لا أحد يستطيع أن ينكر جهود القيادة السياسية بالعمل منذ اليوم الأول على تمكين النساء على المستوى الاجتماعى والاقتصادى والسياسى. كما لا يمكن التجاهل أو التغاضى عن جهود الحكومة المصرية منذ عام 2013، فمصر لم تشهد منذ زمن حكومة تتبنى وتدعم المرأة دعمًا كاملًا على جميع المستويات وفى جميع القطاعات. إلا أن الضرر الذى وقع على المرأة المصرية خلال عقود ماضية لا يمكن محوه بين ليلة وضحاها. كما أن الطريق إلى المساواة بين الجنسين يبدو طريقًا طويلًا ومليئًا بالتحديات، كما هو حال السبل المبذولة من أجل تغيير العادات والتقاليد والموروثات الخاطئة. عنف مجتمعى والدليل أن «عبارة المرأة نصف المجتمع» تتكرر على ألسنة الكثير من المصريين ولكن دون وعى بأبعادها وكيفية تطبيقها، وبأن المرأة المصرية فرد من أفراد المجتمع له ما له من حقوق وعليه ما عليه من واجبات، وتتساوى مع الرجل فى الحصول على حقوقها وفقًا لحق المساواة بين الجنسين. فالدستور المصرى كفل المساواة بين جميع مواطناته ومواطنيه فى الحريات والحقوق، كما كرس حق الجميع بالتمتع بالمواطنة الكاملة دون أى تمييز. ومن المعيب أن نصل إلى مرحلة تمنع فيها النساء دون سن الأربعين من الإقامة ببعض الفنادق بمفردهن دون الحصول على تصريح من الآداب أو وجود قريب من الدرجة الأولى...! بل يعد هذا شكلًا جديدًا من أشكال العنف الاجتماعى ضد المرأة فى مجتمعنا! تحييد النساء ففى الوقت الذى نحتفل فيه بوصول النساء فى بلدنا لأعلى المناصب بقرارات رئاسية، تحرم المرأة من حقها الإنسانى فى التنقل والعمل والسكن بمفردها! وما كشفت عنه الوقائع الأخيرة من تضييق على إقامة النساء ببعض الفنادق، وما تم تداوله من شكاوى لسيدات مصريات وغير مصريات بعدم السماح لهن بالإقامة بمفردهن فيها، وهو أمر مخالف تمامًا للدستور والقانون. يمثل صدمة تعيد للذاكرة الواقعة المتمثلة فى قضية سيدة السلام التى اقتحم الجيران منزلها وتسببوا فى وفاتها بحجة شكهم فى سلوكها، مما يؤكد أن البعض للأسف يعيد إنتاج ما سبق ورمته العصور الجاهلية من تحييد للنساء. الإسكندرية الأكثر جدلاً انتشر على مواقع التواصل الاجتماعى مؤخرًا تغريدات لفتيات يطالبن بحقهن بالإقامة فى الفنادق، وأكدت امرأة مطلقة عبر صفحتها الشخصية إنها لا تستطيع أن تصطحب طفلتها إلى الإسكندرية أو أى مدينة ساحلية لقضاء العطلة الصيفية بسبب رفض الفنادق إقامة النساء فيها دون وجود وصى عليهن. كما روت طبيبة شابة واقعة مخزية حدثت معها منذ فترة قصيرة بعد رفض الفنادق فى محافظة الإسكندرية استقبالها بذريعة أنها عزباء ولم تتجاوز الأربعين من العمر، مما اضطرها إلى المبيت على أحد المقاعد فى الشارع. وقالت إنها سافرت من القاهرة إلى الإسكندرية لأنها كانت مكلفة بمأمورية عمل وعندما تأخر الوقت قررت المبيت فى المحافظة التى رفضت فنادقها الإقامة فيها دون محرم. فيما طالبت سيدات أخريات بالسماح لهن بالإقامة فى الفنادق لأن التضييق يجعلهن يتجهن للإقامة فى الشقق المفروشة، والتى تفتقد لعنصر الأمان على عكس الفنادق التى تتمتع بوجود الحراسة وكاميرات المراقبة. دعوى قضائية وانتقلت الأزمة من منصات مواقع التواصل الاجتماعى ومعارك «السوشيال ميديا» أخيرًا إلى ساحة القضاء حيث أقام كل من المحامى الدكتور هانى سامح، والمحامى بالنقض صلاح بخيت، دعوى قضائية أمام الدائرة الأولى للحقوق والحريات، بمحكمة القضاء الإدارى فى مجلس الدولة، حملت رقم 48010 لسنة 75 قضائية. وطالب المدعيان بإلغاء القرار والتعليمات الأمنية والتنبيهات الصادرة من وزارة الداخلية للفنادق والبنسيونات، وجميع المنشآت ذات الصلة، وبالأخص فنادق النجمة الواحدة والثلاثة نجوم، بعدم السماح للسيدات المصريات أو مواطنات دول مجلس التعاون الخليجى اللواتى تقل أعمارهن عن 40 سنة، بتسجيل الوصول بمفردهن والإقامة دون أزواجهن أو أقاربهن من الذكور. وذكرت الدعوى أنه أثناء إجازة عيد الفطر المبارك، فوجئ المحامى رافع الدعوى بقيام الفنادق، وبالأخص البنسيونات والثلاث نجوم وما دونها، بمنع