منير الاختلاف عن السائد والمألوف.. هذا هو سره الحقيقى، منير صاحب الرؤية الفنية المميزة، غناء بطعم الصدق والوطن، هو فى المسرح المصرى بمثابة تأشيرة مرور إلى قلب الجماهير الكبيرة وإلى النخبة معا. الجمع بين الحرية والالتزام، بين البساطة والعمق، بين الطليعة والجماهير.. شارك بطولة مسرحيات مهمة ومختلفة فى اختياراتها الفنية لمؤلفين هم فى القلب من الثقافة الوطنية «الملك هو الملك» للكاتب السورى الأكثر حضورا فى المسرح المصرى سعد الله ونوس، والتى عرضت 1988. وقدم «ملك الشحاتين» لنجيب سرور الشاعر والمسرحى الرمز مع الفنان الرائع سعيد صالح والفنانة صابرين ثم قدم من تأليف محسن مصيلحى أستاذ الدراما والنقد بالمعهد العالى للفنون المسرحية «مساء الخير يا مصر» 1997م فى إطار مسرح الجريدة الحية من إخراج ناصر عبدالمنعم. إلا أن التوفيق والنجاح قد حالفه مع المخرج مراد منير الذى قدم معه الملك، و«ملك الشحاتين». لكن تبقى «الملك هو الملك» بحضور مسرحى فذ للفنان صلاح السعدنى هى علامة النجاح الباهر لمنير فى المسرح المصرى وشهادة ميلاد لفنان مسرحى مختلف هو الفنان مجدى فكرى. ولذلك تبقى مسرحية «الملك هو الملك» والتى أعيد عرضها أكثر من مرة هى أهم مسرحيات منير والمخرج مراد منير. «الملك هو الملك» مسرحية سعدالله ونوس الرائعة المكتوبة بالفصحى رفيعة المستوى تحمل داخلها ذلك المزج العبقرى النادر بين الصبغة الشعبية والصبغة الفلسفية، بين التركيب الدرامى البنائى شديد التعقيد والبراعة، وبين الحبكة البسيطة السهلة، بين عمق مناقشة فكرة البناء السلطوى وطبيعة تكوينه المعقد، وبين بساطة وسهولة الحياة البشرية الفطرية، عندما يتعاون البشر على الحياة ويبتهجون بالاشتراك فى جنى الثمار، عندما لا يصبح فى الأرض فقر ولا ضعف ولا ظلم. بين الوجه الإنسانى الحقيقى وبين التنكر والأقنعة والأوجه المستعارة.. ولقد أدرك منير مراد جوهر هذا النص، وأمعن فى أخذه أكثر وأكثر فى رؤيته الإخراجية ذات الطابع الجمالى الأخاذ نحو كونه عملا شعبيا. فكان أن مزج الفصحى الشاعرية بالعامية المصرية، ورغم أن العديد من النقاد رفضوا هذا المزج آنذاك، فإنه كان اختيارا فنيا مهما لصالح أخذ المسرحية فى اتجاه الإطار المرجعى للجمهور العام. وقد كان أن استعان المخرج بالشاعر المصرى الكبير أحمد فؤاد نجم الوريث الشرعى لعبدالله النديم وبيرم التونسى معا. وقد كان ذلك هو أول إذن سماح رسمى بظهور إبداع أحمد فؤاد نجم فى مسرح الدولة. وهو الأمر الذى سيبقى درسا للقائمين على إدارة المسرح المصرى الآن. القيادات المهنية فعلت ذلك فهمى الخولى وهو يدير إنتاج المسرحية فى المسرح الحديث، صلاح السقا وهو رئيس البيت الفنى للمسرح وفاروق حسنى الوزير صاحب إذن السماح السياسى آنذاك لضمير مصر الشعرى كى يدخل المؤسسة الرسمية. وفى الظلال يبقى دور محمد منير وصلاح السعدنى الممثل القريب آنذاك من رجال السياسة فى إنجاز هذا الأمر. وقد جاء اختيار حمدى رءوف الملحن الموهوب المسرحى شديد الحساسية مكملا لهذا الإطار الشعبى بمجموعة الموسيقى المصرية البسيطة. صلاح السعدنى الشعبى المتوهج صاحب الفهم الممثل المثقف وقف خلفه ليدعم هذا الحس الشعبى الاحتفالى موهبة مدهشة ظلت علامة فى المسرح المصرى حتى الآن ألا وهو المسرحى مجدى فكرى.فايزة كمال الوجه الحبيب للجمهور.. حسين الشربينى الطابع الخاص اللامع لطفى لبيب، وغيرهم كانوا فى حالة وهج إلا أن محمد منير الفتى الأسمر الذهبى ابن وادى النيل بكل هذا الحضور الدافئ والطاقة العاطفية الرقيقة التى لم يعرفها الغناء المصرى منذ عبدالحليم حافظ. منير عندما ترى الملك هو الملك لا تعرف فى أى خانة تضعه فى خانة الفلسفة والرقى والمستوى الرفيع، أم فى خانة الحس الشعبى العميق. وحقيقة الأمر أنه هو «السهل الممتنع» وسر حيويته أنه هو الجمع بين الأمرين الفنى رفيع المستوى، والشعبى العميق بكل تراث المصريين العاطفى من الفهم والحزن القديم حزن أول حضارة فى التاريخ عرفت الله والحب. إنه محمد منير الحريص على أن يكون مهذبا رقيقا ملتزما بالحوار الدرامى جادا، لم يستطع الإطار الارتجالى الذى فجره السعدنى جذبه نحو الخروج عن النص.. ذلك لأن محمد منير نص خارج عن النص التقليدى؛ لأن روح الفنان العبقرى تكمن فى قدرته على الاختلاف والفرح بالجديد، محمد منير كل سنة وأنت طيب، كل سنة وأنت قيمة وقامة وبهجة دائمة.