 949 مرشحة، حتى أصبح برلمان 2015 أكبر البرلمانات فى تاريخ الحياة البرلمانية المصرية من حيث عدد النائبات، بواقع 90 نائبة بنسبة 15 % من الأعضاء، ثم جاء البرلمان الأخير ب 162 نائبة، لتزيد نسبة تمثيل المرأة بالبرلمان إلى 27 %. لم تأتِ هذه الزيادة من فراغ، إذ سبقتها جهود جادة ومتعاقبة، بعدما تم إعلان عام 2017 عامًا للمرأة المصرية، ليشهد إطلاق الاستراتيچية الوطنية لتمكين المرأة 2030، والتى تضم 5 محاور، هى: التمكين السياسى والاقتصادى والحماية المجتمعية والمحور الثقافى والقانونى، وقاد المجلس القومى للمرأة بمشاركة 175 ألف سيدة 180 جمعية أهلية صياغة الاستراتيچية، والتى تعتبر أول استراتيچية بالعالم تجاه المرأة فى إطار التنمية المستدامة، وأقرّها الرئيسُ كوثيقة عمل للأعوام المقبلة، لتتعدى قضية تمكين المرأة وصفها كمَطلب فئوى لعدة عقود؛ وتصبح هدفًا عامّا لأجهزة الدولة. نجحت الثورة المصرية، ومعها ثورة التمكين النسائية، وبات فى مصر 8 وزيرات، ومحافظة، وأول مستشارة للأمن القومى لرئيس الجمهورية، وأول نائبة لمحافظ البنك المركزى، وأول قاضية تتولى رئاسة محكمة فى مصر.. ولا تزال المرأة تجنى مكاسبها القيادية، بإقدام، وأقدام ثابتة، رافعة اسم بلدها عاليًا. عاشت مصر حُرّة.. وعاشت ثائرات مصر حصنًا منيعًا لوطنهن.