ورفض قبول إقامة النساء المصريات تحت سن الأربعين بالفنادق، لدرجة صدور تنبيه كتابى بمواقع حجوزات الفنادق الإلكترونية يحذر عند إتمام الحجوزات بما نصه: «يُرجى الملاحظة أنه لا يُسمح للسيدات المصريات أو مواطنات دول مجلس التعاون الخليجى اللواتى تقل أعمارهن عن 40 سنة بتسجيل الوصول بمفردهن دون أزواجهن». وتابعت، الدعوى أن تلك الوقائع المرتكبة ضد النساء تشكل انتهاكًا للخط الذى تسير عليه الدولة فى حماية وإقرار حقوق النساء، وتشكل جرائم لا تسقط بالتقادم واعتداءً على الحقوق الدستورية للمرأة وجرائم تمييز. واستندت الدعوى فى رفض تلك القرارات إلى مواد الدستور، ومنها المادة 11، وبها تكفل الدولة تحقيق المساواة بين المرأة والرجل فى جميع المجالات دون تمييز بسبب الجنس أو لأى سبب آخر، وأن الدولة تلتزم بحماية المرأة ضد كل أشكال العنف، والمادة 53 وبها حظر التمييز بأشكاله، وأن التمييز جريمة يعاقب عليها القانون وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للقضاء على جميع أشكال التمييز، ثم المادة 62 وبها حرية التنقل والإقامة. واقعة شهيرة وأشارت الدعوى أيضا إلى واقعة معروفة جرت فى أغسطس الماضى من منع بعض عضوات المركز المصرى لحقوق المرأة الذى تديره نهاد أبو القمصان من الإقامة فى بعض الفنادق بالمحافظات دون مرافق! كما استندت على بعض التقارير الإعلامية المنشورة عن الموضوع حديثًا، موضحة أن بعض الفنادق فى القاهرة ومدن أخرى لا تعلن هذا الشرط صراحةً بل تتحجج باكتمال الحجوزات! طلب إحاطة الأمر لم يتوقف على القضاء فقط ،حيث شهد مجلس النواب أيضا تقديم طلب إحاطة بعد صدور إجراءات تضييق على الإقامة الفردية للنساء اللواتى تقل أعمارهن عن 40 عامًا فى الفنادق. فى هذا السياق تقدمت النائبة أميرة صابر، أمين سر لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب مطلع الشهر الجارى بطلب إحاطة موجه إلى رئيس الوزراء ووزير السياحة بشأن التضييق على إقامة النساء بالفنادق. ووصفت القرار بأنه مخالف للدستور والقانون المصرى. وأكدت أميرة صابر أن قرار منع النساء من الإقامة فى الفنادق يعد تمييزًا ضد المرأة وحجرًا على أهليتها القانونية، كما أنه يعتبر فرض وصاية قبلية تتعارض مع مدنية الدولة المصرية وهدر لحقوقها الدستورية، مشيرة إلى أن هذا القانون مخالفة صريحة لنصوص الدستور، ففى المادتين 11 و53 منه تنص على المساواة بين المرأة والرجل، بالإضافة لحماية المرأة من جميع أشكال العنف خاصة العنف المنزلى، والتزام الدولة ممثلة بمؤسساتها بكفالة التمتع بالحقوق والحريات، وأكدت النائبة أميرة صابر أن المادة 62 من الدستور المصرى تعطى كفالة لحرية التنقل والإقامة للمواطنين كافة رجلًا كان أو امرأة. وقالت إن «المادة 161 من قانون العقوبات تنص على أن يعاقب بالحبس والغرامة كل من قام بعمل أو بالامتناع عن عمل يكون من شأنه إحداث التمييز بين الأفراد ضد طائفة من طوائف الناس بسبب الجنس أو الأصل». واستشهدت النائبة على ذلك بواقعة إحدى عضوات المركز المصرى لحقوق المرأة والتى منعت العام الماضى من الإقامة فى أحد الفنادق لعدم وجود مرافق لها. استهداف ذكورى وبالرغم من نفى مصدر أمنى ما جاء بالدعوى القضائية بشأن طلب إلغاء القرار والتعليمات الصادرة للفنادق والمنشآت السياحية، بعدم السماح للسيدات المصريات أو مواطنات دول مجلس التعاون الخليجى اللاتى تقل أعمارهن عن (40عامًا) بالإقامة بها دون «محرم». وأكد المصدر فى بيان على الصفحة الرسمية لوزارة الداخلية على فيسبوك، عدم وجود ثمة تعليمات أو قرارات للفنادق والمنشآت السياحية فى هذا الشأن. لكن أشارت بعض الناشطات إلى أن ندرة حالات المنع فى الفنادق الكبيرة تنم عن شبهة استهداف للنساء فى الطبقات الفقيرة والمتوسطة ومحاولة مستمرة لتقييد حركتهن، فى مجتمع يهيمن عليه الوعى الأبوى والذكورى، حيث ينظر البعض للمرأة كغاوية، ومصدر للفتنة والإغراء، وبأن الانتهاكات المرتكبة بحقها نتيجة منطقية لسلوكها فهى سبب الوقوع فى الخطيئة أو متوقع منها ذلك.