عندما يخرج الكلام عن سياقه، يتحول إلي مجرد ثرثرة فارغة للاستعراض، أو لفت الانتباه، أو محاولة للاستعطاف، أو جلب الضحكات.. يكون ذلك خروجا عن النص، يستحق المساءلة (أكثرمن مؤلف مسرحي، تقدم بشكوي ضد ممثل خرج عن حدود دوره المكتوب بالمسرحية..أحيانا أيضا يشكو الممثلون المشاركون بالعرض، لأن مايفعله الممثل بخروجه يربكهم ويربك المسرحية)!..لكن عندما يضيف الكلام إلي النص المكتوب والي الشخصية، ويسهم في تعميق المعني وتوضيحه، ويضاعف ثراء الشخصية.. يكون ذلك ارتجالا فنيا وإبداعا..فالارتجال فن وثقافة وموهبة.. بناء عفوي تلقائي يتطلب قدرة وحضور وموهبة وسرعة بديهة وعلاقة حية وممتدة مع الجمهور.. قبل عشرين عاما، قدم المخرج "مراد منير"مسرحية (الملك هو الملك)للكاتب المسرحي السوري "سعدالله ونوس"ولعب بطولتها "صلاح السعدني"في دور (أبوعزة المغفل).. رجل من العامة البسطاء، صعلوك خفيف الظل، يحلم أن يصبح ملكا للبلاد، فيمنحه الملك فرصة أن يكون ملكا ليوم واحد (حكاية مأخوذة عن الف ليلة وليلة)..وشخصية الصعلوك تسمح بالطبع بالارتجال والإضافة والبناء عليها، وهو مافعله السعدني بإبداع ومهارة..لكن حدث أن امتدت مواسم عروض المسرحية لسنوات، وقام الفنان أحمد بدير بلعب شخصية أبوعزة المغفل لفترة قصيرة..وحدث أن كان المؤلف سعد الله ونوس في زيارة للقاهرة، وشاهد مافعله بدير بالشخصية، وخروجه الزائد علي النص والعرض والسياق، متجاوزا مفهوم الارتجال، ومتجاوزا مفهوم الشعبية...يومها ابتلع المؤلف حبة مهديء، بعدها بقليل ابتلع حبة مهديء أخري، ثم غادر المسرح غاضبا، مؤكدا أن الفارق جارح بين (الشعبية) و(الشعبوية).