لم يفارق الفستان الأبيض مخيلتها أبدًا، بات حلمها الأكبر ولكنه بعيد المنال، لم تفقد أملها أبدًا فى تحقيقه، ورغم مرور السنوات مازالت تحاول إقناع أهلها بحقها الشرعى فى الزواج، ولكن هيهات. تمر لحظات العمر ثقيلة ومملة بين أربعة جدران، الأحداث متشابهة والأيام نسخ متكررة من بعضها، ووسط هذا الضجيج تنتظر ذلك اليوم الموعود وهى تُزف إلى شريك حياتها فى عش الزوجية لتؤنسه بروحها وتنجب أطفالًا ينيرون دربها بعد ظلامٍ دامس دام لسنوات. حق الزواج تمضى أشهر متتالية دون أن ترى ضوء النهار، تغادر منزلها حين تذهب إلى الطبيب، تحولت حياتها إلى سجن بعدما صرحت لأهلها برغبتها فى الزواج، فلم تعد ترى سوى الإهانة والجفاء والحرمان. لدى «أسماء.ص» 31 عامًا، أصيبت بشلل الأطفال فى قدميها وتستخدم العكاز ليساعدها فى الحركة، تقول: «قاعدين فى بيت عيلة وأخواتى كلهم اتجوزوا ماعدا أنا، أبويا مات وعايشة مع أمى، رافضين جوازى وحجتهم إنى لو اتجوزت هتطلق رغم إن أختى سليمة واتجوزت واتطلقت، بيعاملونى وحش وكلامهم يضايق، أخواتى البنات اتجهزوا وأنا محدش اشترى ليا أى حاجة، كأنى مش إنسانة ومليش أى حقوق». حصلت «أسماء» على دبلوم فنى صناعى، وتؤكد أنها حينما تحدثت إلى شقيقها فى حقها فى الزواج عنَّفها وكاد أن يضربها: «حاولت أتواصل مع ناس تساعدنى يقنعوهم خدوا منى الموبايل وكهربونى ودلقوا على شعرى جاز، ولحد دلوقت بعانى من أثر الكهرباء عضمى دايما واجعنى وأعصابى وباخد أدوية كتير، هما شايفين إنى عار عليهم وعاوزين يخبونى من الناس ويحرمونى من الجواز والخلفة، قاعدة 24 ساعة فى البيت مبعملش غير شغل البيت». فى البداية كانت الأمور مقتصرة على الكلام حول رفضهم لزواجها لكن الأمور تطورت قبل عام ونصف العام إلى الضرب والتعذيب: «واحد جارى سليم اتقدملى ورفضوه وحصلت مشكلة ومن وقتها وحياتى جحيم، عاملين عليا وردية 24 ساعة عشان لو حد خرج لازم التانى يكون حد موجود، لإنهم متأكدين إنى ههرب، نفسى أستقر بعيد عنهم وأشتغل وأتجوز، أخرج أغير جو، أخرج أعيش الحياة الأقل من العادية، ويبقى عندى موبايل، وسيلة ترفيهى الوحيدة التليفزيون». الوحدة القاتلة قررت «سهير. م» 33 عامًا، أن تترك منزل أسرتها وتنتقل إلى دار رعاية لتعيش بمفردها وتتجنب مشاكلهم، تقول: «أبويا معتقد إنى هتطلق وأرجعله، الموضوع تاعبنى نفسيًا بس مش بإيدى، ورفضه بيخلينى أحس بعجزى ومرضى لدرجة إن بكره نفسى لإنى دايمًا حاسة إنى بتعاقب بسبب مرض مليش ذنب فيه، أبويا عمره ما فكرنى يسيبنى زى أخواتى مفكرش فى راحتى ولا فكر يعطينى فرصة التجربة». تعانى الفتاة الثلاثينية من ضمور العضلات وتجلس على كرسى متحرك. موضحة أن خروجها من المنزل وانتقالها إلى دار الرعاية لم يغير وجهة نظر والدها تجاه زواجها: «راضى ببهدلتى وذلى من إخوتى وعمرى اللى ضاع منى بسبب مرض مش بيرحم وحتى هو كمان مش عاوز يرحمنى من اللى أنا فيه، عاوزة أقول لأهلى ارحمونى كفاية، تعبت من نفسى وحياة الوحدة خلاص بتقتلنى وإنتم كل واحد فيكم عايش حياته ومش حاسين بيا». محاولات فاشلة لم يقتصر حرمان ذوى الاحتياجات الخاصة من الزواج على الإناث وإنما كان للذكور نصيب من تلك المعاناة «محمد.