يستفز جدا شباب ميدان التحرير أن يقول لهم أحد أن حركتهم إخوانية.. ومعهم حق في ذلك.. لأن الحقيقة التي يراها أي شخص بالعين المجردة هي أن كل الأطياف موجودة في ميدان التحرير. لكن الحقيقة التي ربما لن تراها بالعين المجردة هي أن الإخوان يكسبون الكثير جدا من ميدان التحرير وأثبتوا ذكاء فائقا في التخلي عن شعاراتهم الدينية بشكل مؤقت.. من يتغلغل في ميدان التحرير بنظرة سياسية متفحصة يدرك وجود قوي ظلامية تعيد ترتيب أوراقها وتجلب كل أوانيها لتنهل من مغارة علي بابا التي فتحت لها أبوابها علي مصراعيها. مواقف مزعجة جدا قابلتني في ميدان التحرير وبين شباب المتظاهرين عند مجلس الشعب تدعو المجتمع كله إلي أن يقلق بل ويقلق جدا وربما عليه أن يرتعب. الموقف الأول: الموقف الأول كان قبل ساعات من خطاب الرئيس الذي أعلن فيه عدم نيته الترشح لفترة أخري عندما قررت أن أجري استطلاعا للرأي بين الشباب المتظاهر في ميدان التحرير. أعددت استمارة صغيرة جدا تتكون من5 أسئلة: • هل تؤيد إقامة حزب علي أساس ديني؟ - نعم - لا - لا أعرف • إذا ترشح أحد أعضاء الإخوان للرئاسة هل ستعطيه صوتك؟ - لا يمكن - طبعا سأعطيه - احتمال • الرئيس مبارك؟ - كنت أتمني ألا يصل إلي هذه النقطة - ما يحدث لا يلغي تاريخه - كنت ضده دائما. • البرادعي: - أرفضه - أوافق عليه - لا أعرف • ما مدي ثقتك في أن المظاهرات ستأتي بالأفضل؟ - 100% - لست واثقا - لا أعرف طبعت منها300 نسخة ونزلت إلي ميدان التحرير بعد الساعة السابعة مساء. دخلت إلي الميدان فوجدت أن معظم الشباب الذي شاهدته في الصباح قد رحل ومعظم المتبقين تبدو عليهم ملامح دينية.. لحي طويلة ونقاب. تجولت بين كثير من الفرق.. ووقع اختياري علي منطقة يقف فيها شباب متفرق لا تبدو عليهم علامات محددة لأي توجه.. قررت أن أبدأ بهم.. أخرجت بعضا من أوراقي وأقلامي ووزعتها عليهم.. وفي أقل من5 دقائق ظهر لي شابان أخذا يسألاني من أنت؟ ولماذا تسألين هذه الأسئلة؟ قلت أنا صحفية وأقوم باستطلاع للرأي.. قالوا لي ولماذا تريدين تفريقنا؟ قلت لهم لن أفرقكم، هذا استطلاع لا أطلب فيه بيانات شخصية ونتائجه ستكون مجمعة.. قالوا لي ولماذا نفكر أساسا فيمن نريد؟ التفكير في هذا الموضوع لم يحن، نحن لا نريد الآن إلا رحيل الرئيس. قلت لهم «ألا تحاسبون النظام والحكم لأنه كان قاصر الرؤية؟.. فكيف تقومون أنتم بفعل وليس لديكم رؤية له؟».. لم ترحني أسئلة هؤلاء وكأن سؤال «ماذا بعد؟» هو السؤال الذي يريدون إبعاده عن عقول الناس.. خرج لي أكثر من10 رجال أمروا الشباب بتقطيع ما معهم من استمارات، فالكل قطعها دون تفكير في لحظة واحدة.. فجأة تحولوا من النقيض إلي النقيض بعد أن كانوا في قمة حماسهم وتفاعلهم مع الاستمارة.. التفوا حولي وأخذوا يهتفون «امشي!! امشي!!».. وفجأة وجدت فتاة منقبة وأخري مخمرة تمسكانني من ذراعي وآخر يقول لي «يجب أن نخرجك من هنا الآن وفورا وإلا سيقتلوكي هنا!».. قلت له «من هؤلاء؟؟ ومن أنتم؟؟ وكيف تتظاهرون من أجل الحرية وأنتم تقمعون حرية الآخرين وتمنعونني عن أداء عملي؟».. التفوا حولي في دائرة أمسكتني الفتاة المنتقبة من ذراعي وأخذت تدفعني معهم.. صرخت في وجوههم وهم لا يسمعون.. «من أنتم؟ ليس من حقكم! ففوجئت بهذه المنتقبة تقول لي «هل معك تصريح تصوير؟» فقلت لها «من أنت حتي تسألين صحفية نقابية عن تصريح تصوير؟».. أجابتني من خلف وشاحها الأسود بإجابة أفزعتني «خلاص لم يعد هناك قانون.. إحنا هنا القانون!».. وأخذت تقول لهم «سلموها للجيش».. سألت الفتاة المختمرة وهم يدفعون بي وسط الحشود «أنتم إخوان؟؟».. أجابتني «نحن مصريون» وهي إجابة فهمت منها أنهم إخوان. هنا فقط فهمت ما قاله مرشدهم السابق في إحدي تصريحاته التليفزيونية عن الأحداث «الإخوان لا يرفعون شعارات دينية في هذه المظاهرات فهم متغلغلون في نسيج الشعب».. أحاط الدائرة التي أخذت تدفع بي بين الحشود عدد من الملتحين حتي شاهد الموقف صحفي لم أتعرف علي اسمه حتي الآن حاول أن يوقفهم وقال لهم «ماذا تفعلون بفتاة؟ ماذا فعلت؟» أجابوه «تثير الفتنة».. أخذ يصرخ في وجوههم ويقول لهم «اتركوها» فلم يجبه أحد ثم قالت لي الفتاة المختمرة التي كانت عن يساري «نحن نريد إخراجك لسلامتك.. سيذبحونك».. والأخري ترد عليها «سنسلمها للجيش ليتصرف معها!».. أدركت أنني محاطة بعشرات من الإخوان الذين أزعجهم جدا سؤالي عن رأي الشباب في الإخوان واستغلوا حالة الحماسة التي تجعل القيادة سهلة جدا. •• أخرجوني خارج ميدان التحرير وخرج معي الصحفي الذي لم أتعرف علي اسمه حتي الآن ولم يفقد الأمل إنما ظل يحاول أن يجعلهم يتركونني. أخرجني للجيش فأخذت أصرخ في وجوههم «أنتم لا تعرفون ماذا تفعلون!!.. أنتم تنادون بالحرية بينما أنتم أول من يقمع الحريات!!» فوجئت أنهم قد أخذوا الكاميرا الخاصة بي.. سحبوها من يدي فأمسكت بالفتاة المختمرة واشتكيتها للجيش فوعدتني أن تعيدها إلي.. دخلت الفتاة في زحام التحرير الذي كان يقدر يومها بعشرات الألوف وعادت في دقائق معدودة والكاميرا في يدها.. فاندهشت من سرعتها وخفت أيضا. •• جلست علي الرصيف وأجهشت في البكاء.. ليس خوفا.. فهذا الموقف ربما يكون الموقف رقم ألف الذي أتعرض له أثناء عملي الصحفي إنما بكيت رعبا علي مستقبل هذا البلد إذا وصل مثل هؤلاء إلي سلطته..20 دقيقة قضيتها في دولة الإخوان في ميدان التحرير أصابتني بالرعب علي مستقبل هذا البلد. حصرت الاستمارات القليلة التي كنت قد جمعتها من الشباب قبل أن يتلقوا أمر تقطيع الورق وعدم الإجابة.. وجدتها 25 استمارة وإليكم الإجابات: إجابة عن السؤال «هل تؤيد إقامة حزب علي أساس ديني؟»11 قالوا «نعم» و9 قالوا «لا» و2 قالوا «لا أعرف» و3 امتنعوا عن الإجابة. وإجابة عن سؤال «إذا ترشح أحد أعضاء الإخوان للرئاسة هل ستعطيه صوتك؟»11 قالوا لا يمكن و5 قالوا احتمال و4 قالوا «طبعا سأعطيه» و5 امتنعوا عن الإجابة. عن الرئيس مبارك4 قالوا «كنت أتمني ألا يصل إلي هذه النقطة» و3 قالوا «ما يحدث لا يلغي تاريخه» و13 قالوا «كنت ضده دائما» و5 امتنعوا عن الإجابة. عن البرادعي 12 قالوا «أرفضه» و8 قالوا «أوافق عليه» و4 قالوا «لا أعرف» وواحد امتنع عن الإجابة وكتب بخط كبير علي استمارته «عمرو موسي». وعن مدي ثقتهم أن المظاهرات ستأتي بالأفضل18 قالوا 100% و2 قالوا «لست واثقا» و1 قال «لا أعرف».