تخوض الصين حربًا دبلوماسية مع الولاياتالمتحدة وعدد من الدول الغربية، على خلفية موافقة البرلمان الصينى، على قرار المضى قدمًا فى تطبيق قانون الأمن الوطنى فى هونج كونج والذى يخشى البعض من أن يقوض الوضع شبه المستقل الذى تتمتع به المدينة ودورها كمركز مالى عالمى. فى نفس الوقت تلوح بكين بعدم التخلى عن استخدام القوة العسكرية؛ لإعادة بسط سيادتها على جزيرة تايوان التى يحكمها نظام مناهض لبكين منذ انتهاء الحرب الأهلية الصينية عام 1949 وذلك بهدف إعادة الوحدة فى إطار مبدأ الصين الواحدة الذى يقر بأن تايوان جزء من الصين.
ورغم الأبعاد الجيوسياسية المهمة وما يتعلق بقضايا الكرامة الوطنية والسيادة التى تحرك الشعور الجمعى فى الصين بشأن هذا الصراع، فإن السيطرة على هونج كونج وتايوان، تحمل أبعادًا اقتصادية تنطوى على أهمية قصوى بالنسبة للمستقبل الاقتصادى للصين، وتحقيق حلم احتلال عرش الاقتصاد العالمى، نظرًا لما تمثله تايوان وهونج كونج من ثقل اقتصادى بين المراكز المالية والتجارية فى العالم.
تاريخ الصراع
تقع تايوان المعروفة رسمياً بجمهورية الصين الوطنية فى شرق آسيا، وتشكل جزيرة تايوان 99 فى المئة من أراضيها، وكانت قبل عام 1949 جزءاً من دولة الصين الشعبية الكبرى.
وكانت تايوان تابعة للصين الشعبية حتى عام 1859، ثم خضعت لسيطرة اليابان وفقاً لمعاهدة «سيمونسكى»، ولكن عادت للسيطرة الصينية بعد هزيمة اليابان فى أعقاب الحرب العالمية الثانية عام 1945.
وعندما زاد نفوذ الشيوعيين فى الصين فى خمسينيات القرن الماضى، انسحب جزء من الجيش الصينى بقيادة تشانج كاى تشيك إلى تايوان، وفرضت الصين سيطرتها عليها ثانية. وتعد تايوان عضواً مؤسساً فى منظمة الأممالمتحدة، وكانت أحد الأعضاء الخمس الدائمين فى مجلس الأمن إلى أن تم تغيير المقعد إلى جمهورية الصين الشعبية عام 1971 بناءاً على قرار الأممالمتحدة.
وكان سبب نقل عضوية مجلس الأمن إلى الصين على خلفية اعتبارجمهورية الصين الموحدة هى الكيان السياسى الذى كان يسيطر على كل منهما قبل الحرب الأهلية الصينية التى انتهت بسيطرة القوميين على جزيرة تايوان، ويعد نظام الحكم فى تايوان نصف رئاسى يعتمد الانتخابات.
وتتمتع تايوان حالياً بحكم ذاتى رغم أن بكين تعدها إقليمًا متمردًا على سلطة جمهورية الصين الشعبية الكبرى و«يجب ألا تتمتع بأى نوع من الاستقلال».
وتعد تايوان واحدة من ثلاث جزر كبيرة كانت خارج سيادة جمهورية الصين الشعبية، قبل استعادتها وهى: هونغ كونغ التى كانت خاضعة للاستعمار البريطانى حتى عام 1997، وماكاو التى كانت خاضعة للبرتغال وفورموزا المستقلة (التى اتخذت لاحقًا اسم تايوان، ومنذ ذلك الحين تسعى الصين إلى إعادة السيطرة على تايوان، بعدما استطاعت أن تستعيد هونج كونج، التى قِبل حكامها تطبيق قانون الأمن القومى الصينى مؤخرًا.
التلويح بالحرب
حذر الرئيس الصينى، شى جين بينغ، تايوان من أن بلاده لن تتخلى عن خيار استخدام القوة العسكرية لإعادة بسط سيادتها على جزيرة تايوان التى يحكمها نظام مناهض لبكين منذ انتهاء الحرب الأهلية الصينية عام 1949.
وقال جين بينغ، فى خطاب له بمناسبة «الذكرى الأربعين لبيان سياسى بشأن تايوان: «إن إعادة الوحدة يجب أن تجرى فى إطار مبدأ الصين الواحدة الذى يقر بأن تايوان جزء من الصين»، الأمر الذى رفضه أنصار استقلال تايوان.
وهدد وزير الدفاع الصينى فى 25 من ديسمبر الماضى بأن «الجيش سيتحرك مهما كان الثمن لإحباط المحاولات لفصل جزيرة تايوان، وذلك بعدما ازداد التوتر بين تايوانوالصين بعد أن فرضت الولاياتالمتحدة، الداعمة لتايوان، عقوبات على الجيش الصينى فى الآونة الأخيرة.
وكثفت بكين العام الماضى من الضغوطات العسكرية والدبلوماسية، ونفذت تدريبات جوية وبحرية حول الجزيرة، وأقنعت بعض الأقاليم التى تدعم تايوان بالتوقف عن ذلك.
لكن تايوان ترى أنها الأحق فى حكم كل من تايوان وجمهورية الصين الشعبية، وقالت الحكومة التايوانية، إن شعب تايوان لن يختار الدكتاتورية أو الخضوع للعنف، وذلك على خلفية تهديد الصين باستخدام القوة العسكرية.