ع» 28 عامًا، يعيش برفقة والديه وأخيه، ويعانى من مرض ضمور العضلات، استطاع أن يدخر الأموال ويبنى ذاته دون مساعدة أحد، ورغم استعداده ورغبته فى الزواج فوجئ بمعارضة والديه، يقول: «أنا أصغر واحد فى إخوتى، الحمد لله مش قاعد على كرسى متحرك وبقدر أخدم نفسى بسيط، بسبب نفسيتى حالتى بتسوء وعلى وشك إنى أقعد على كرسى، وأنا نفسى أتجوز قبل ما يحصلى كده عشان مترفضش، وخايف أبويا وأمى لو جرى لهم حاجة يا هقعد لوحدى يا هترمى فى دار ومش هلاقى حد يناولنى كوباية مية، عاوز إنسانة تونسنى وتفضل معايا ملقيش نفسى فى يوم وليلة وحيد». حاول «محمد» إقناع والديه مرارًا وتكرارًا بحقه فى الزواج، وعرض عليهما مساعدته فى مصاريف المنزل لكنهما لم يستمعا له: «باخد معاش 320ج وبعمل شغل أونلاين ومستقل ماديًا وأقدر أفتح بيت وأساعدهم كمان، وكل ما يفتحوا سيرة الجواز يقولوا عاوزين يجوزوا أخويا وأنا ولا كأنى موجود، بيتعاملوا معايا إنى هعيش كام سنة وأموت، المهم إنى باكل وبشرب وخلاص، وكل ما يتكلموا معايا يقولولى إيه فكرك بالجواز فهمتهم إنى عاوز واحدة تسندى لإنى لوحدى مش مقدرين، ومتقبل فكرة إنى آخد واحدة متجوزة لإنى عارف إنى صعب أتجوز آنسة». لم يترك الشاب العشرينى بابًا دون أن يطرقه مع أهله، حتى أخبرهم بأنه سوف يستأجر سكنًا ويتزوج فيه، لكن ردهم جاء صادمًا له: «قولتلهم هتجوز برا لإنهم قالولى مش هندخل واحدة معانا الشقة وأخوك عازب، ولما قولتلهم هسكن برا قالولى لو مراتك خرجت هتضمن هى رايحة فين، افرض راحت تخونك أو تمشى مع واحد، بقوا بيطعنونى ف رجولتى وبيشككونى فيها، ومتخيلين إنها هتمد إيديها عليا وأنا مش هقدر أدافع عن نفسى، أنا عاوز الحلال وكل الأبواب قفلوها فى وشى، كنت معتقد إنهم هيرفحوا لما أقولهم إنى عاوز أتجوز لكن حصل العكس، حرمونى من أكتر حاجة بتمناها فى حياتى وداسوا على كرامتى وأهانونى، ورغم ده مستحملهم عشان مليش غيرهم». من جانبه، أكد دكتور أحمد علام، استشارى العلاقات الأسرية أن الزواج حق لكل إنسان، وإذا كان ذوو الاحتياجات الخاصة يسعون فى الزواج فهم يمارسون حقًا من الحقوق التى كفلها الله لهم: «لو فى طرف سليم هيبقى عنده رغبة فى العطاء مينفعش نحرمه من ده ولو الاتنين معاقين أكيد هيعرفوا ينظموا حياتهم بشكل معين وهيقدروا يتعاملوا، والأسوياء عندهم مشاكل أكتر من ذوى الاحتياجات الخاصة بكتير فى حياتهم الزوجية مش العكس». موضحًا أن أسر ذوى الاحتياجات الخاصة يجب أن يوفروا لهم المناخ الذى يساعدهم على الزواج والعيش فى سعادة وأن يمدوا لهم يد العون: «يسألوا مختصين عشان يعرفوا إيه اللى مممكن يقدموه لأبنائهم فى حياتهم الزوجية، ويكون فى دعم نفسى ومعنوى لإن ده هيديهم دافع لحاجات أقوى وأكبر، وميقفوش فى طريقهم لإن هما اللى هيعيشوا، ودى حياتهم الشخصية».