و4 امتنعوا. هكذا جاءت نتائج الاستطلاع المصغر غير المكتمل تحمل مؤشرات تدعونا إلي القلق. الموقف الثاني: الموقف الثاني كان حينما اصطحبت صحفيا ومصورا سويديين طلبا مني عدم ذكر اسمهما إلي ميدان التحرير حيث كنت أساعدهما في التواصل والترجمة. وبعد دقائق معدودة من دخولنا الميدان وجدنا شابا خرج لنا من حيث لا نعلم وقال لنا بلغة إنجليزية ركيكة «أهلا بكم.. تعالوا معي سآخذكم إلي مكتب تنظيم مظاهرات ميدان التحرير».. وكانت هذه هي أول مرة أعرف فيها أن هناك مكتبا لتنظيم المظاهرات.. اصطحبنا إلي أحد مكاتب شركات السياحة وقد تحول إلي مكتب فارغ وخرج لنا منه الوجه الإخواني المعروف «محمد عبدالقدوس» ورحب بالصحفيين الأجنبيين ودون أن يعرف منهما ماذا يريدان أخذ يتحدث إليهما عن دور جماعة الإخوان المسلمين في المظاهرات وأخذ هذا الشاب يترجم بلغته الركيكة. قال محمد عبدالقدوس للصحفي «نحن الإخوان المسلمون قمنا بهذه المظاهرات والشباب ساعدونا فيها».. كرر هذه العبارة 3 مرات بوضوح شديد. وأخذ يحكي له عن المعاناة التي لاقاها الإخوان ولاقاها هو شخصيا.. وأثناء حديثنا معه رأيت مشهدا أعتقد أنني سأندم طوال حياتي علي أنني لم ألتقطه علي الكاميرا إذ تقدم نحوه شاب من المتظاهرين وانحني علي يده وقبلها بطاعة شديدة «وقد نمي إلي علمي أن المرشد السابق مهدي عاكف جلس في هذا المكتب ليدير الأمور». وبعد ربع ساعة رأيت شابا من هؤلاء الذين أحاطوني في اليوم الأول وأخذ يصرخ في الناس «هذه الفتاة كانت توزع منشورات ضد الثورة وقد طردناها..» لكن بعد أن فهم أنني مصاحبة لصحفيين أجنبيين صمت تماما وأرسل ورائي شخصا ليتأكد أنني لا أقوم بعمل مضاد لهم. الموقف الثالث: ذهبت مع الصحفيين السويديين إلي ميدان التحرير في اليوم التالي وبعد أقل من5 دقائق من وجودنا في المكان أقبل علينا شاب يدعي «أحمد عبدالحي» بابتسامة هادئة عرفهما بنفسه كشاب من الإخوان المسلمين وطلب أن يتحث إليهما فوافقا فأخذ يردد نفس الكلام الذي ردده لهم «محمد عبدالقدوس» .. قال لهما «الإخوان لا ينشدون السلطة لكن لو طلبهم الشعب سيلبون له طلبه والإخوان يلبون أوامر الدين الإسلامي الذي يأمر باحترام كل العقائد الأخري».. وفجأة وجدت هذا الشاب الإخواني يتحدث مع الصحفيين الأجنبيين عن احترام الإخوان لكل الديانات الأخري أيا كان نوعها. الموقف الرابع: الموقف الرابع كان عند مجلس الشعب حيث احتشد عدد من المتظاهرين وكنت مع صديقي السويديين أيضا فجاءنا شاب بلحية يدعي «عطية عبدالله» وطلب الحديث معهما.. سألته «هل أنت إخواني؟» أجاب «يعني».. سألته «سلفي؟» أجاب «بالضبط». وأخذ هذا الشاب يحدثهما عن حكمة وعدالة الحكم الإسلامي وأخذ يشرح لهما أن نظام الحكم بالشريعة الإسلامية هو مثل الحكم بالنظام الشيوعي أو الاشتراكي.. «كما حدثهما عن أهمية أن تتحول الأنظمة الاقتصادية إلي النظام الإسلامي الذي يحرم الربا.. وأخذ الشاب يحدثني عن مؤتمر السلفيين الذي عقد يوم الثلاثاء الماضي. قال لي أنهم أعلنوا أنه بانتهاء النظام الحاكم «الكافر الفاسق» أصبح لزاما عليهم أن يخوضوا الحياة السياسية مؤكدين أنهم يستطيعون جمع20 مليون صوت علي الأقل من الشارع المصري. الموقف الخامس: الموقف الخامس كان حينما تحدثت إلي شاب يبدو أنه علماني وسألته عن خوفه من وصول الإخوان للحكم، فأجابني «وهل كان حكم مبارك مدنيا؟ انظري الجامع الموجود داخل مجلس الشعب.. هل هذه هي المدنية؟» ثم قال «الإخوان يحموننا داخل الميدان ولا نستطيع أن نستغني عنهم». الموقف السادس: الموقف السادس الذي أثار علامات استفهام كثيرة هو إقبال النائب الإخواني السابق «محسن راضي» علي الدكتورة «نوال السعداوي» التي نزلت في زيارة إلي ميدان التحرير.. رحب بها بشدة وحرص علي الوقوف معها! 6 مواقف لم أسع إلي كشفها فلا أستطيع أن أقول إن ما خفي كان أعظم بكثير.