المكانة الاقتصادية
بعيدًا عما يجرى على مستوى السياسة فإن كلاً من تايوان وهونج كونج، يتمتعان بمكانة اقتصادية فريدة، تجعل سيطرة الصين عليهما حدثًا اقتصاديا مدويًا، ستكون له تداعيات واسعة على مستقبل الاقتصاد العالمى لفترة طويلة.
فقد أثبتت جزيرة تايوان، التى يبلغ عدد سكانها 23 مليونًا ومساحتها 36 ألف كيلو متر مربع، نفسها كواحدة من أهم وأبرز مراكز الثقل الاقتصادى، فى جنوب شرق آسيا.
وتحتل تايوان المركز 22 كأكبر اقتصاد فى العالم، وهى إحدى النمور الآسيوية الأربعة إلى جانب سنغافورة، وهونغ كونغ، وكوريا الجنوبية، بعد أن حققت تلك الدول معدلات نمو اقتصادية بوتيرة متسارعة، خلال الفترة ما بين ستينيات وتسعينيات القرن الماضى.
وتعد تايوان هى أكبر اقتصاد مُصنع لرقائق الحواسيب المتطورة فى العالم، لكن الاقتصاد التايوانى سريع التأثر بالأزمات الاقتصادية فى العالم، نظرًا لاعتماده على الأسواق العالمية، وعدم كفاية السوق الداخلية لتايوان لاقتصادها القائم على الصادرات.
وتمتلك تايوان ناتجًا محليًا ضخمًا يبلغ 530 مليار دولار أمريكى، وهو ما يجعلها ضمن قائمة البلدان الأعلى دخلاً فى العالم، ويأتى ذلك بفضل التطور الذى حققته فى مجال الاتصالات والابتكار.
وبحسب تقرير ممارسة أنشطة الأعمال 2017 الصادر عن البنك الدولى، احتلت تايون المرتبة ال 11 فى التقرير كأفضل الاقتصاديات من أصل 190 دولة، والتى تسهل أنشطة الأعمال والاستثمارات على أراضيها. من ناحية أخرى لا تعد التنمية الاقتصادية والحركة التجارية وتكتولوجيا الاتصالات فى تايوان، محط جذب أنظار وحدها، بل إن التقنيات المعمارية والثقافية والمعيشية المتنوعة فى الجزيرة، تجذب الانتباه إليها.
هونج كونج
أما هونج كونج «المستعمرة البريطانية» السابقة فتبقى البوابة الاقتصادية الرئيسة لبكين على العالم، رغم أن وزن المدينة فى الاقتصاد الصينى تراجع عما كان عليه عام 1997 عند عودتها إلى الصين.
فرغم أن إجمالى الناتج القومى لهونج كونج لا يمثل حاليا سوى 3 فى المائة من إجمالى الناتج القومى الصينى، مقارنة بنحو 18.5 فى المائة عام 1997، بحسب معطيات البنك الدولى، لكن المستعمرة البريطانية السابقة تحتفظ بموقع مهيمن بالنسبة للقوة الاقتصادية الثانية فى العالم.
وبحسب تقرير لمعهد «بيترسون» للاقتصاد الدولى الذى يتخذ مقرًا له فى واشنطن، فإن أهمية هونج كونج فى الاقتصاد الصينى غير متناسبة مع حجمها الذى لا يتعدى 1100 كلم مربع، وعدد سكانها البالغ 7 ملايين. نسمة.
وأوضح أن «بكين عمدت منذ عام 1997 إلى تطوير مصالحها الاقتصادية والتجارية الهائلة فى هذه المنطقة، ويدرك القادة الصينيون أن لضمان ازدهار الصين فإنهم بحاجة على الدوام لهونج كونج رأسمالية».
وتعد هونج كونج من المراكز المالية الكبرى فى العالم ويجرى التداول بأسهم قسم كبير من الشركات الصينية فى سوقها المالية، بحسب بيانات بورصة «هونج كونج إكستشينج آند كليرينج ليميتد».
وينص الاتفاق الصينى البريطانى الذى يعود إلى 1984 وتمت بموجبه إعادة هونج كونج إلى بكين على وضع خاص للمدينة يقوم على مبدأ «بلد واحد ونظامان»، ويفترض أن يبقى ساريًا لمدة 50 عامًا.
لذلك فإن «الشركات المتعددة الجنسيات الأمريكية والأوروبية والآسيوية، كانت تفضل توقيع عقودها فى هونج كونج لتكون خاضعة لقوانين وتنظيمات على الطراز البريطانى، حيث إنه إذا تم التوقيع فى شنغهاى، لن تحصل على حماية مماثلة».
لذلك اعتبر الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أن هونغ كونغ «لم تعد تحظى بحكم ذاتى بشكل كافٍ لتبرير المعاملة الخاصة» التى تمنحها لها واشنطن عقب تبنى البرلمان الصينى قانون الأمن القومى بهونج كونج، معلنًا أنه أصدر توجيهات لإدارته ببدء إلغاء الإعفاءات التجارية الممنوحة للجزيرة التى كانت تتمتع بحكم شبه مستقل قبل هذا القانون.
ويرى بعض المحللين أن الظروف الدولية سانحة للغاية، بالنسبة لبكين التى تتمتع باقتصاد لايزال صامدًا أمام تداعيات كورونا الاقتصادية بعكس الاقتصادات الغربية، لكى تضم مركزين من أهم خمسة مراكز مالية بالعالم، وهو ما يمنحها الفرصة لتعلن نفسها زعيمة جديدة لقيادة الاقتصاد العالمى.