دخلت مصر في الساعة الحادية عشرة من مساء الخميس 10 فبراير 2011 (أول أمس) مرحلة فارقة وخطيرة من تاريخها عندما أعلن الرئيس ( مبارك ) في خطاب إلي الأمة تفويض نائبه (عمر سليمان) اختصاصات رئيس الجمهورية في أول خطوة تنفيذية لانتقال سلمي للسلطة منذ انتفاضة الشباب في 25 يناير الماضي، وفي أول اعتراف من رأس الدولة بأن ما حدث في مصر علي مدار 17 يوما الماضية هو ثورة ينتهي نتيجة لها (فعليا) حكم الرئيس مبارك (1981-2011) ولتصبح تلك هي المرة الأولي منذ قيام ثورة يوليو 1952 التي تبدأ فيها عملية انتقال السلطة في وجود رئيس الجمهورية ومن خلاله. وبصرف النظر عن مواقف جميع الأطراف علي الأرض وتفاعلات الأحداث التي تتواتر وتتغير بين لحظة وأخري علي مدي الأسبوعين الماضيين والتي مازالت تفاعلاتها حتي لحظة كتابة هذه السطور تؤكد أنها لم تصل إلي نقطة النهاية.. بصرف النظر عن هذا فإن هناك الآن مجموعة من الحقائق تفرض واقعا، وتحدد مسار مصر في الأيام القادمة الحاسمة. أولا: هذه أول ثورة شعبية تفرض فيها حركة الجماهير وضغطها تغيير النظام السياسي ويكون ذلك هو العنصر الحاكم في مسار الأحداث بصرف النظر عن أنها تفجرت عبر شريحة عمرية محددة ( الشباب ) وأنها استغلت في إطار التصعيد والتوجيه من تيارات وقوي دينية - سياسية في الداخل والخارج ومن أحزاب وجماعات سياسية مصرية وجدت أن الفرصة قد حانت لتحتل موقعا وتحدث تأثيرا، بعضها فشل في إحداثه علي مدار 35 عاما.. فكل هذه الأمور لا تغير من حقيقة أن الانفجار كان شعبيا وأن العنصر الضاغط كان شعبيا، وكان له ما يبرره وما أدي إليه في ممارسات النظام السياسي وكانت له مؤشراته التي لم يتم التعامل معها بالتقدير الصحيح فوصلت إلي نقطة انفجار لم يتوقع تداعياتها حتي الذين بدأوها.. أما أدوار باقي الأطراف المتداخلة فلن تتحدد حقيقتها وطبيعتها الآن وسيحكم التاريخ عليها.. فما رآه العالم علي الشاشات لم يكن هو المشهد كاملا وهناك الكثير من الخفايا حركت أطرافا بعينها. ثانيا: تعرض الجيش المصري لاختبار من أصعب الاختبارات في تاريخه علي المستوي الداخلي وكان واضحا من اللحظة الأولي أنه الضامن الوطني الأول والوحيد للحفاظ علي سلامة الوطن والشعب.. وكانت كل خطوة من تدخله، وكل إعلان موقف له، وكل تحرك، مدروس بدقة وفي توقيت صحيح، واستطاع أن يلعب دوره الرئيسي في إدارة الأزمة بقدرة كاملة وحس وطني وإدراك لحجم المسئولية متعاملا مع كل تغير سياسي وجماهيري وفق تقدير موقف يقظ. ثالثا: من الآن ولفترة لا يستطيع أحد تحديدها سيكون علي الجيش أن يؤدي دورا رئيسيا بصرف النظر عن أي تفاعلات سياسية ستحدث لأن القوتين الحقيقتين اللتين ستحددان مسار مصر في المرحلة المقبلة هما: الجيش والجماهير، أما القوي السياسية فلم يتبلور حجمها ولا دورها ولا شكل العلاقات بينها، فضلا عن أنها جميعا لا تملك شرعية جماهيرية حتي اللحظة. رابعا: إذا سارت الأمور في الإطار الدستوري فإننا أمام حقيقتين: الأولي أن أحزابا جديدة ستنشأ بعضها سيستوعب حركات سياسية قائمة لم يكن متاحا لها أن تتحول إلي أحزاب شرعية فضلا عن حتمية نشوء حزب أو أكثر يعبر عن حركة الشباب الثورية التي أفرزتها تظاهرات 25 يناير.. والحقيقة الثانية أنه انتهي عهد احتكار الحكم لحزب واحد فسيصبح الباب مفتوحا لتداول السلطة بعد 59 عاما من حكم الحزب الواحد سواء كان النظام شموليا أو تعدديا ( 1952-2011). خامسا: إذا سارت الأمور في الإطار الدستوري أيضا فإننا سنصبح لأول مرة منذ عام 1952 أمام وضع يسمح بوصول رئيس مدني إلي الحكم بطريقة دستورية، طبيعية ووفق آلية تنافسية تتعادل فيها القوي في غياب شخصية لها شرعية تاريخية كما هو الحال بالنسبة للرئيس مبارك. سادسا: لا ينبغي تصور أن مصر ستستيقظ غدا أو بعد غد علي واقع مستقر، بل سنعيش مرحلة لا يمكن تحديد مدتها تحت تداعيات أحداث وتفاعلات سياسية وضغوط اقتصادية وتحديات أمن ووجود، خارجية وداخلية، وإذا دعت تلك التداعيات والتحديات إلي عدم السير في الإطار الدستوري سيكون الجيش بحكم مسئوليته هو اللاعب الرئيسي الذي يحدد مواقع اللاعبين الآخرين في ضوء تقديره لأسلوب الحفاظ علي سلامة الوطن والشعب. --- أخيرا فإن ما يدعو به أي مصري مخلص الآن هو ألا تؤدي أي أمور إلي فوضي شاملة أو انقسام أو انكسار «لا قدر الله» أمام تحديات أمن قومي خارجية.