عبر تاريخ طويل، لم يعرف المصريون التفرقة بين مواطن وآخر على أساس الدين، فهذا هو «عم عياد» المسيحى فى صعيد مصر (المنيا) الذى يعلم أطفال القرية القرآن الكريم، وهذه الحاجة «فاطمة» التى تحضر كل مناسبات جيرانها المسيحيين فى الكنيسة والدير، حتى ظهرت تلك التنظيمات الدينية التى نشرت أفكارا ظلامية ساهمت فى نشر التعصب فى بؤر بعينها داخل المجتمع. عندما نشرنا تحقيقا فى العدد قبل الماضى من مجلة «روزاليوسف» تحت عنوان «فصول للمسيحيين فقط فى الفيوم للغات»، وسلطنا من خلاله الضوء على جريمة فى حق الوطن والمواطنة تتمثل فى عزل التلاميذ المسيحيين عن المسلمين فى تلك المدرسة اعتقدنا أنها سابقة تحدث لأول مرة فى مصر، لكن سرعان ما تفاعل بعض أولياء الأمور فى مدارس مختلفة مع التحقيق وراحوا يعلنون أن مدارس أبنائهم أيضا تفرق بين أبناء الوطن الواحد. المؤسف حقا فى الأمر أن هذه الجريمة ليست وليدة هذا العام أو العام السابق، بل هناك مدارس تجرى فيها وقائع مماثلة منذ ست سنوات، فكما كان الحال فى مدرسة الفيوم الجديدة للغات كان الواقع فى مدرسة «طامية الإعدادية للفيوم القديمة» إذ قامت إدارة المدرسة بعزل التلاميذ المسلمين عن إخوانهم المسيحيين ويرجع تاريخ تلك الجريمة لما يقرب من ثلاث سنوات، لكن للأسف مثل غيرهم من أولياء الأمور التزموا الصمت خوفا على أبنائهم من إدارة المدرسة. الواقع فى مدرسة «طامية الإعدادية للفيوم القديمة» تجاوز الخيال، إذ وصل إلى تقدم أولياء أمور الطلبة المسيحيين بالمدرسة بعدة شكاوى للإدارة التعليمية بالفيوم، بعد أن تعرض أبناؤهم للتفرقة فى الفصول عن زملائهم المسلمين، ولم تقف التفرقة عند العزل فى الفصول فقط بل إن المدرسين أصبحوا يمتنعون عن دخول الحصص فى فصول المسيحيين، حتى إن الأمر تطور بين الطلبة أنفسهم نتيجة للتفرقة فازدادت المشاجرات بين المختلفين دينيا، ناهيك عن اتخاذ إجراءات الردع ضد الطلبة المسيحيين وحدهم. «ى. ج» ولى أمر أحد التلاميذ قال لنا إنه فوجئ بعد أن ذهب إلى المدرسة بأن الإدارة تعزل الطلبة المسلمين عن المسيحيين، رغم أن ابنه بالصف الثانى الإعدادى، مشيرا إلى أن المدرسة تخصص فصلًا فى كل مرحلة دراسية للطلبة المسيحيين، وكل فصل يضم 30 طالبا. وأضاف: طالبنا مع عدد من أولياء الأمور بضم الطلبة مع بعضهم بعضا وإعادة توزيعهم على الفصول بحسب الترتيب الأبجدى لإنهاء المشاكل المتكررة والتى تسبب أزمات متكررة بين الطلبة، حتى إن بعض أولياء الأمور اقترحوا على إدارة المدرسة التنازل عن حصة التربية الدينية المسيحية، لإنهاء الحجة التى كانت تتعلل بها إدارة المدرسة بأن حصة الدين هى السبب فى الفصل بين الطلبة، لكن المؤسف رفض إدارة المدرسة، قائلين: «إلغاء مادة التربية الدينية المسيحية سوف يضع المدرسة فى أزمة مع الإدارة التعليمية لأنه مخالف للقانون». ويتابع ولى الأمر: «نتيجة إصرارنا كأولياء أمور وشروعنا فى جمع توقيعات للمدرسة تفيد بأننا موافقون على إلغاء دراسة مادة التربية الدينية المسيحية فى مقابل توزيع أبنائنا على الفصول، اجتمع بنا المشرف الاجتماعى بالمدرسة وحاول إقناعنا بأن عزل الطلبة فى فصول جاء بعد مشورة مسئول الكنيسة بالفيوم». فكان ردنا: «ليس هناك علاقة بين المدرسة والكنيسة، المدرسة عمل مدنى أما الكنيسة للعبادة، ولم يكن أمامنا سوى تقديم شكوى إلى الإدارة التعليمية، ومقابلة مديرة الإدارة التى لم تصدق الأمر فى البداية قائلة: إن الإدارة لم تعلم شيئًا بالأمر وشكلت لجنة من الإدارة للتأكد من الأمر. رفعا للحرج وإنهاء للموقف قامت إدارة المدرسة بضم خمسة طلبة من المسلمين إلى فصول الطلبة المسيحيين فى الوقت الذى حضرت فيه اللجنة للمدرسة، مع وعد من جانب إدارة المدرسة لأولياء الأمور بإعادة توزيع الطلبة أبجديا، وبعدها فوجئنا بإدارة المدرسة تجبر الطلبة على التوقيع على إقرار، بأنهم لم يتعرضوا لأى من أنواع الاضطهاد من إدارة المدرسة. قد ينظر البعض منا إلى مارس الفيوم باعتبارها فى محافظة نائية يسيطر الإخوان والتنظيمات الدينية على عقول الكثير من أبنائها فماذا عن القاهرة، ففى مدرسة 25 يناير بالعاشر من رمضان، ومع بدء العام الدراسى الحالى فوجئ أولياء أمور التلاميذ المسيحيين بأن أبناءهم غير مسجلين فى قوائم الفصول، لتخرج عليهم إدارة المدرسة قائلة: «جمعوا أبنائكم وهنعمل فصول خاصة بهم»، على غرار المراحل السابقة التى بها فصول خاصة بهم ليكتشف الأولياء أن إدارة المدرسة تنفذ عملية فصل التلاميذ منذ ست سنوات. يقول مجدى فايز، أحد أولياء الأمور، بالمدرسة: نتيجة إهمال الفصول الخاصة بالمسيحيين، فهى لم يدخلها مدرسون منذ بدء العام الدراسى، تقدم أولياء الأمور بشكاوى إلى الإدارة التعليمية بالعاشر من رمضان، ورغم محاولاتنا المتعددة للتواصل مع الإدارة للنظر فى مطالبنا والبت فيها فإن الإدارة ترفض مجرد الاستماع للشكاوى. وتابع مجدى فايز: تقدمنا بالشكوى إلى الإدارة التعليمية، فكانت النتيجة ضم عدد محدود من الطلبة المسلمين على فصل المسيحيين حتى لا يتبين بأن هناك فصولاً خاصة بالمسيحيين، يفضح أمر إدارة المدرسة، التى خدعت أولياء الأمور بأن عزل التلاميذ المسلمين عن المسيحيين جاء تنفيذا لقرار وزارى. ويؤكد ولى الأمر أن المدرسين لا يدخلون الفصل ولا توجد بها مقاعد للجلوس عليها، ناهيك عن سبورة للكتابة عليها مقارنة بالفصول الأخرى حيت يتوجب على أولياء الأمور تجهيز الصف كل صباح إن سمح لهم بالدخول. موضحا أن الأزمة لا تخص مسيحيًا ولا مسلمًا، بل تخص وطنًا ومواطنين لمنع الإرهاب من جذوره وكراهية الوطن، موكدا نتيجة هذه التفرقة أصبح هناك مشاكل يومياً بين الطلبة المسلمين والمسيحيين خاصة طلبة المرحلة رابعة وخامسة وسادسة ابتدائى. واختتم مجدى فايز حديثه قائلا: نحن تعلمنا فى مدارسنا لا فرق بين طالب مسلم ولا مسيحى،فأنا كنت أقرأ مقدمة الإذاعة بالمدرسة قائلا: «من خطبة الأصمعى الحمد لله الواسعة عطاياه الوازعة قضاياه المشتملة على أقسام الخلق قسمة الذى ما فرط فى الكتاب من شىء محلل الشرع ومحرومه»، والآن مع الذكر وآيات من القرآن الكريم. فى حى العمرانية بالجيزة وبالتحديد فى مدرسة أحمد زويل للغات بنين، لا تختلف الحالة عن سابقاتها من حيث عزل الطلبة المسلمين عن المسيحيين، لقد قررت إدارة المدرسة عزل الطلبة منذ ثلاثة أعوام، ليصبح بالمدرسة ثلاثة فصول الصف الأول والثانى والثالث الابتدائى للمسيحيين فقط، كما أكد ولى أمر اثنين من التلاميذ بالصفين الأول والثانى الابتدائى،مما سبب بعض المضايقات للتلاميذ، من زملائهم بعد تردد كلمة «فصل المسيحيين»، الذى تسبب فى إزعاج التلاميذ وشعورهم بالتمييز ضدهم. رغم محاولات أولياء الأمور إقناع إدارة المدرسة بالرجوع عن القرار وإعادة توزيع الأطفال على الفصول أبجديا، وجمع إقرارات التنازل عن حصة مادة الدين، إلا أن مديرة المدرسة رفضت. ولم يكن أمام أولياء الأمور سوى أن يخضعوا لهذا التمييز العنصرى،خوفا من اتخاذ أى إجراءات ضد أبنائهم فى درجات أعمال السنة. اللافت كان موقف وزارة التربية والتعليم فعقب نشر التحقيق السابق أرسلت إلى إدارة التربية والتعليم بالفيوم للتحقق من الواقعة ولكن إدارة المدرسة نفت، وعندما اتصلنا هاتفيا بالدكتور رضا حجازى،رئيس قطاع التعليم العام بوزارة التربية والتعليم رفض التعليق على هذا الأمر، نافيا أن يكون الفصل قد حدث من الأساس.